عمرو حمزاوي يكتب: الحوار الوطني في مصر: هندسة لانفتاح سياسي أم شاي بالياسمين للمعارضين؟

profile
عمرو حمزاوي أستاذ السياسة العامة بالجامعة الأمريكية
  • clock 10 يوليو 2022, 3:15:05 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

هذه لمحة شخصية تخص قضية عامة.
القضية العامة هي دعوة رئاسة الجمهورية المصرية إلى حوار وطني حول أولويات المحروسة في الفترة الراهنة.
واللمحة الشخصية هي دعوتي للمشاركة في الحوار من بين سياسيين ومفكرين وصحافيين وممثلين للمجتمع المدني يهتمون بالشأن العام ويملكون تصورات لدفع البلاد في مسارات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولمواجهة أزماتها الضاغطة.
في القضية العامة، نحن أمام رئاسة مصرية تدعو للمرة الأولى منذ 2014 إلى حوار مع المعارضة والأصوات المستقلة حول الأولويات الوطنية، وتعلن قبولها للتنوع والاختلاف في الرأي. نحن أيضا أمام معارضين وممثلي مجتمع مدني مصري يطالبون بضمانات لجدية الحوار. ومن بين هذه الضمانات تأطير الحوار مؤسسيا على نحو يضمن استقلاليته واستمراريته، الاستعداد الحكومي للتعامل بإيجابية مع مخرجات الحوار، وقبل هاتين الضامنتين بوادر حسن نية من جانب الحكومة تتمثل في حلحلة بعض ملفات الحقوق والحريات العالقة.
وقد أنتج التفاوض بين الحكومة من جهة والمعارضة والمستقلين والمجتمع المدني من جهة أخرى تشكيل أمانة عامة للحوار واختيار منسق عام وإعلان عن أن جلسات الحوار ستمتد لعدة أشهر وأن الحكومة وأجهزتها ستتعامل مع مخرجاتها بجدية. أنتج التفاوض أيضا الطرح العلني لبعض قضايا الحقوق والحريات، ومن بينها تركيز المعارضة والمجتمع المدني على أولوية تقصير مدد الحبس الاحتياطي وأهمية إطلاق سراح المسلوبة حريتهم على خلفية قضايا رأي.
عن اللمحة الشخصية، قرأت دعوة الرئاسة المصرية للحوار، أولا، باعتبارها فرصة ممكنة لصناعة شيء من الانفتاح السياسي ولدمج شيء من تعددية الآراء في المجال العام.
ثانيا، رأيت في الحوار والتفاوض بين الحكومة والمعارضة مقدمة ممكنة لكي تشرح الحكومة أولوياتها الراهنة والمستقبلية في الاقتصاد والاجتماع والسياسة، وتفصل استنادا إلى معلومات وحقائق كلفة ومردود مشروعات البنية التحتية (الطرق والكباري والموانئ والمطارات وغيرها) والبنية العمرانية (المدن الجديدة) ومشروعات العصرنة (مصر الرقمية) وتطوير شبكات الضمان الاجتماعي التي صارت تصل إلى ما يقرب من 17 مليون مصرية ومصري، وتفصل أيضا في السبل المقترحة لمواجهة غلاء الأسعار ومعدلات التضخم المرتفعة وأزمة الدين الخارجي ورفع إنتاجية القطاعات الاقتصادية الرئيسة والتعامل مع التهديدات الواردة على الأمن الغذائي بفعل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا والأمن المائي بفعل التعنت الإثيوبي في إدارة ملف سد النهضة.
ثالثا، رأيت في الحوار والتفاوض بين الحكومة والمعارضة سياقا ممكنا لكي تشرح المعارضة رؤاها بشأن الملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية وتوجهات الإنفاق العام وتقدم سياساتها البديلة للرأي العام دون حصار ولكي تطرح علنا ملفات الحقوق والحريات التي تهتم بها دون إسكات.
رابعا، قرأت دعوة رئاسة الجمهورية إلى الحوار الوطني وإلى مشاركة المعارضة والمستقلين والمجتمع المدني بكونها مقدمة ممكنة لإضفاء شيء من الطبيعية تدريجيا على دور هذه المجموعات والفئات والمنظمات في الحياة السياسية والعامة في مصر بعد سنوات من التهميش وكذلك لتشجيع المواطنات والمواطنين على اعتياد وجود الصوت والصوت الآخر وعلى اتساع البلاد للجميع.
في القضية العامة مجددا، لا تبتدع مصر آلية الحوار لصناعة انفتاح في السياسة وفي المجال العام بدون سوابق تاريخية ذاتية وخبرات مقارنة هامة. فمن جهة، نظمت في مصر حوارات وطنية في الماضي البعيد والقريب كان أهمها الحوار الاقتصادي الذي عقدته حكومة الرئيس الأسبق حسني مبارك في ثمانينيات القرن العشرين وهدف إلى البحث في الأولويات الاقتصادية والاجتماعية بعد صدمة السنوات الأولى لسياسة الانفتاح الاقتصادي التي كان الرئيس محمد أنور السادات قد نفذها بين 1974 و1981. آنذاك، أحدث الحوار الاقتصادي تقاربا بين الحكومة والمعارضة والمستقلين أسفر عن ترشيد السياسات الحكومية باتجاه مراعاة محدودي الدخل والفقراء وأعطى لرئاسة مبارك في عقدها الأول شرعية مجتمعية.
