على الصاوي يكتب: تركيا 2023 وعودة العلاقات مع مصر

profile
علي الصاوي كاتب صحفي وروائي
  • clock 17 نوفمبر 2022, 7:17:27 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحديث مجددا حول التقارب مع مصر، وإمكانية إعادة النظر في العلاقات بجانب سوريا وذلك بعد الانتخابات الرئاسية عام 2023 ، التى سوف تشكل مُفترق طرق للأمة التركية بشكل عام، وتعد جوهرة التاج لحزب العدالة والتنمية بشكل خاص، ففيها سوف يكلل الحزب الحاكم جهوده السابقة بإعلان انطلاق الجمهورية الجديدة، كونه مايسترو أوركسترا التنمية الاقتصادية ونهضة التحديث على مدار 20 عاما وإلى الآن، ففي معرض حديثه للصحفيين في ختام قمة العشرين في أندونيسيا قال الرئيس التركي"إنه يمكن لبلاده أن تُعيد النظر في علاقاتها مع مصر وسوريا، وذلك بعد الانتخابات المقبلة في يونيو/ حزيران 2023. مضيفا أنه لا خلافات أبدية في السياسة".

الناظر للعلاقات المصرية التركية في الآونة الأخيرة والتصريحات المتبادلة بين البلدين، يجدها تتسم بالحذر والرغبة في آن واحد، فكلتا الدولتين يدركان أهمية العلاقات الدبلوماسية والتنسيق السياسي، والتعاون الأمني في أكثر من ملف إقليمي، كالملف الليبي وغاز شرق المتوسط وجماعة الإخوان في الخارج، فكانت سياسية الباب الموارب هى السمة التى تطغى على تصريحات المسؤولين بين البلدين، إضافة إلى التعاون الاقتصادي ورفع حجم التبادل التجاري وتسهيل دخول البضائع التركية إلى مصر بلا تضييق جمركي، فقد طالبت وزارة الصناعة المصرية في سبتمبر الماضي من المواقع الجمركية المختلفة رصد أي معوقات أو مشاكل تطرأ على الاتفاقيات التجارية بين مصر وتركيا من أجل حلها، في بادرة تُعتبر نقلة نوعية في إدارة العلاقات التجارية، قد يكون هناك ما يماثلها على الصعيد السياسي إذا تهيأت السياقات الإقليمية لذلك، وأيضا خطوة لها رمزية سياسية تحمل رسالة مفادها أن أفق عودة العلاقات بشكل كامل ما زال مفتوحا لمزيد من التقارب السياسي. 

يرى البعض أن العلاقات بين الدول كل لا تقبل الجزء، وهذا فهم خاطئ، فتركيا وروسيا تختلفان في كثير من الرؤى حول  الملف السوري، بل وصل الخلاف بينهما في بعض الأحيان حد التصادم، لكنهما في ملفات أخرى أكثر تعاونا وسلاسة مثل اتفاقية الغاز والدور التركي في الحرب بين روسيا وأوكرانيا ومحاولة جمع مختلف الفرقاء على طاولة المفاوضات للتقارب بالإضاف إلى اتفاقية الحبوب التى كان لتركيا دورا كبيرا في إنجازها مع روسيا وصففة الأسرى الأوكران، فالدول المركزية لا تعرف سياساتها رفاهية القطيعة المطلقة، مثل بعض التيارات السياسية الفاشلة التي كانت وما زالت تعول على استمرار القطيعة من أجل الحفاظ على مصالحها ولو على حساب مصلحة البلدين، فالمصلحة ضالة السياسي أينما وجدها ولّ شطر الدبلوماسية إليها، فلا مشاعر ولا عواطف ولا أشخاص أو جماعات تعوق مصالح الدول، وتصريح الرئيس التركي أعلاه يؤكد تلك الحقيقة، فلا مكان للقطيعة الأبدية لكن هناك مجال يسع أى تفاوض وتقريب وجهات النظر وتقييم جولات التقارب طبقا للمواقف والمتغيرات السياسية، وذاك دأب حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى سدة الحكم، سياسة الامتصاص وتحييد الخصوم وتعظيم المشترك وتقويته، والتعاون من منطلقه تحت مظلة البراجماتية البحتة.

وعن الموقف المصري فما زال صانع القرار حذرا ومتحيرا، يُقدّم رجلا ويؤخر أخرى عبر سياسة جس النبض واختبار النوايا والتلميح السياسي الذي يشير إلى سبب ديمومة الخلافات، مع الإبقاء على مواربة الباب والتقاط أى إشارة سياسية تركية برد مصري إيجابي على استحياء، أننا ما زلنا منفتحين على الحوار شريطة تبديد مخاوف مصر الإقليمية وما يضر مصالحها فيما يتعلق بدعم المعارضة السياسية في إسطنبول بكل أطيافها، والدور التركي في ليبيا وغاز شرق المتوسط، الذي هدأت وتيرة الشد والجذب فيه في الأشهر الماضية.

وبالرغم من رغبة البلدين ولو ظاهريا في أن تنقشع غمامة القطيعة، إلا أن ممارسات بعض الدول الإقليمية الأخرى وحساباتها قد يؤثر بشكل كبير على التقارب، فخريطة التحالفات معقدة وكل متربص بالآخر، وهناك بعض الدول لا تريد أى تقارب بين مصر وتركيا، وعودة نتنياهو مجددا على رأس الوزارة الإسرائيلية قد يؤثر ايضا على مسار السياقات الحالية، كونه أحد أضلاع مثلث الصراع بين تركيا ومصر واليونان بشكل خفي، بل هو أول من يستفيد من هذا الصراع، وتصريحاته الأخيرة حول تركيا، تؤكد أن علاقات إسرائيل وتركيا الأيام القادمة قد تكون أكثر إزدهارا، ولن يفوّت الجانب التركي استثمار ربيع العلاقة مع إسرائيل لتعزيز مصالحه في شرق المتوسط، لما لها من حضور قوى وتأثير على صانع القرار الأمريكي، ودورا رئيسيا في صراع الطاقة.

فهل تستطيع مصر تغيير خريطة تحالفاتها وفقا لمصالحها القومية؟ ومحاولة ابتكار آليات معالجة جديدة لخلافاتها العالقة مع تركيا تنأى بها عن الصراع التركي الغربي؟ ومتى تتحول مصر إلى أداة قوة تضرب بنفسها بدلا من أن تكون وعاء قوة يضرب به غيرها لتحقيق مصالحه؟.

التعليقات (0)