عمر نجيب: قواعد لعب جديدة وتحالفات تتشكل.. كيف تقوّض الصين النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط؟

profile
  • clock 26 مارس 2023, 6:40:33 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تستمر وتتواصل وبشكل متسارعٍ أكثر من أي وقت خلال السنوات العشر الماضية، عمليات التحول والتطور العميقة والتقلبات في الساحة الدولية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، مما يؤكد دخول العالم فترة انتقالية سيتمخض عنها نظام عالمي جديد مختلف عن ذلك الذي ساد سواء خلال فترة الثنائية القطبية والحرب الباردة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أو مرحلة القطبية الواحدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي نهاية العقد الأخير من القرن العشرين.

شكلت المواجهة الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير/شباط 2014 بعد الانقلاب الموالي للغرب في كييف، ثم استرجاع الكرملين لشبه جزيرة القرم وضمها إلى روسيا الاتحادية بعد استفتاء سكانها، أحد المنعطفات الهامة حسب كثير من المحللين في المواجهة المتجددة بين موسكو والغرب وذلك بعد خروج الكرملين من مرحلة التراجع أمام الضغط الغربي، وتعثر التعافي المرحلي للغرب من الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2008.

بعد أشهر قليلة وفي 30 سبتمبر/أيلول 2015، تدخلت القوات الروسية رسمياً في الشرق الأوسط لدعم الجيش العربي السوري في الحرب شبه الدولية التي يخوضها منذ منتصف شهر مارس/آذار 2011 ضد تحالف مختلط، وتم عملياً بذلك تجميد مشروع المحافظين الجدد للشرق الأوسط الجديد أو الكبير بأسلوب الفوضى الخلاقة وتقسيم دوله على أسس دينية وعرقية ومناطقية إلى ما بين 54 و56 دويلة.

خلال السنوات الثماني التي تلت الجولة الأولى من الحرب في وسط شرقي أوروبا، وتجمد مخطط الشرق الأوسط الجديد، شهد الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة انحساراً في نفوذه السياسي والاقتصادي في عدة مناطق من العال،  خاصة في الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقامت العديد من دول هذه المناطق بتعزيز علاقاتها مع كل من موسكو وبكين وكذلك مع قوى أخرى في أقاليمها.

وسط العاصفة العالمية التي ولّدتها الجولة الثانية من المواجهة الروسية مع حلف الناتو في وسط شرقي أوروبا والتي دخلت سنتها الثانية، تسارعت التحولات في موازين العلاقات الدولية ومعها أشكال التحالفات.

قد يصبح يوم الجمعة السبت 10 و 11 مارس/آذار 2023، مؤشراً على نقلة جديدة في مخاض النظام العالمي، فبفارق ساعات أعلن عن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية بفضل وساطة صينية، فيما أعلن في واشنطن عن إفلاس بنك "سيليكون فالي" الذي يعتبر في المرتبة الـ16 من حيث الأهمية بين البنوك الأمريكية، وهو ما ولد ذعراً من كارثة تضرب ليس الاقتصاد الأمريكي وحده بل الغرب كله.

نهاية قطيعة

أعلنت السعودية وإيران، الجمعة 10 مارس/آذار 2023، الاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بينهما منذ عام 2016، وفقاً لبيان مشترك صدر عن البلدين.

وقال البيان المشترك الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية السعودية "واس"، إنه وبعد محادثات في الصين "تعلن الدول الثلاث أنه تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثليتيهما خلال مدة أقصاها شهران".

وأضاف أن الاتفاق جاء استجابة لمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ وبدعم من الصين لتطوير علاقات حسن الجوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وأضاف البيان أن الاتفاق يتضمن تأكيد البلدين "احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".

وأكد البيان الاتفاق على "أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك، وترتيب تبادل السفراء، ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما".

وأعربت كل من الدول الثلاث عن حرصها على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي، وفقاً للبيان.

وقال البيان إن المباحثات التي سبقت الإعلان جرت في الفترة من السادس ولغاية العاشر من الشهر الجاري في بكين، بين وفدي السعودية وإيران برئاسة مستشار الأمن الوطني في المملكة مساعد بن محمد العيبان وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني.

واتفق الطرفان على تفعيل "اتفاقية التعاون الأمني" الموقعة بينهما في عام 2001، و"الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب"، الموقعة في عام 1998.

