عماد توفيق عفانة يكتب: الصراعات حول العالم ... واضعاف قضية اللاجئين ... مقاربة مختلفة

profile
عماد عفانة كاتب وصحفي فلسطيني
  • clock 12 نوفمبر 2022, 10:43:32 ص
  • eye 466
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

شهد العقد الأخير من الصراع الفلسطيني الصهيوني تراجعا لافتا في الاهتمام الدولي، وتنحّت القضية الفلسطينية عن رأس سلم الأولويات الدولية، لصالح نزاعات وحروب أخرى.

الأمر الذي انسحب بدوره على تضاءل الاهتمام بالأونروا أيضاً كأكبر مؤسسة إغاثة اممية تهتم بقضية اللاجئين الفلسطينيين، ما أدى إلى خفض مواردها، في وقت ازدادت فيه الاحتياجات والتوقعات، مع الزيادة الطبيعية الديموغرافية للاجئين، بالتزامن مع دخول المنطقة في أزمات متعددة.

الأمر الذي فرض على الأونروا مواجهة تحديات كثيرة للاستمرار في تقديم خدماتها، لاحظوا اننا بتنا نقول الاستمرار، مجرد الاستمرار فقط بات هدفا، وليس تطوير او توسيع او مضاعفة الجهود والاموال المرصودة لإغاثة وتشغيل ملايين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عمليات الأونروا الخمس.

تراجع مستوى خدمات الأونروا كماً ونوعاً، وغياب أي أفق سياسي لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتنامى الشعور بأن المجتمع الدولي يتخلى عنهم، أدى إلى ارتفاع منسوب اليأس والضيق، الذي لابد أن يتم توظيفه وتوجيهه باتجاه أن يحقق اللاجئون بأيديهم ما أخفق المجتمع الدولي في تحقيقه لهم على مدار أكثر من 74 عاماً من النكبة.

ما يدركه العالم جيداً، لكن يحلو لهم تجاهله، أن المساعي التي تبذلها الأونروا لتأمين دعم مالي مستدام، انما هو استثمار في الأمن والاستقرار في المنطقة، رغم ذلك فان العالم يدير ظهره لهم، فهل القوى الاستعمارية تسعى لإثارة مزيد من الخلخلة الأمنية والقلاقل في المنطقة العربية الملتهبة!

محاولات الأونروا المستمرة للفت الانتباه إلى حاجتها الماسة لترجمة الدعم الذي يتم إعلانه كل بضع سنوات للتفويض وتمديده، وتصويت الجمعية العامة على تجديد التفويض للأونروا كل ثلاث سنوات، ترجمته فعلياً في الموارد لم يثمر بعد، وكأن العالم بات لديه توجه بالاكتفاء بالتعبير عن الدعم من دون تقديم الموارد المادية، الأمر الذي يصبح من المستحيل معه تنفيذ التفويض الممنوح لها.

وكأن هناك جهة خفية لكنها قوية تمنع ترجمة الإرادة السياسية الدولية بدعم الأونروا بالموارد، وكأنها عملية تجريف بل تجويف للقرارات والتوجهات الدولية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين على الرغم من العواقب المحتملة إن لم تتمكن الوكالة من تقديم خدماتها، على طريق تجريف بل تجويف قضية اللاجئين وافراغها من مضمونها.

على الرغم من أن الدول العربية ستكون اول المتضررين من فقدان المنطقة للأمن والاستقرار، فيما لو قرر ملايين اللاجئين الفلسطينيين التوجه لأخذ حقوقهم من الاحتلال بأيديهم، فان الدول العربية سجلت في 2021 أقل مساهمة على الإطلاق في ميزانية الوكالة.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الأونروا لفتح طرق جديدة ومبتكرة لضمان الاستدامة المالية للمؤسسة، وتقاسم العبء المالي للمنظمة، ودفع الدول العربية لزيادة حصتها في تمويل الوكالة.

