عمر سمير يكتب: عندما يتساءل المصريون عن فائض الكهرباء

profile
  • clock 23 يوليو 2023, 7:10:49 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تعيش مصر هذا الصيف موجة حارّة قاسية على الجميع، سيما في القاهرة المختنقة بالعوادم، ومدن الصعيد شديدة الحرارة صيفاً، التي لا تنخفض حرارتها تحت الأربعين. وليس الأمر أفضل في مدن الدلتا والمدن الساحلية، حيث الرطوبة المرتفعة جداً، في ظرفٍ رفعت الحكومة المصرية فيه الدعم كلية تقريباً عن الكهرباء ومصادر الطاقة الأخرى التي أصبحت ترتفع مع الأسعار العالمية، ولم تنخفض معها أبداً منذ اتّباع آلية التسعير الجديدة، التي اعتُمدت منذ سنوات في اجتهاد حكومي مصري للتكيّف مع الاشتراطات الخاصة بقروض المؤسّسات المالية الدولية التي لم يستطلع أحد رأي المصريين فيها، رغم أنهم أول المُكتوين بنارها، صيفاً وشتاءً.

وبعد اختفاءٍ مزعومٍ للأزمة لأكثر من ثماني سنوات، عادت ظاهرة انقطاع الكهرباء من جديد، إذ شهدت البلاد انقطاع التيار الكهربائي في غالبية المحافظات، بل زادت فترة الانقطاع على ستّ ساعات متواصلة في بعض المناطق والقرى تزامناً مع موجة الحرّ، إذ اقتربت درجات الحرارة من حاجز الـ50 مئوية، بسبب تعرّض البلاد لمنخفض الهند الموسمي بحسب بعض التقارير، وتفاوتت معدلات وأزمنة انقطاع الكهرباء بين المدن والقرى، إذ تراوح بين 50 و60 دقيقة في المدن، بينما تزداد من ساعة ونصف الساعة حتى ثلاث ساعات في القرى، بل وصلت إلى ست ساعات في بعض المحافظات. لتعلو صرخات المواطنين واستغاثاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لإنقاذهم من هذه الحرارة وتلك الانقطاعات. بينما خرجت الحكومة ومسؤولوها بأعذار وتبريرات واهية، حتى إنّ رئيس الوزراء اضطر بنفسه إلى الحديث في بيانٍ رسميٍّ عن الأزمة.

ظلّت الحكومة المصرية سنواتٍ تُحدّث المصريين عن الإنجازات، وعن ثورة في قطاع الطاقة والكهرباء، وعن الفائض العظيم الذي تحقّق في إنتاج الكهرباء خلال السنوات العشر الماضية، سواء من مصادر جديدة ومتجدّدة أو مصادر تقليدية، وكذلك عن صادرات الغاز بأرقام قياسية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ولم يُنكر أحد هذه الإنجازات، بل صارت مصدر فخر لمصريين كثيرين.

بين الغضب والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، لم ينتبه مصريون كثيرون إلى أنّ الطفرة التي حدثت في الإنتاج لم يُصاحبها أيّ تطوّر كبير في شبكة التوزيع التي بدأ المختصّون يتحدّثون عنها على استحياء في ظلّ الأزمة الراهنة في الكهرباء لتبرير انقطاعات الكهرباء التي لا تنتهي هذا الصيف، والتي أصبحت معتادةً، والعذر الحكومي أقبح من الذنب، أنّ هذا هو الحل الوحيد لتخفيف الأحمال عن الشبكة.

الطفرة التي حدثت في الإنتاج، لم يُصاحبها أيّ تطوّر كبير في شبكة التوزيع

يتحدّثون الآن، وكأنّ الشبكة ما كان لها أن تتطوّر استعداداً للصيف، فيما تتفاخر الوزارة بتحقيق فائضٍ وأرباحٍ من إنتاج الكهرباء، لكن الصيف يأتي ليُكشف للجميع أنها لم تستطع توصيل الخدمة إلى المستهلك، رغم أنها تبيعها له أغلى من سعر السوق العالمي، بفضل نظام الشرائح الجديد والعدّادات الإلكترونية مسبقة الدفع، التي لا توجد دولةٌ على خطوط الطول ودوائر العرض الحارّة التي فيها مصر تطبّقها، كذلك فإنهم يتحدّثون وكأنّ الظروف الجوية لا يمكن التنبؤ بها أو التكيّف معها، في حين أنّ توقّعات الطقس للمائة عام المقبلة متوفرة لدى أغلب وكالات الأرصاد الجوية وهيئاتها، وبدقّة عالية، بفضل تقنيات الذكاء الصناعي. وتحاكي دول عديدة السيناريوهات الأسوأ للمناخ وتغيّراته، وترسم سياساتها العامة في قطاع الطاقة ومختلف القطاعات على هذه السيناريوهات، بينما تُدار الأمور في مصر بمنطق يوم بيوم، وأحيانا بمنطق الإدارة بالأزمة.

