فتح الأندلس يستفز المغاربة.. انتقادات فنية ودعوى قضائية لوقف عرضه

profile
  • clock 18 أبريل 2022, 12:55:10 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أثار المسلسل الكويتي السوري "فتح الأندلس"، جدلاً هائلاً لم يسبق أن رافق أي عمل درامي في تاريخ المشاهدين المغاربة.

ولا يزال هذا الجدل مستمراً مع مواصلة عرض المسلسل خلال شهر رمضان، ما دفع البعض إلى إقامة دعاوى قضائية لوقف عرضه.

واللافت أن هذا المسلسل التاريخي، الذي تعرضه القناة المغربية الأولى وقنوات أخرى في الكويت والسعودية وقطر والإمارات وليبيا، لم ينحصر النقاش حوله داخل فضاءات التواصل الاجتماعي وصفحات الصحافة المحلية فحسب، بل امتد إلى البرلمان المغربي وانتهى في المحاكم.

ومنذ عرض الحلقات الأولى، توالت الانتقادات على المسلسل العربي، سواء تلك المتعلقة بمضمون العمل، أو بجانبه الفني والتقني.

فقد غصت صفحات التواصل، ومعها جزء كبير من الصحافة المغربية، بالكثير من التدوينات والمقالات والبيانات التي رأت أن كُتاب "فتح الأندلس" ومخرجه قد طمسوا الهوية الأمازيغية لـ"طارق بن زياد"، وأخرجوه من سياقه الجغرافي والتاريخي، وسحبوا بساط الفتح والإنجاز من الغرب الإسلامي باتجاه الشام والمشرق العربي، بحيث ظهرت بلدان المغرب الكبير كما لو أنها معبر جغرافي للجيوش الأموية القادمة من المشرق بقيادة شامية.

فيما تروي كتب التاريخ الدور الأساسي والحاسم للقائد الأمازيغي "طارق بن زياد" وجنوده المحليين.

وانطلقت صدمة المغاربة مع المشهد الذي يقدم فيه "موسى بن نصير"، القائد "طارق بن زياد" لسكان طنجة، كما لو أنه غريب عنهم، فيما هو ابن المدينة، لتتوالى أحداث بدا للمهتمين بالشأن التاريخي للبلاد، أنها جانبت الصواب.

كما أن تصوير مشاهد المسلسل بين سوريا وتركيا كان سبباً وراء تغييب الجانب المعماري والحضاري لبلاد المغرب خلال تلك الحقبة، خصوصاً ما يتعلق بالأزياء والأثاث وأساليب العيش، إذ تم طمس الهوية المغربية بشكل كبير.

واللافت أن سيناريو المسلسل شارك فيه 6 كتاب من جنسيات مختلفة، ليس بينهم مغربي واحد، كما أن قصة المسلسل لم تخضع لمراجعة من لدن المؤرخين أو الدارسين لتاريخ شمال أفريقيا، خصوصاً المغاربة منهم.

من جانبها، تقدمت الكتلة الاشتراكية في البرلمان المغربي بمساءلة لوزير الثقافة، باعتبار وزارته هي الوصي الأول عن الشأن الثقافي والفني في البلاد.

ورأت الكتلة أن مسلسل "فتح الأندلس" غيَّر الوقائع التاريخية، إضافة إلى أنه "لا يولي أهمية للتراث المغربي، وللحقيقة التاريخية للبطل، ولا يعطي تفاصيل عن شخصية طارق بن زياد الأمازيغي".

وبالتالي فهذا العمل الدرامي، حسب التكتل السياسي، "مليء بالمغالطات المعرفية ويحمل في كثير من حلقاته تزويراً لكل ما تتفق عليه المصادر التاريخية الموثوق بها".

كما تلقت المحكمة الابتدائية في الرباط "مقالاً استعجالياً" ضد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية على بثها مسلسلاً، بدا للجهة الداعية أنه "لا ينسجم مع ثوابت التاريخ العريق للمغرب"، وأن "أحداثه تنشر مضامين تحتوي على مغالطات تاريخية مسيئة للبديهيات التاريخية والجغرافية للمغرب، ومخالفة بذلك ما أجمعت عليه أغلب المصادر التاريخية العلمية".

