عماد توفيق عفانة يكتب: الردع الكاذب...خيارات وبدائل

profile
عماد عفانة كاتب وصحفي فلسطيني
  • clock 20 مايو 2023, 10:58:38 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عزز اتفاق وقف إطلاق النار قبل أيام بين الاحتلال الصهيوني وحركة الجهاد الاسلامي في قطاع غزّة، في اعقاب معركة ثأر الأحرار.


عزز عجز حماس كسلطة حاكمة في غزة عن تكريس نفسها كعنوان رئيس وجامع في قيادة المشروع السياسي الفلسطيني التحرّري، الذي تمثل فصائل المقاومة مجتمعة ادواته المؤثرة كشركاء.

فترك فصيل يخوض معركة منفردا للمرة الثالثة، رغم تشكيل الغرفة المشتركة غطاء له، وتصدره للتفاوض مع الاحتلال لإبرام اتفاقات تهدئة، بمعزل عن الغرفة المشتركة التي خيضت المعركة تحت عنوانها الكبير.

ينفي قدرة السلطة الحاكمة وفصيلها المهيمن على تمثيل عنوان وحدوي، ويؤخذ عليها امتناعها المتواصل عن تحويل الغرفة المشتركة من كيان معنوي الى قيادة اركان حقيقية، تتحكم في جميع مفاصل المشهد الميداني المقاوم، وعنوان للتمثيل السياسي.

ما دفع البعض لطرح مزاعم من قبيل ان المطامح السلطوية، كبّلت حركة حماس وأدخلتها في حسابات سلطوية، على حساب حفر خطوط مشروع سياسي فلسطيني تحرّري شامل.
فيما ذهب أخرون لادعاء استعجال حماس نيل شرعية إقليمية ودولية، عوضاً عن سعيها لتعزيز مشروعيتها الداخلية الفلسطينية العابرة للمناطق والانتماءات الفكرية والسياسية.

انزواء حماس خلف حركة الجهاد، أسفر عن تصدير الجهاد الإسلامي كعنوان سياسي، وليس كفصيل مقاوم شريك في مواجهة الاحتلال الصهيوني.

جميل ان تحافظ الفصائل على مواقعها السياسية، ضمن إطار الغرفة المشتركة كعنوان جامع، وليس من الصحي ان يبرز كل فصيل كعنوان سياسي بمعزل عن العنوان الجامع، وكأننا نكرس بإرادتنا وسلوكنا، الفصائلية والشرذمة باتفاقات منفردة مع الاحتلال.

غني عن القول ان الانقسام والفرقة والشرذمة الفلسطينية الداخلية، أحد أسباب الفشل في إرغام الاحتلال على كسر حصار غزة المستمر لأكثر من 16 عاما، ما جعل وقف الاغتيالات أو تحسين ظروف الحصار بدلاً من إنهائه، أحد شروط وقف إطلاق النار في غير جولة مع الاحتلال.

فيما ذهب أخرون إلى أن امتناع حركة حماس عن تصدر المواجهة مع الاحتلال في المعركة الأخيرة مرده الى ان أولوية حماس باتت الهدف الكبير وهو التحرير، ومراكمة القوة وصولا الى هذا الهدف، بات مقدماً على خوض معارك بين الحروب، تستنزف قوة ومقدرات المقاومة، وتخدم مخططات العدو في استراتيجية جز العشب.
وللحد من استنزاف مخزون فصائل المقاومة اللوجستي، خصوصاً المخزون العسكري، نتيجة اعتماد فصائل المقاومة على التصنيع والتمويل الذاتي، الى جانب غياب مناخ إقليمي ودولي يساعد في رفع كمية المخزون وكفاءته ونوعيته.

ما يعزز أهمية بحث فصائل المقاومة عن أشكال وأساليب نضالية أكثر مواءمة مع قدراتها، ومع ظروف حاضنتها الشعبية، سواء كانت مقاومة ناعمة أو خشنة أو خلف خطوط العدو، بما يمنح فصائل المقاومة القدرة على استنزف الاحتلال وحاضنته الاجتماعية ومؤسساته العسكرية والأمنية.