ومن جهة أخرى، أديرت حوارات بين الحكومات ومجموعات المعارضة والمستقلين والمجتمع المدني في العدد الأكبر من البلدان التي نجحت في صناعة انفتاح سياسي مستقر وفي حماية مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ودوما ما كانت شروط فاعلية آلية الحوار هي تأطيرها مؤسسيا على نحو مستقل ومستمر، والاتساع التدريجي لنطاق ونوعية القضايا المعالجة في الحوار، وقناعة الأطراف المشاركة حكومية وغير حكومية بحتمية العمل المشترك وكارثية المعادلات الصفرية وضرورة تقديم التنازلات المتبادلة (من الحكومة ومن المعارضة). وربما كان الشرط الأهم هو عدم التورط في تجاهل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وفي قصر الحوار على الشؤون السياسية، فليست بأمور السياسة وحدها يصنع الانفتاح في المجتمع والمجال العام. وتشهد على هذه الحقائق تجارب إسبانيا واليونان والبرتغال في سبعينيات القرن العشرين وتجارب البرازيل والأرجنتين وشيلي وغيرها في الثمانينيات وتجارب وسط وشرق أوروبا في التسعينيات.
عن اللمحة الشخصية مجددا، يسعدني أن أرى بلادي مقبلة على حوار وطني، ويحدوني الأمل في أن تصير المقدمات والفرص والسياقات الممكنة تدريجيا واقعا معاشا يستفيد منه اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا كل مواطن في مصر. والأمل في صناعة انفتاح في السياسة وفي المجال العام، مع مواصلة مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقتها الحكومة خلال السنوات الماضية وتحتاج اليوم إلى مواجهة عثراتها، يلزمني بالمشاركة في الحوار الوطني مع تقديم أربعة اعتبارات رئيسية هي: 1) أن تكون خطوتي الأولى قبل الإدلاء بالرأي وبعد ابتعادي عن المحروسة خلال السنوات الماضية هي الاستماع إلى وجهات نظر الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني والفهم الموضوعي لحقائق الأوضاع القائمة بدون تجاهل لا للتقدم ولا للتعثر، 2) أن أمتنع عن التورط في المعادلات الصفرية التي ترى في الحكومة طرفا لا يمكن الثقة به أو تنظر إلى المعارضة والأصوات المستقلة كمجموعات تضيع الوقت ولا يمكن العمل معها بجدية على رفعة وتقدم الوطن. فالمعادلات الصفرية ليست سوى إلغاء للحوار ولمقدماته وفرصه الممكنة، 3) أن أبتعد عن مقاربة الحوار إن كساحة لدور فردي أو لادعاء فاسد بتميز المعرفة الشخصية مقارنة بالآخرين بينما جوهر الحوار هو العمل الجماعي والإفادة من كل معلومة وحقيقة ووجهة نظر لتمكين مصر من التقدم والتغلب على أزماتها، 4) أن أرفض وللمصلحة العامة محاولات الزج بي في معارك جانبية حين يشكك البعض في نواياي بادعاء مشاركتي في الحوار بحثا عن مصالح شخصية أو يهجوني بادعاء إنني صرت طالبا “للشاي بالياسمين” الحكومي أو يسفه من موقفي الباحث عن شيء من التوازن والموضوعية في التعامل مع أداء الحكومة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وأداء المعارضة في ذات الملفات.
ولذلك تجاهلت خلال الأيام الماضية تشكيكا لصحافي عرف عنه توظيف مقالاته ليس لنشر الفكر أو الحقائق أو المعلومات، بل لادعاء زائف بالثورية ولادعاء أكثر زيفا بالديمقراطية ولهجاء من يختلف معهم باستخدام أسلوبين لا يعرف لهما ثالثا، التسفيه والمزايدة. وتجاهلت خوضا يخلط بين أسبابي المعلنة للمشاركة التي تشرفني في الحوار الوطني وبين الإشارة غير النزيهة لتفاصيل حياتي الشخصية من قبل بعض من يسمون أنفسهم معارضة الخارج وهم يعرفون أن رأيي المسجل هنا في هذه الصحيفة وفي أماكن أخرى ومنذ سنوات هو أن مصر لا يصلح لها ولن تنصلح بها معارضة من الخارج. فما بالكم بمعارضة تدعي الديمقراطية وهي تخوض في الأعراض. وتجاهلت، أخيرا، تجاوزات بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين اعتادوا للأسف الاستهزاء المسف وغير الأخلاقي بمن يريد أن يستمع قبل أن يتحدث، وبمن يرفض استبعاد الحقائق لدوافع سياسية فيصير لديهم متهما بالبحث عن المصلحة الشخصية ومقبلا على التطبيل للحكم.
لهؤلاء جميعا أسجل هنا أن معادلاتكم الصفرية ومزايداتكم لن تقدم ولن تؤخر، ولا يقع تحت تأثيرها ويتورط في تغيير مواقفه سوى محدودي الفكر وضعاف الحجة.
وطني أولى بطاقتي ووقتي، وآلية الحوار ومقدماته وفرصه الممكنة في مصر لكي تتوازن مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتتحسن الأحوال المعيشية وأحوال الحقوق والحريات في المستقبل القريب، تستحق تجاهل السفاهات.

التعليقات (0)