فتحي احمد يكتب: افريقيا بين الاستعمار القديم التقليدي والاستعمار الحديث

profile
  • clock 24 أغسطس 2023, 5:19:39 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يعود الوجود الفرنسي في افريقيا إلى أسباب اقتصادية ودينية واجتماعية وسياسية، أفرزتها أنشطة «جمعية اليعاقبة» وأنصار الاستعمار، التي شكلت الوجه التاريخي للاستعمار الفرنسي في القارة، وأثرت في حاضرها ومستقبلها. عندما وضعت القوى الإمبريالية في أوروبا أنظارها على مناطق جغرافية جديدة لتوسيع مجالات نفوذها في القرن التاسع عشر برزت افريقيا موقعا استراتيجيا مهما على خريطة العالم، وهذا يعود لضخامة وحجم ثروتها الطبيعية.
في عام 1884 كان مؤتمر برلين البداية الرسمية للكونيالية في القارة السوداء، وكان أحد المبادئ التبريرية وراء حركة الاستعمار، هو الحاجة إلى تمدين القبائل القاطنة في افريقيا، وهذا كان السبب الرئيس الذي تبنته القوى المستعمرة وقتئذ، وعلى رأسها فرنسا، التي تبنت فكرة نقل الشعوب الافريقية من مستنقع الجهل إلى مصاف الشعوب المتقدمة، وهنا كانت الإشارة للعنصر الأبيض، وعلى الرغم من مضي عدة قرون على استعمار افريقيا، سواء كان الاستعمار المباشر أو غير المباشر، ما زالت الشعوب الافريقية تحت خط الفقر.

مفهوم الاستعمار

اللافت للنظر أن فلسفة الاستعمار بحد ذاتها، هي السيطرة على خيرات الشعوب، ومص دمائها، وقصة النهوض بالشعوب ما هي إلا ذر الرماد في العيون، وفي تعريف مبسط للاستعمار هو «ممارسة الهيمنة، التي تتضمن إخضاع شعب لآخر». انقلاب النيجر دليل على صحوة الشعب النيجري بكل مكوناته، وهي ثورة على الظلم والاستبداد، والخروج من عنق الزجاجة التي وضعته فرنسا فيها منذ أزمنة بعيدة، فالعامل في النيجر الذي يقضي ساعات طوال تحت لهيب الشمس الحارقة، يعمل بجهد وتعب شديدين لكي يستخرج اليورانيوم لتأخذه فرنسا بأقل التكاليف، بعدها لتنعم باريس وما حولها بهذا العنصر المهم الذي يولد لهم الطاقة الكهربائية، كل خيرات غرب افريقيا ذاهبة حتما للمستعمر القديم الجديد، وهو فرنسا بعينها، فالذهب الفرنسي مصدره غينيا، والأثاث الفرنسي خشب الكونغو، وكأس العالم لفرنسا مواهب افريقية، ووقود فرنسا نفط الغابون، وكهرباء فرنسا يورانيوم النيجر، وحتى الشوكولاتة الفرنسية كاكاو ساحل العاج.

يبقى الرهان على صحوة الشعوب المضطهدة في العالم، فإذا انتصرت الشعوب على الجهل كان حتما النصر حليفها، وما جرى في النيجر وبوركينا فاسو هو بداية لخروج الشعوب على الظلم

من أجل ذلك انقسمت افريقيا اليوم وبعد جهد فرنسي خبيث لأيديولوجيات وحدود ولغات استعمارية، ساهمت فرنسا بشكل ملحوظ في وضعها وتعزيز وجودها، ما انعكس سلبا على مستقبل القارة السمراء، لكي تبقى فرنسا تتسيّد الموقف ويكون لها اليد الطولى هناك.

التنافس الدولي

لوحظ في الفترة الأخيرة الزيارات المتكررة لكبار الشخصيات في الولايات المتحدة الأمريكية، الهدف منها معلن، وهو من باب الدبلوماسية السياسية وتحسين العلاقات الخارجية الأمريكية، فكانت افريقيا بطحاء هذا التكتيك الدبلوماسي، لكن البراغماتية الأمريكية تطل برأسها في القارة السوداء، من خلال سبب غير مصرح به، وهو على ما يبدو دحر فرنسا وإخراجها من افريقيا، لهذا ذهب بعض المراقبين إلى أن ما حصل في النيجر ما هو إلا انقلاب بأدوات أمريكية صرفة، ولم يكن لقوات فاغنر الروسية أي دور في الانقلاب الذي حدث ضد الرئيس النيجري محمد بازوم، بالتأكيد كل هذا يعتبر خسارة لفرنسا على جميع الصعد حيث فقدت أهم معقل لها.
عالم جديد

يتشكل اليوم عالم متعدد الأقطاب، والاقتصاد هو الباعث الرئيسي فيه، وعلى ما يبدو لا يبقى العالم كما هو، في غضون السنوات المقبلة، وعلى الرغم من خسارة روسيا في أوكرانيا، ما زالت تزحف في اتجاه مستعمرات فرنسا في افريقيا، وأما بخصوص الصين فهي تعمل بصمت مطبق وهي ترنو إلى تلك القارة الفقير شعبها والغني بشتى المعادن النفيسة، الذي يسيل لعاب دول العالم له. يجب التذكير بأن بكين بدأت الاستثمار في أفريقيا في السبعينيات من القرن العشرين، وأدخلت جزءا كبيرا من دول القارة الافريقية تحت مبادرة الحزام والطريق، وتعمل الصين مرة أخرى على زيادة الدعم الاقتصادي لافريقيا، بعد عقود من تعزيز البنية التحتية واستخراج المعادن لتتناسب مع محاولات الولايات المتحدة للتأثير في القارة التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأجنبية، فمنطقة الساحل الافريقي تعتبر من أهم النقاط اهتماما للقوى الكبرى، التي جعلتها مطمعاً للعديد من القوى الدولية المتصارعة والمتنافسة لفرض نفوذها، لما تمتلكه من أهمية كبرى وموقع استراتيجي مهم، لهذا السبب سربلوا القارة السوداء ثوب الاستعمار الحديث غير المباشر، بعدما لبست ثوب الاستعمار التقليدي، وكل ذلك يصب في مصلحة العنصر الأبيض.
لكن يبقى الرهان على صحوة الشعوب المضطهدة في العالم، فإذا انتصرت الشعوب على الجهل كان حتما النصر حليفها، وما جرى في النيجر وبوركينا فاسو فهو بداية لخروج الشعوب على الظلم، فخيرات افريقيا للشعوب الافريقية باختلاف أيديولوجياتها وألوانها، من هنا على تلك الشعوب أن ترفع صوتها وتعلنها كفى لاستضعاف الشعوب، ونعم للوقوف في وجه المستعمر. لقد اخذت تلك الدول المستعمرة كفايتها من خيرات الشعوب المستضعفة، يبقى لحكام تلك الدول القول الفصل في مصلحة شعوبهم.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)