فانه لا يمكن غض البصر والنظر ببلاهة نحو توجه الدول العربية بعيدا عن تجسيد روح التضامن، وكأنها تجر المنطقة لأبعد من مجرد تحدي تجديد التفويض للوكالة، نحو انهاء قضية اللاجئين ذاتها.

كان من المفترض ان تعنى الأونروا منذ صدور قرار تكليفها بالمهمة في العام 1949 ان تعنى بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ليس جميع اللاجئين، ولكن أولئك الذي تمكنوا او تمكنت الأونروا من تسجيلهم في سجلاتها، علما ان هناك ملايين اللاجئين الاخرين غير مسجلين في سجلات الاونروا، ولا تضمهم الأونروا ضمن تعداد اللاجئين، ولا تقدم لهم يا نوع من الخدمات.

أكثر من ستة ملايين لاجئ مسجلين في سجلات الأونروا، وهو عدد أكبر من تعداد دول أخرى عربية وأجنبية، دول تمتلك حدود وسيادة وثروات وحكومات وموازنات، وفي وقت الذي يطُلب فيه من الأونروا تقديم الخدمات للاجئين كأنها حكومة، فإنها تمتلك موازنة كمنظمة غير حكومية فقط.

وفي الوقت الذي كان على الأمم المتحدة فيه تخصيص موازنة للأونروا من الموازنة العام للأمم المتحدة أسوة بمنظمات أممية أخرى، فإنها تركت الأونروا لتعتمد كلياً على المساهمات الطوعية، لتبقى تحت رحمة ومزاج المانحين وضغوطهم وتدخلاتهم في توجهات الأونروا وحتى في مناهجها الدراسية للاجئين، كما تفعل أمريكا- الداعم الأكبر للأونروا- الان والتي تسعى للعبث في عقول أجيال اللاجئين من خلال العبث بمناهجهم الدراسية.

من حق الاونروا كمؤسسة إغاثة أممية ذات أبعاد سياسية البحث عن سبل دعم تجديد التفويض، واستكشاف سبل وسائل لدعم وتطوير خدماتها لم تستخدمها بعد، لكن من واجب جموع اللاجئين البحث عن سبل دعم حقهم في العودة، والعمل على استكشاف طرق ووسائل لتطبيق هذا الحق، فاللاجئون لم يولدوا ليبقوا لاجئين في المنافي والشتات.

كما ان ما على اللاجئين الفلسطينيين ادراكه ان الديناميكيات السياسية الإقليمية الجديدة في المنطقة بعد توقيع اتفاقيات أبراهام، بات لا يؤثر على دعم أونروا فقط، بل بات يؤثر على قضية اللاجئين الفلسطينيين بأسرها، كأحد أعمدة القضية الفلسطينية، والتي يعتبره هدمها هدم وانهاء لما تبقى من القضية الفلسطينية، بعدما جرفت وهدمت اتفاقيات أوسلو اللعينة القضايا الاخرى.

لذا ما على جموع اللاجئين فعله هو العمل على اقناع الدول العربية والأجنبية المانحة بالفعل لا بالقول ان الاستثمار في الأونروا وفي دعم اللاجئين الفلسطينيين هو في الحقيقة استثمار في أمن واستقرار المنطقة، وأن الحفاظ على مصالحهم يتطلب الحفاظ على مصالح اللاجئين الفلسطينيين الذين يستطيعون صنع خلخلة أمنية في عموم المنطقة تهدد مصالح الجميع.

وأن عواقب غياب الأمل وضبابية مستقبل اللاجئين الفلسطينيين لن يقتصر خطره على مضاعفة ألم ومحنة اللاجئين، بل سيطال الخطر الجميع، فلا امن او استقرار لاحد ما لم يحصل عليه الفلسطينيون.

وأن الفراغ الذي قد يتركه غياب أونروا لن يمتلئ بالهدايا بل بالرعب والمفاجآت، لأن رفع الغطاء السياسي عن الأونروا وعن قضية اللاجئين واضعاف الوكالة مالياً لن يضع حدا لأطول نزاع في العالم، بل سيفجر المواجهة من جديد.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)