عماد عفانة يكتب: الشتات الفلسطيني .... من اللجوء الى العودة

profile
عماد عفانة كاتب وصحفي فلسطيني
  • clock 11 أغسطس 2022, 9:24:42 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

المخيمات نبض حياة القضية
باتت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الوطن كما في دول الطوق، اضافة للتجمعات والجاليات الفلسطينية المنتشرة على امتداد القارات الخمس، باتت تمثل الشاهد الحي على استمرارية نكبة الشعب الفلسطيني، وشاهد على حيوية الوجود الفلسطيني، الذي يسعى العدو الصهيوني بمساعدة حلفائه في امريكا واروبا، الى شطب هذه القضية، وطمس الحق الفلسطيني، والتغطية على الأصوات المتعالية بإعادة الحق الى اهله والوطن الى شعبه.

لا أدري هل هو من فرط الكبر والتعالي أم من فرط الغباء، أن يظن الاحتلال عبثا، انه كلما ازدادت آلته العسكرية اجراما وبطشا وقتلا وسحلا لكل معاني وقيم الإنسانية على أرض فلسطين، يمكن أن يمنحه شرعية الوجود على أرض ليست له، أو يمكن أن يمد في عمر كيانه المقام على وطن الاخرين.

وكيف غاب عن ذهن الاحتلال انه باستمرار عدوانه واجرامه واحتلاله، يعزز ولا يقتل النضال المشترك الذي يربط القضية الفلسطينية بمختلف نضالات الشعوب ضد القهر والاضطهاد، والاستغلال، والعنصرية، وأن هذا بالذات ما عليه أن يزيد من القلق الوجودي، لهذا الكيان اللقيط.

قد ينجح الاحتلال في حصار اللاجئين في المخيمات، ويضيق عيشهم، ويدفعهم للبحث عن فرص أفضل للحياة خارج حدود فلسطين التاريخية، لكن الاحتلال ومن حيث لا يدري، يفتح بذلك آفاق واسعة للانطلاق للعمل من جديد من اجل تحرير فلسطين الأرض والشعب، ونصرة قضية تحررها التي تلامس شغاف قلوب كل الاحرار حول العالم.

بداية المأسسة الفاعلة
فلطالما كان الوجود الفلسطيني في الشتات عاملاً بالغ الأهمية في صراع الوجود والهوية مع المشروع الصهيوني، فقد تمكن فلسطينيو الشتات ومنذ زمن من ترجمة حيويتهم وفعاليتهم على شكل مؤسسات فاعلة، مثل الاتحاد العام لطلبة فلسطين رسميا عام 1959، والذي فتح فروع له في مختلف الدول العربية التي تشهد وجود فلسطيني فيها، ما ساهم في فرض القضية الفلسطينية باعتبارها قضية أممية لا يمكن تجاوزها على الإطلاق.

بينما كان للنضال الفلسطيني في الدول الغربية، وجه أكثر حيوية واهمية، في فضح جرائم الاحتلال، وفي توعية الرأي العام وكسبه الى جانب الحق والقضية الفلسطينية، الامر الذي اثبتت استطلاعات الرأي الغربية أنه يشهد تحول أكثر تأييدا للقضية الفلسطينية، وأكثر عداء للصهيونية بصفتها حركة أبارتهايد تمييز عنصري.

اللاجئون وتوظيف نكبة الترحيل
ففي الوقت الذي يحاول فيه العدو الصهيوني استهداف وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، في محاولة لتصفيتها، على طريق نزع صفة اللجوء عن الفلسطينيين خارج الأراضي المحتلة، بهدف تصفية حق العودة، وتصوير السردية الصهيونية على أنها "حقيقة تاريخية".

وفي ظل التغيرات العميقة التي تشهدها مخيمات اللاجئين، التي تعرضت للتدمير وترحيل سكانها كما حدث في مخيم اليرموك بسورية، أو للخنق والتضييق كما يحدث في مخيمات سوريا ولبنان، في محاولة عبثية للتخلص من التكتل الفلسطيني في تلك المخيمات على حدود فلسطين.

فانه يقع على عاتق فلسطينيو الشتات مأسسة الوجود الفلسطيني خارج الأراضي المحتلة، وتنظيم أنفسهم بشكل يضمن أن يبقى هذا الوجود وهذه الفعالية والتفاعلية والحيوية وقوداً لديمومة النضال والثورة المستمرة.

فاذا تمكن العدو وتحت عناوين ولافتات مختلفة من تجفيف او تدمير او ترحيل مخيما او تجمعا فلسطينيا على حدود الوطن، فيقع على عاتق فلسطينيو الشتات، العمل على مأسسة هذا الوجود، ليشكل المرحلون والنازحون الجدد، جنودا في الخلايا المجندة للعمل على فضح الاحتلال وتعرية جرائمه، وتحشيد الرأي العام، وتجنيد الدعم للقضية الفلسطينية بكافة الوسائل والاشكال، بعيدا عن الألوان والأحزاب التي طالما حدت وقيدت من فرص التوسع والانطلاق للعمل من اجل فلسطين.

