عم شوريك .. قصة قصيرة .. محمد عسكر

profile
  • clock 1 أغسطس 2021, 11:40:26 م
  • eye 973
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الاحساس بالموت شئ صعب .. لكن لما تبقى عايش جواه .. فكل قصص الموت لاتحرك ساكنا ..

المسافه بين الاوضه اللي عايش فيها عم راغب التربي وبين شواهد القبور الموجودة في نفس الحوش .. قد المسافة اللي كان بيقطعها بين فكرة والتانيه .. وفي الاخر بيرسى على الفكرة التانيه .. رغم ان الفكرة الاولانية بتبقى دائما شكلها حلو .. بس التانية اعمق .. على كلٍ وأيًا كانت الأفكار اللي بتطلع من دماغة كانت ريحة عفن الموت بتغلفهم.. ولا روايح الدنيا تقدر على إزالتها .. 

قال يوسع العربتين تلاته اللى بيحرسهم ويعمل لهم كام شاهد جديد عشان يساعوا زباين اكتر .. ويخش له قرشين زياده تساعده على المعايش ويوسع على نفسه .. بس الحقيقه إنه عمره ماوسع على نفسة .. نفس الجلابية الرمادى ونفس الشبشب المقطوع .. ولا غاندى فى زمانه .. ينفض تراب الميتين من على جلابيته .. قال ايه بينظف .. ويملى الجردل ميه ويرش الحوش كله .. قال ايه بيرطب على الاموات .. بس الحقيقة هو قاصد يهبْط التراب اللي في الجو .. اللي يشوفه من بيعيد يفتكره بيتوضى.. واول مايعدى قدامه أى حد يعمل قال ايه بيتوضى .. ويسوي الارض ويروح ضارب دماغه في الارض .. قال ايه بيصلي .. ودائما كلامه مابيخلاش من ذكر الله عز وجل وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وال البيت رضى الله عنهم اجمعين .. قال ايه بيذكر ..

احتمالية انه كان بيعمل الحاجات دى بجد .. اضعف بكتير من احتماليه انه كان بيعملهم عشان يكسب ثقة الناس اللى حواليه .. ويعيش .. ( الناس فى الزمن ده ممكن تعمل اى حاجه عشان تكسب ثقة الناس عشان تشتغل وتعيش ) ..

بس الحقيقة تتقال ان عمر ماحد قصده فى خدمه الا وتلاقيه .. قدام عينى ..

    ⁃    معلش ياعم شوريك ..

اه .. نسيت اقولكم ان ده الاسم الحركى لعم راغب ( عم شوريك ) .. وده طبعا عشان بيبقى المسئول عن توزيع قرص الرحمه والشوريك كل خميس والاعياد ..

والشوريك ده نوع من انواع المخبوزات ملفوفه على بعضها .. فيها منه ..

    ⁃    معلش ياعم شوريك .. يبقى لك خمسين جنيه ..

    ⁃    ياسيدى هو احنا هنروح من بعضنا فين .. الناس لبعضيها.. بس خليك فاكر كده يبقى عندك نصين ..

غريبه .. الراجل يقوله خمسين جنيه وهو يقوله نصين .. هو فيه حد النهارده بيسلف ميه جنيه .. خمسين فى خمسين .. بس اشمعنى قاله نصين ..

فى ليله قلت اختصر السكه وأعدى وسط المدافن .. كنت عاوز اوصل بسرعه للسرير .. اصلي ببقى مجهد جدا بعد يوم شغل .. لان شغلي كله كلام .. وده المجهد فيه ..

المهم .. يوميها الارض اختلفت تحت رجلى مابقيتش عارف الطريق منين .. الا واسمع صوت ياسين التهانى جي من بعيد .. سارح مع الهوا ..

    ⁃    الله الله الله .. ده ايه ده بقى .. كرمات وكده .. والا ايه ؟ .. 

واللى زاد خوفى وفضولى فى نفس الوقت بخة الضوء اللى جى من حوش .. متهئ لى انى شفته قبل كده مهجور ..

    ⁃    يبقى ايه الضوء ده بقى ؟ ..