وعبّر الجانبان الإيراني والسعودي عن تقديرهما وشكرهما للعراق وسلطنة عمان؛ لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال العامين الماضيين.

وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، صرح من جانبه بأن استئناف بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إيران يأتي انطلاقاً من رؤيتها القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك. وأضاف: "يجمع دول المنطقة مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضرورة أن نتشارك معاً لبناء أنموذج للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا".

وقطعت السعودية علاقاتها مع إيران في يناير/كانون الثاني 2016، بعد تعرض سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد، لاعتداءات من قبل محتجين على إعدام الرياض رجل الدين السعودي الشيعي نمر النمر.

 صفعة ثلاثية الأبعاد

مثّلت رعاية الصين لوساطة بين السعودية وإيران صفعة لواشنطن التي كانت قد تهيأت لعطلة هادئة بعد أسبوع طويل اكتظ بالعديد من الأحداث المعقدة، خاصة في ظل علاقات واشنطن المضطربة بأطراف الاتفاق الثلاثة: الصين وإيران والسعودية.

تقول توفيا غيرنغ، وهي باحثة بالمجلس الأطلسي والتي كتبت على نطاق واسع عن الدور الإقليمي المتنامي لبكين: "كان الأمر أن الولايات المتحدة كانت القوة التي لا غنى عنها.. الآن الصين قوة لا غنى عنها في الشرق الأوسط.. هذه حقيقة".

ونقلت وكالات الأنباء عن وانغ، كبير المبعوثين الدوليين للرئيس الصيني، قوله إن "الوساطة الصينية بين السعودية وإيران تشكل نموذجاً لحل النزاعات والخلافات بين الدول من خلال الحوار والتشاور".

ويشير محللون إلى أن دفء العلاقات الصينية تجاه إيران والسعودية جعلها تبدو كأنها تهدف إلى تقويض القوة الأمريكية، وكذلك علاقتها الدائمة مع روسيا، وهي مورد آخر للطاقة.

والجمعة، بدا وانغ كأنه ينتقد الولايات المتحدة بالقول إن الصفقة السعودية الإيرانية أظهرت كيف أن البلدين "يتخلصان من التدخل الخارجي، ويأخذان حقاً مستقبل ومصير الشرق الأوسط بأيديهما"، على الرغم من أنه لم يذكر الولايات المتحدة على وجه التحديد.

وعبّرت ردود فعل الخبراء والمراقبين الأمريكيين عن صدمة غير متوقعة، لدرجة استخدام بعضهم عبارات غير دبلوماسية لوصف ما جرى.

ورغم إعلان البيت الأبيض أن أمريكا بقيت على اطلاع على محادثات بكين بين السعودية وإيران، وتأكيده أن هذا الاتفاق يعمل في جانب آخر على إنهاء الحرب في اليمن، وتشكيك البيت الأبيض في تنفيذ إيران للاتفاق، فإن هذا لا يخفي ضيق أمريكا من تزايد اهتمام الصين بمنطقة الشرق الأوسط، مستغلةً قيام أمريكا ومنذ رئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالابتعاد عن المنطقة التي كانت واشنطن سبباً في حروبها الأخيرة.

توتر علاقات واشنطن وبكين

يأتي نجاح الوساطة الصينية في ظل تصاعد التوتر بين بكين وواشنطن ومع بدء جلسات لجنة خاصة في مجلس النواب الأمريكي للنظر في التهديدات الصينية للهيمنة الأمريكية حول العالم، وهو ما اعتبرته بكين عاكساً لحالة من الهستيريا ضدها في العاصمة الأمريكية، فضلاً عن التوتر التقليدي حول تايوان على خلفية تقديم واشنطن دعماً سياسياً وعسكرياً متواصلاً لها، واستمرار أعضاء الكونغرس في زيارتها، وتوطيد واشنطن علاقاتها بجيران الصين وتحريضهم ضدها بإنشاء تحالف رباعي مع اليابان وأستراليا والهند، وتحالف ثلاثي مع بريطانيا وأستراليا، والسعي لإقامة سلسلة من القواعد العسكرية لحصار الصين.