ولا نقصد بمأسسة التواجد الفلسطيني في الشتات، هو انشاء مؤسسات متنوعة المجالات والاختصاصات للعمل من خلالها فقط، ولكن مأسسة الوجود تبدأ من انشاء مؤسسات ديمقراطية تمثلهم، وتحولهم من مجرد لاجئين متشرذمين ضعفاء، إلى لوبيات قوية حيوية مليئة بالقدرات والطاقات، بالغة التفاعل والتأثير في الرأي العام الغربي الذي يتفاعل مع المؤسسات التي تشاركه القيم التي ينطلق منها ويدعوا اليها كالديمقراطية وحقوق الانسان.

على طريق تشكيل لوبيات قوية
لم يعد كافيا أن يترجم الرأي العام الغربي تأييده للقضية وللحق الفلسطيني بالتظاهرات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، والمنددة بجرائم الكيان العنصري، بل يجب ان نعمل كي يمتد هذا التأثير على الفعل السياسي وعلى ممثليهم في البرلمانات الغربية، لضمان تصويتهم الى جانب مقاطعة الكيان الصهيوني، وسحب استثماراتهم من المغتصبات الصهيونية، وصولا إلى فرض العقوبات على هذا الكيان، الذي بات موسوما بفصله العنصري.

ففيما يعد النضال المشترك بالنسبة للقضية الفلسطينية اليوم، سلاحاً حاسماً في مواجهة المشاريع الصهيونية - الإمبريالية، وخاصة في أوروبا، فان المنظمات الداعمة للقضية التي تنشط في أوروبا يجب أن تشكل ميدانا لعمل الفلسطينيين الذين تمكنوا من الحصول على الجنسيات الأوروبية، على المستوى المؤسساتي، على سبيل المثال المنظمات اليسارية في إقليم توسكانا بإيطاليا.

وما يشجع على المضي في هذا الطريق:
-  تسيلط منظمة العفو الدولية الضوء على مسألة "الأبارتهايد"، في كل مناسبة.
-  المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في العام 2020، قضت في دعوات لصالح مقاطعة البضائع الإسرائيلية، باعتبارها، أي المقاطعة، شكلا من أشكال حرية التعبير. 
- كما أرغمت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في العام 2020 الأمم المتحدة على إصدار قاعدة بيانات للشركات العاملة في المغتصبات الصهيونية.
-  طالب الاتحاد الدولي لنقابات العمال، والذي يمثل 200 مليون عامل في 163 دولة، الشركات المدرجة على هذه القائمة، بـ"إنهاء وجودها غير القانوني على الأراضي الفلسطينية".
- قامت مؤسسات مالية ضخمة في العام 2020، بسحب استثماراتها، وفقا لما أوردته حركة المقاطعة "بي دي إس".
من هذه المؤسسات أكبر صندوق تقاعد في هولندا "ايه بي بي"، الذي سحب استثماراته من المصرفين الصهيونيين "لئومي" و"هبوعليم"
والشركة النرويجية "سوربراند" للخدمات المالية، والبالغة قيمة أصولها 100 مليار دولار، حيث سحبت استثماراتها من أربع شركات تنتفع من الاحتلال الصهيوني، وهي بنك "ديسكاونت"، وشركة "جنرال إلكتريك"، وشركة "فيرست سولار" الأميركية لتصنيع الألواح الشمسية، وشركة "دي إكس سي" الأميركية لتكنولوجيا المعلومات.

الأزمة الأوكرانية فرصة للتذكير
تعالت الأصوات في اعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا بالتنديد والاستنكار في التعامل الغربي لناحية المقارنة بين القضية الفلسطينية والاوكرانية، لصالح ازدواجية المعايير والتحيز لصالح العرق الأبيض والعيون والملونة

الأمر الذي شكل فرصة من قلب الأزمة لتذكير العالم ببشاعة الاحتلال الصهيوني الذي يغتصب أرض فلسطين منذ أكثر من 74 عاما، وأن قيم الحرية وحقوق الانسان لا تتجزأ.

المؤتمرات الشعبية لفلسطيني الشتات
شكلت المؤتمرات الشعبية لفلسطيني الشتات في الدول الأوربية فرصة إضافية طال انتظارها لتحويل النضال من أجل حق العودة، الذي يعد جوهر القضية الفلسطينية، إلى عمل منظم عابر للفصائل والأحزاب، باتجاه الفضاء المفتوح الذي يستثمر القدرات والطاقات الفلسطينية على امتداد بقعة التواجد الفلسطيني حول العالم بتنوعه وفرصه التي لا تنتهي، لناحية استثمار الانتصار التي يحقق الشعب الفلسطيني في كثير من الميادين، لدحض وشطب السردية والرواية الصهيونية المزيفة للصراع، ومنعه من الاستمرار في تزييف التاريخ.
ولحصد مزيد من اصطفافات الشعوب والدول الى جانب حق الشعب الفلسطيني بالعودة الى دياره وبيوته التي هجر منها، على طريق مواصلة الكفاح بكافة الوسائل حتى العودة والتحرير، لذا، لا يمكن تجاهل ضرورة صياغة استراتيجية نضالية جديدة، تستند إلى استراتيجية تكامل ووحدة الساحات، لتحقيق مبدأ وحدة الشعب والأرض، من البحر إلى النهر.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)