غالطت الحكومة المصريين عندما روّجت تصديرها أرقاماً قياسية من كمّيات الغاز في العامين الماضيين، بينما كانت تستورد الغاز الإسرائيلي بشروطٍ مجحفةٍ وتبيعه مع أرباح ورسوم زهيدة، وفي بعض الأحيان خسائر مادية ومعنوية، ولم تُشر أبداً إلى انخفاض إنتاج الغاز شهورا من الحقول المصرية، ودخولها مرحلة صيانة طويلة أو حتى ضعف الاستكشافات الجديدة، وهي معلوماتٌ يعرفها المختصون، وتشير إليها الدراسات التي طالما جرى تخوين أصحابها وناشريها.

واستمرّت الحكومة المصرية في مغالطاتها عندما كثّفت الحركة في ملف تصدير فائض الكهرباء، وبالذات مع دول مثل قبرص واليونان وبعض الدول الأوروبية التي بدت الحكومة متلهفةً لتصدير الكهرباء إليها، بينما هي لا تستطيع توفير الكهرباء بانتظام للمواطنين المصريين في الصيف الملتهب.

وإذا عرف السبب بطل العجب أيضاً، حيث إنّ السبب الرئيسي لانقطاع التيار الكهربائي، الذي لن يقوله المسؤولون إلا على استحياء، يتعلّق بتراجع إنتاج الغاز من الحقول، مع منح الغاز المستخرج حالياً أولوية التصدير إلى الخارج، لجلب عملة صعبة في ظلّ الأزمة الطاحنة التي تعيشها مصر مع قلّة الموارد الدولارية.

ولشهور منذ الحرب الروسية الأوكرانية، تتواصل الحملات الحكومية المصرية لإقناع المواطنين بضرورة ترشيد الاستهلاك، وذلك لزيادة صادرات الغاز والكهرباء إلى أوروبا للاستفادة من الأزمة، وكأنّ المصريين مطالبون بتوفير الغاز والكهرباء من استهلاكهم الأقل من العادي من أجل أن يتمتع المواطن الأوروبي بإمدادات الغاز والكهرباء المصرييْن، وتتمتع الحكومة بعائد دولاري تنفق منه على مشاريعها العبثية التي أصبحت عبئاً على كاهل الاقتصاد المصري والمواطنين المصريين الذين لم يكن لهم رأي فيها من الأساس.

المواطن في مصر مادة للجباية الضريبية والجمركية فقط، هو ماكينة صرّاف آليّ بالنسبة إلى الحكومة، ولا حقوق له، لا في الظل ولا في الشمس

العجيب والغريب أنّ هذه الحكومة نفسها قامت بحملاتٍ شبه منظّمة لتقطيع الأشجار،  بحجّة توسيع الشوارع باعتبار أنّ توسعتها أوْلى من التشجير في بلدٍ يعرف بسطوع شمسه الشديد، وفي بلد استضافت قمّة المناخ، والحكومة نفسها رفضت فكرة شراء الكهرباء من المواطنين وعطّلت إجراءات دمج محطّات الطاقة المنزلية في الشبكة لأنّ لديها فائضاً، ولن تشتري فائض الشبكات المنزلية أو تستلفه وتعيده وقت الحاجة، وبالتالي، لم يستطع المواطنون بناء شبكاتهم بأنفسهم، بل فرضت ضرائب وجمارك جديدة على عمليات استيراد ألواح الطاقة الشمسية الرخيصة من بعض الدول والمواقع الإلكترونية.

وإذا كان لا بدّ من تخفيف الأحمال للتكيّف مع سوء التخطيط وسوء الشبكات، فإنه، على الأقل، كان ينبغي التفكير في سؤال أين يذهب المصريون هرباً من هذا الحرّ؟ وأن يُجاب عن سؤال نصيب المصريين من الحدائق العامة والظلّ في الشوارع، حيث التشجير هو المخفّف الوحيد الطبيعي لهذا القيظ، ولا توجد أيّة خطّة للتشجير في ربوع المحروسة، بل إنّ السائر في شوارع أسوان أعلى المحافظات حرارةً يستطيع أن يلاحظ بقايا الأشجار العملاقة التي أُزيلت بفضل محافظين عسكريين يحكمون المحافظة حكماً محلياً فاشلاً منذ عقود. وبدلاً من تظليل شوارعها بتعريشات العنب والتين والمانغو والأشجار المثمرة التي تجود بها تربة المحافظة، قطعوا أشجار الزينة العملاقة التي كانت تزيّن الكورنيش، بحيث أصبح السير في شوارعها لدقائق نهاراً مخاطرة قد تنتهي بك إلى مستشفى الحميات.

ليس الحال أفضل كثيراً في القاهرة أو الإسكندرية وبقية المدن المصرية، فالمواطن المصري مستبعدٌ من عملية صنع السياسات، ناهيك عن أن نفكّر في نصيبه في الحدائق العامة أو الظلّ أو الخدمات العامة في أي مجال، فالمواطن مادة للجباية الضريبية والجمركية فقط، هو ماكينة صراف آليّ بالنسبة إلى الحكومة، ولا حقوق له، لا في الظل ولا في الشمس. وفوق هذا، عندما يتساءل المواطن عن فائض الكهرباء نستفزّه ونعايره بفقره، حيث لا يستطيع امتلاك التكييف أو تشغيله، ناهيك عن الذهاب إلى المصايف أو شراء وتأجير الشقق الفاخرة التي لا يستطيع دخولها غير الواحد بالمائة من الشعب المصري.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)