كما عقدت واشنطن اتفاقية أمنية مع الفلبين تُمكن الأسطول الأمريكي من استخدام الموانئ الفلبينية، إضافة إلى قيام إدارة بايدن بالتضييق على تصدير التكنولوجيا المتقدمة من أشباه الموصلات إلى الصين، كما حظرت التعامل مع عدد من عمالقة التكنولوجيا الصينية كشركة هواوي، وتضغط على دول العالم لتخفض مبادلاتها التجارية مع الصين وتقاطع شركاتها.

وتعهدت إدارة الرئيس بايدن كذلك بفرض عقوبات على الصين إن صحت تقارير عن نية بكين إمداد روسيا بأسلحة تدعم بها حربها في أوكرانيا.

بصرف النظر عن حسابات المكسب والخسارة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد كان هناك تفهم لدى بعض الأوساط في واشنطن للدوافع والأسباب التي جعلت السعودية تمضي قدماً في الاتفاق حتى النهاية، حيث يشير مدير مبادرة "سكوكروفت" الأمنية للشرق الأوسط والمسؤول السابق في مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى جوناثان بانيكوف، إلى أن قرار السعودية استئناف العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء مع إيران، يعود إلى سياسة هادئة مستمرة منذ سنوات وإلى النمو الكبير في التجارة بين البلدين خلال عام 2022، لكنه يعكس أكثرَ، رغبة السعودية في خفض درجة التوتر مع إيران.

ويذكر بانيكوف، على موقع المجلس الأطلسي، أن التركيز الاستراتيجي الأساسي للسعودية هو تنويع اقتصاد البلاد، ولتحقيق ذلك، ترى الرياض أن أمنها أمر بالغ الأهمية لضمان عدم تعطل عمليات التنقيب عن النفط والنقل والمبيعات، والأهم من ذلك أن يُنظر إلى البلاد على أنها مكان آمن للاستثمار الأجنبي المباشر طويل الأجل، ومن هذا المنظور ستقلل الاتفاقية من احتمالات التصعيد والتوتر في المنطقة.

وفي حين تعتبر الخبيرة السياسية والاستراتيجية في المجلس الأطلسي كارميل أربيت، أنه من السابق لأوانه الحكم على ما إذا كان التقارب بين السعودية وإيران سيتحول إلى علاقة أعمق في المستقبل، فإن الاتفاق كشف أن السعوديين يعرفون كيف يستخدمون ما بحوزتهم من أوراق ويقومون بسياسة تحوُّط مناسبة لهم، فالاتفاق مع إيران يساعدهم على التقرب أكثر من الصينيين، الذين تفاوضوا على الاتفاقية، ويمكن أن يعزز مكانتهم في العالم الإسلامي، كما أنه يدعم دور المملكة كقائدة في منطقة ديناميكية بشكل متزايد تبحث عن مزيد من الاستقلال عن الولايات المتحدة.

ويسلط هذا التطور الضوء على استراتيجية التنويع في السعودية، التي تتخذ فيها الرياض مواقف قوية وجريئة تجاه الولايات المتحدة في شأن القضايا الحرجة، أخيراً، والانفتاح أكثر على روسيا والصين.

ضربة في وجه إسرائيل

إسرائيل استقبلت أنباء التقارب بين السعودية وإيران بالدهشة والقلق والتأمل، بحسب تعبير صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد قوض الإعلان عن الاتفاق آمال إسرائيل في تشكيل تحالف أمني إقليمي ضد إيران، ففي حين أن دولاً أخرى في الشرق الأوسط قد ترى إيران كتهديد، فإنها لا ترى مكاسب تُذكر في عزل ومعارضة طهران إلى الحد الذي تفعله إسرائيل، التي تنظر إلى إيران وبرنامج أسلحتها النووية على أنهما خطر على بقاء إسرائيل ذاته، بينما ترى الدول العربية المجاورة لإيران أن طهران جار مزعج يمكن التعامل معه.

ويقول نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق وليام ويشسلر، إن إسرائيل تنظر إلى الاتفاق على أنه خطوة محسوبة لتقليل خطر العمل العسكري ضد إيران، وتأمل في ألا يكون الإعلان التالي هو استئناف المباحثات الأمريكية- الإيرانية حول خطة العمل الشاملة المشتركة، التي توسطت فيها الصين مرة أخرى، ما يضعف من الردع الأمريكي- الإسرائيلي ضد إيران.