قدرة الفصائل مجتمعة او متفرقة على تحمّل عبئ استمرار جرائم الاحتلال المتكرّرة قصفاً وقتلاً وحصاراً واستنزافاً، في ظل ميل ميزان القوة بشدّة لصالح الاحتلال، وعدم ملائمة الظرفين الإقليمي والدولي، لدعم مسار شامل للتحرر الفلسطيني، يفرض على فصائل المقاومة البحث عن بدائل أكثر ايلاما وتأثيرا على الاحتلال من مواجهته على طريقة الجيوش التي يملك فيها الاحتلال تفوقا كبيراً.

بدائل تحرم الاحتلال من التحكم بمسار المواجهة وتوقيتها، وتضمن استمرار تماسك الحاضنة الشعبية الفلسطينية وصمودها، وتؤثر في المقابل على قوة وتماسك الجبهة الداخلية للعدو الصهيوني.

زعم نتنياهو في أكثر من تصريح انه حقق الردع للمقاومة، وانه نجح في تحييد حماس المردوعة عن الانضمام للمعركة مع الجهاد الإسلامي، رغم دعمها في الخفاء، إلا ان الخبراء يقولون ان نتنياهو فشل في تحقيق أي هدف استراتيجي بعيد المدى، وأنها معركة انتخابية لأسباب داخلية أكثر منها معركة عسكرية ذات اهداف حقيقية، ما يعزّز من احتمالية تكرار هذه الجولات التي تخدم الاحتلال وقادته السياسيين.

على الرغم من نجاح الاحتلال في اختراق جدار الفصائل الأمني، الأمر الذي مكنه من اغتيال ثلة من قادة حركة الجهاد الإسلامي، وهي ضربة أمنية موجعة ومؤثرة، رغم قدرة حركة الجهاد على سد الفراغ القيادي ببدائل من الصف الثاني، فان الخبراء يذهبون إلى أن هذا يعتبر ردع كاذب وغير حقيقي، لن يثني الفصائل عن خوض مزيد من المعارك مع الاحتلال رداً على عدوان جديد، او دفاعاً القدس والاقصى التي باتت عنواناً مفضلاً لجمع قوى المقاومة.

الغموض البناء الذي يحمله شعار وحدة الساحات، وعدم ترجمة ملموسة لهذا الشعار في المواجهة مع الاحتلال، دفع البعض الى التشكيك بفعالية هذا الشعار.

الأمر الذي بات يتطلّب فرض قواعد اشتباك جديدة، تجعل من قدرة الاحتلال على استقراء الفعل النضالي المقاوم أمراً صعباً، من خلال تنويع أماكن وأشكال المقاومة بغض النظر عن مكان وتوقيت جرائم الاحتلال، ويساهم في ترجمة شعار وحدة الساحات بشكل او بأخر.
فالاحتلال الصهيوني أكبر جريمة مستمرّة منذ أكثر من 75 عاما، ما يفرض استراتيجية نضال مستمرة بعيداً عن منطق الرد الانفعالي أو الثأري.

إذا كان العدو فشل في عدوانه الأخير على غزة في تحقيق ردع حقيقي وفاعل لفصائل المقاومة، فان رد فصائل المقاومة الانفعالي والثأري والعشوائي، لم يحقق بدوره الردع للاحتلال عن مواصلة جرائمه وعدوانه واغتيالاته.

ما يحتم على فصائل المقاومة التوقف، والتقدم خطوة جريئة، لصالح وضع استراتيجيات جديدة وتكتيكات كفيلة بكسر المعادلة وتغيير قواعد الاشتباك، وتكريس أنماط مواجهة جديدة أكثر استمرارية وأعمق تأثيراً.
إلى جانب فتح جبهات اشتباك بعيداً عن قطاع غزّة، ضمن تجسيد مشروع تحرّري يشمل الكل الفلسطيني وكل فلسطين.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)