افتكرت كلام عم شوريك عن الحوش المهجور .. اترعبت اكتر .. قربت م الشباك الحديد الا والقى بشر جوه الحوش .. وكلوبين منورين والجوزه دايره بينهم .. ده غير التزايد اللى تحت رجليهم .. والحريم اللى عماله تتمايل .. وعايشين مع نفسيهم .. والمح عم شوريك واقف بعيد مع واحد .. بيدى له حاجه وياخد منه فلوس ويساور له ع الحوش ..

ياجمالك ياعم شوريك .. ده انت مدورها .. واكتشف بعد العمر ده كله انك اكبر تاجر كيوف فى المنطقه .. كل انواع الكيوف .. حتى ولامؤاخذه لو معاك واحده كده .. ومش لاقي متوى .. يجيب لك .. ولو معكش واحده كده .. يتصرف لك .. راجل خدوم الصراحه .. مش بقولك ايا كانت الافكار اللى بتخرج من دماغه بتبقى ريحة عفن الموت مغلفاهم..

عرفت بعد كده انه كان بيروح يجيب المخدرات من حته بعيده .. ويدفنها فى التربه جنب الميتين .. يزيح الجتت والعظم ويحط البضاعه .. بعد كده ينزل يوم ولا اتنين عشان يقطعها ويقسمها .. كل حاجه وسعرها .. اصله مابيحبش يظلم ..

    ⁃    ياعم خد ماتقلبش ورايا دى حته حلال بما يرضي ربنا .. انت بتدفع فلوس يبقى تاخد حقك ..

متهئ لي انه كان بيعيش فى التربة اكتر ماكان بيعيش فى اوضته ..

راجل فى منتهئ اللخبطه .. اكتر واحد كان بيحكم مابين اتنين .. بالحق .. يقعد يسمع ده وده وفى الاخر وبكل هدوء ..

    ⁃    انا لايهمنى ده ولا ده .. الحق يتقال .. انت اللى غلطان وهو ايه حق عندك .. يااخى خلي قلبك على قلب اخوك ..

عمره ما يبص لاى واحده م اللى بيجوا الحوش بصه وحشه حتى لو كانت مُلعب .. لكن معندوش مانع يجيب ماوى لعيل وعيله يريحوا نفسهم مقابل خمسين جنيه .. بيتاجر فى كل انواع المحرمات وبيواظب على الصلاة .. بيجمع الفلوس من اى حته وبأى طريقه لكن تشوفه ولا الزهاد .. يكفيه القليل .. 

الايام لما بتجرى بترسم ملامحنا .. بتاخد منا الشعر الاسمر ويبتدى يتلون باللون الأبيض.. اللى ممكن يخلى واحد شكله اجمل .. او يبقى زيك ياعم شوريك .. البشرة الباهته اللي عامله زي البلاستيك الردئ .. والشعر الاشعث كل شعرايه رايحه فى اتجاة .. 

لما شفته عمرى ماكنت اتصور اني هشوف اثقل حركه ممكن اشوفها فى حياتى .. ما بيتحركش اكتر من المترين اللى عاش فيهم .. يحرك رجله ببطئ شديد .. من بطئ حركته تفتكره واقف مكانه .. لكن الشهاده لله لاخر يوم فى عمره كان مخلص لمبادئه ..

بيتقال انهم ماعرفوش انه مات الا اما ريحة الموت طلعت .. بس الغريب ماحدش من الترابيه المعروفين فى المنطقه رضى يدفنه .. بس ربك ستار .. طلع لك واحد من تحت الارض واتطوع انه يدفنه .. قال ايه عشان يقعد مكانه وياخد الاوضه اللى كان عايش فيها عم راغب بدل الطل اللى عايش فيه .. 

الاغرب انه ماقعدت اكتر من اسبوعين واختفى ولا واحد فكر يسأل هو مين الغريب ده اللى دفن عم شوريك ؟ ..

شخص مش مهم ظهر ..

شخص مش مهم اختفى ..

بس لما عرفت ان عم شوريك مات بالشكل ده زعلت .. ولقيت نفسى بقول ..

    ⁃    الله يرحمه ..


التعليقات (0)