 مساء يوم الجمعة، 10 مارس، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إن اتفاق السعودية وإيران يعتبر بمثابة "بصقة" في وجه إسرائيل. وأضافت أن هذا الاتفاق "يمكن أن يُلحق ضرراً شديداً بالجهود المبذولة لتوسيع اتفاقيات أبراهام لتشمل السعودية، التي بدا أنها أصبحت مقتنعة بأن إسرائيل لا تملك حالياً خياراً عسكرياً موثوقاً ضد إيران، وقررت التهدئة والتوصل إلى تفاهم مع الجمهورية الإسلامية".

وذكر إيتمار آيخنر، المراسل الدبلوماسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" في تحليل له: "الاتفاق هو خطوة دراماتيكية تعتبر تعبيراً عن عدم الثقة في القيادة الأمريكية أولاً وقبل كل شيء، وكذلك تعبير سعودي عن عدم الثقة في رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لعزل إيران".

ومضى آيخنر بقوله: "نتنياهو، على ما يبدو، تلقى ضربة لجهوده، لأن نظرته للعالم سوداء أو بيضاء، إما أن تكون في الجانب الإيراني، أو أنك ضده.. نظرت إسرائيل إلى السعودية كدولة في معسكر المعارضة لإيران، وكان هذا أيضاً السر السحري للعلاقة السرية التي حافظت عليها إسرائيل والسعودية. في المملكة رأوا إسرائيل كحليف يمكنه معارضة إيران كنوع من بوليصة التأمين، وحول طهران تم بناء الأساس الكامل للعلاقات الدافئة".

وتابع: "من الناحية العملية، أي شخص يبحث عن دليل على مدى عدم توقع إسرائيل لهذا الاتفاق اليوم كان عليه أن يستمع إلى كلمات رئيس الوزراء نتنياهو هذا الصباح فقط، في خطاب لرجال الأعمال الإيطاليين في وزارة الاقتصاد في روما".

ومضى: "قال نتنياهو: هدفي هو تحقيق التطبيع والسلام مع السعودية، والإمكانيات الاقتصادية واضحة، ربط سكك حديد المملكة العربية السعودية وشبه الجزيرة العربية عبر الأردن بميناء حيفا، الأمر يتطلب فقط إضافة 200 كيلومتر من السكك الحديدية لربط خط أنابيب نفط مباشر من شبه الجزيرة العربية إلى البحر الأبيض المتوسط عبر إسرائيل، وهذا يعني أنه يمكننا تقصير إمدادات الطاقة التي تحتاجها أوروبا بشكل كبير، وتجاوز قناة السويس، أعتقد أن هذه احتمالات حقيقية".

واعتبر المحلل الإسرائيلي أنه "إذا تم تنفيذ الاتفاق بين السعودية وإيران بالفعل فهو أيضاً ضربة خطيرة لجهود نتنياهو لتوسيع اتفاق أبراهام، قدم نتنياهو اتفاق سلام مع السعودية على أنه هدفه الرئيسي، الجائزة الكبرى، كان يشدد على أنه إذا كان هناك اتفاق مع السعودية فسيتم حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

قواعد لعب جديدة

بدوره، كتب المحلل تسفي برئيل، في صحيفة هآرتس، يوم 12 مارس 2023:

 حلم إسرائيل بإقامة تحالف عربي دولي ضد إيران تبدد في يوم الجمعة، هذه الخطوة الدراماتيكية يمكن أن ترسم خارطة علاقات جديدة في الشرق الأوسط وخارجه، فهي ستمنح شرعية حيوية لإيران في أوساط الدول العربية في المنطقة، الأمر الذي سيثمر فيما بعد علاقات دبلوماسية أيضاً مع دول أخرى مثل مصر.

الاتفاق يمكن أن يمهد كذلك الطريق أمام انتهاء الحرب في اليمين، وأن يؤدي إلى حل قابل للبقاء للأزمة في لبنان، وربما أيضاً يدفع إلى استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي. هذا تطور سيُجبر الولايات المتحدة أيضاً على إعادة فحص موقفها، بعد أن ثبت أن الصين- ليس واشنطن أو موسكو- هي التي نجحت في إعادة تشكيل بنية سياسية معقدة، التي بصورة تقليدية كان يمكن أن تكون برعاية وإدارة أمريكا.

في 25 مارس 2015، أعلنت السعودية الحرب على الحوثيين في اليمن، إيران فتحت الباب للتدخل في دولة أخرى في المنطقة، إضافة إلى لبنان والعراق.

هذه الحرب التي قُتل فيها تقريباً 150 ألف شخص تحولت إلى محور خلاف رئيسي في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة والدول الأوروبية.

في السنة نفسها كانت إيران لا تزال خاضعةً لبنود الاتفاق النووي. ممثلون لشركات دولية كانوا يقفون على بابها، وصفقات ضخمة وقعت، وكان يبدو أنه بفضل حرصها على تطبيق الاتفاق فهي ستحل محل السعودية كحليفة للولايات المتحدة والغرب بشكل عام. ولكن ضائقة السعودية لم تستمر فترة طويلة، في مايو 2018، بضغط من إسرائيل، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن الانسحاب من الاتفاق النووي، بعد ذلك بسنة بدأت إيران الانسحاب من التزامها بشروطه.

ترامب دفع قدماً بعد ذلك بـ"صفقة القرن" و"اتفاقات أبراهام"، ودفع نحو إقامة التحالف العربي ضد إيران. ولكن في العام 2021 تبين أن هذا تحالف خيالي، عندما سحبت دول قواتها من اليمن، وأبقت السعودية وحدها في الحرب. بعد ذلك بسنة، في أغسطس 2022، استأنفت أبوظبي والكويت العلاقات مع إيران، بعد شهر فقط على الزيارة المثيرة للخلاف لبايدن في جدة.

 أيضاً بعد هذه الزيارة لم ينمُ أي حب كبير بين الزعيمين. في أكتوبر 2022 تلقى بايدن صفعة مدوية، عندما أعلنت السعودية أنها لا تنوي زيادة حصتها في إنتاج النفط، مثلما طلب بايدن، الذي كان يهدف إلى التغلب على أزمة الطاقة، بسبب الحرب في أوكرانيا، هذه لم تكن ضربة وحيدة من جانب الرياض.

في ديسمبر 2022 رافقت أربع طائرات قتالية سعودية طائرة الرئيس الصيني شي جينبينغ أثناء زيارته الرسمية، فعلياً الملكية، في السعودية. هذه لم تكن الزيارة الأولى له في السعودية، ولكن في هذه المرة وقع تحالف استراتيجي يشمل اتفاقات تجارية واستثمارات بعشرات مليارات الدولارات، وبالأساس تطوير مفاعل نووي لغرض إنتاج الكهرباء لصالح الرياض. السعودية أرادت منذ سنوات من الولايات المتحدة أن تساعدها في بناء مثل هذه المفاعلات، لكن الطلبات التي قدَّمتها الولايات المتحدة، منها تلبية شروط الوكالة الدولية للطاقة النووية، شطبت هذا التعاون من الأجندة. في 2020 نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن برنامج مقلق للتعاون بين الصين والسعودية لإنتاج "كعكة صفراء" من خام اليورانيوم الموجود بكثرة في السعودية. بعد فترة قصيرة نشر أن المخابرات الأمريكية تفحص معلومات تفيد بأن السعودية تريد إقامة منشأة لإنتاج المياه الثقيلة بمساعدة الصين.

هكذا تحوّلت الصين إلى حليفة استراتيجية، سواء للسعودية أو لإيران. قبل سنتين تقريباً وقعت بكين وطهران على اتفاق استثمارات وتعاون اقتصادي بمبلغ 400 مليار دولار خلال 25 سنة.

على خط التماس هذا دخلت الصين إلى دور الوسيط بين السعودية وإيران، من أجل بناء منظومة علاقات تخدم جيداً مصالح الدول الثلاث دون الحاجة إلى خدمات أو موافقة الولايات المتحدة. إلى جانب ذلك بكين آخذة في احتلال مكانة واشنطن، ليس فقط في المجال الاقتصادي، فقد تحولت إلى قوة استراتيجية إقليمية، قدرة إسرائيل على التأثير عليها محدودة جداً.

لبنان.. اليمن.. سوريا

 يرى محللون أنه لو تطورت العلاقات السعودية مستقبلاً بشكل إيجابي مع طهران فإن دولاً عربية أخرى ستتخذ خطوات تطبيع مشابهة، وستمهد الطريق لحل مشاكل لبنان، خاصة عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وسيمكن تخفيف الاحتقان الطائفي وفتح الباب أمام الاستثمارات والمساعدات لبيروت، ليمكن لهذا البلد الخروج من متاهة الأزمة الاقتصادية ومسبباتها. الأمر نفسه ينطبق على سوريا، التي تسعى العديد من الدول العربية لإعادتها إلى جامعة الدول العربية، كما سيوجه الاتفاق ضربة للجهود الأمريكية التي تريد عزل دمشق وتوثيق حصارها، وإجبار بقية دول العالم على رفض التطبيع والتعامل معها.

 المحلل السياسي السعودي، عبد الله الرفاعي، قال في حديث لموقع "الحرة"، إن هذا "التقارب السعودي-الإيراني قد يؤثر على جميع الملفات، التي تشكل بؤر توتر في العلاقات". وأضاف أن من أهم هذه الملفات التي سيطالها التأثير "الملف اليمني".

من جانبها رحبت الحكومة اليمنية بالاتفاق، مؤكدة على إيمانها بـ"الحوار وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية والوسائل السلمية"، وقالت في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، إن "موقفها يعتمد على أساس الأفعال والممارسات لا الأقوال، والادعاءات، ولذلك ستستمر في التعامل الحذر تجاه النظام الإيراني، حتى ترى تغيراً حقيقياً في سلوكه، وسياساته التخريبية في بلادنا والمنطقة".

بدورها رحبت جماعة الحوثي في اليمن، وحزب الله اللبناني، المدعومان من إيران بالاتفاق، الجمعة.

وصرَّح كبير مفاوضي جماعة الحوثي، محمد عبد السلام: "المنطقة بحاجة إلى استئناف العلاقات الطبيعية بين دولها، حتى تستعيد الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخل الأجنبي"، بحسب تقرير لوكالة رويترز.

الإعلامي اليمني، مدير قسم البرامج السياسية في قناة المسيرة التابعة للحوثيين، حميد رزق، اعتبر أن عودة العلاقات بين الرياض وطهران "خطوة مرحب بها، وهي الأصل في العلاقات بين الدول العربية والإسلامية".

 الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، سينزيا بيانكو، ذكرت لوكالة رويترز أن الرياض كانت تسعى للحصول على ضمانات أمنية من الإيرانيين، وهو ما قد يكون توافر من خلال إعادة تفعيل الاتفاقية الأمنية لعام 2001. وأضافت أن إيران ربما استجابت أيضاً بشكل إيجابي لدعوات الرياض لها "لدفع الحوثيين نحو توقيع اتفاقية سلام مع السعودية، تُحرر السعوديين من حرب اليمن التي صارت خاسرة بالنسبة لهم".

نبيل البكيري، باحث يمني، كان أكثر حذراً في اعتبار أن الإعلان عن الاتفاق بين الطرفين يعد نجاحاً أو عاملاً لاستقرار المنطقة، وقال إن "عودة العلاقات السعودية الإيرانية مؤشر على مرحلة جديدة، يحوطها الكثير من الشك والارتياب في مدى جدية عودة مثل هذه العلاقات".

وأضاف في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن هناك "تاريخاً طويلاً من الشك، كان يحكم مسار العلاقة بين الطرفين، ومن المبكر جداً الحديث عن نجاح هذه العلاقات واستدامتها، وصحيح أن الطرفين بحاجة ماسة للتهدئة، ولكن من غير المعلوم إلى مدى سينجحان في الاستمرار في تعزيز هذه العلاقات".

 الباحثة في معهد "مجموعة الأزمات الدولية"، دينا اسفندياري، صرحت لوكالة فرانس برس أن الاتفاق غير متوقع. 

وتوضح: "كان الشعور العام هو أن السعوديين كانوا محبطين خصوصاً، وشعروا بأن استعادة العلاقات الدبلوماسية هي ورقتهم الرابحة، لذلك بدا الأمر وكأنهم لا يريدون التنازل عن موقفهم، لكن هذا التغيير المفاجئ موضوع ترحيب كبير".

وترى اسفندياري أن الاتفاق بين الرياض وطهران "نوعاً ما يمهد الطريق للقوتين في المنطقة، لبدء تحديد وحل خلافاتهما".

 الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي قال من جانبه "نحن نرحب" بالاتفاق الدبلوماسي، مضيفاً أنه ينبغي رؤية "ما إذا كانت إيران ستفي بالتزاماتها".


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)