وبعد النظر في الدعوى المرفوعة إليها قررت المحكمة الابتدائية في الرباط تأجيل الحكم إلى الجلسة المقبلة في 20 من الشهر الحالي، مما يجعل المسلسل معرضاً لوقف البث في الأقل على القناة المغربية.

كما وصلت إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصر، المعروفة اختصاراً بـ"الهاكا"، شكوى من باحثين مغاربة، طالبوا من خلالها باتخاذ التدابير اللازمة ضد المسلسل.

وبرّر الباحثون المغاربة مطالبتهم بكون العمل التلفزيوني "لم يحترم الحقائق التاريخية المرافقة للعبور إلى الأندلس، حيث قام بعرضها بشكل يفتقر إلى الاحترافية، مما يؤدي إلى ترسيخ حقائق تشوه تاريخ المغرب ودوره في نشر الإسلام في الغرب الإسلامي".

وانتقد الباحثون، في شكواهم، ما سموه تهميش المسلسل الدور المغربي الذي كان أساسياً في فتح الأندلس لحساب الدور الأموي الذي لم يكن أساسياً، و"عدم تحريه في تفاصيل الأحداث، مما جعله يتميز بالانتقائية في الأحداث قصد تضخيم الدور الأموي وتقزيم الدور المغربي".

وشدّد الباحثون على ضرورة التحقق من الأحداث التاريخية المغربية، معتبرين "التاريخ المغربي أعرق وأقدم تاريخ في حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث قام المغاربة بأدوار حضارية تاريخية ساهمت في بناء الحضارة الإنسانية ونشر الإسلام في الأندلس وأفريقيا، مما يتعين أن يستحضر المسلسل ذلك بهدف تقوية الروح الوطنية المغربية".

ورصدت الشكوى المقدمة إلى "الهاكا" مجموعة من المقتضيات القانونية والالتزامات التي يتضمنها دفتر التحملات الخاص بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية (التلفزيون المغربي)، التي لا يحترمها المسلسل مما يفسر الدعوات الكثيرة المطالبة بإيقاف بثه.

وكان الناقد المغربي "عبدالإله الجوهري"، قد انتقد المستوى الفني للمسلسل العربي، معتبراً أن شخصيات هذا العمل لا علاقة لها بالتاريخ والواقع، وأن العمل برمته "مهلهل وبلا هوية فنية وتاريخية".

لكنه بالمقابل، يرفض محاكمة العمل الدرامي قضائياً، بدل محاكمته فنياً.

وكتب على صفحته ينتقد مسألة رفع دعوى قضائية من أجل وقف بث المسلسل، معتبراً أن مسألة اللجوء إلى القضاء ضد عمل درامي "تعكس جهلاً قاتلاً".

وقال إن الإبداع الفني بالنسبة إليه قائم على مبدأ الحرية، وبالتالي "قد نتناقش حول عمل ما، ونرفضه جملة وتفصيلاً لاعتبار من الاعتبارات".

وتابع: "لكن لا يعني ذلك الدعوة إلى منعه والحجر عليه، لأن أصل الفن وجوهره يتلخصان في الحرية، والوسيلة الوحيدة للجواب والتعبير عن رفضه هي إبداع عمل آخر يصحح الحقائق التي شوهت ويجيب عن الأسئلة والفراغات التي ظلت معلقة".

كما قال المؤرخ المغربي "عبدالخالق كُلاب"، في تغريدة على "تويتر": "بصفتي مؤرخا مغربيا أؤكد أن مسلسل "فتح الأندلس" تحريف مقصود ومتعمد لتاريخ الأمة المغربية".

وغرد الفنان والمخرج الأمازيغي "خالد بويشو"، قائلا: "يجب وقف بث هذه المهزلة التي لا تشرف الفن الدرامي عموما ولا تمت بصلة للوقائع التاريخية".

وزاد: "حيث تم مسخ طارق وهدم مقدمات فتح الأندلس وطمس الحقائق عن عمد، علاوة على الهزال الكبير والفظيع على المستويين الفني والتقني".

ورد المخرج الكويتي "محمد العنزي"، على بعض الانتقادات التي وجهت له قائلا: فيما يتعلق بأصول طارق بن زياد، فإنه "كصاحب رؤية فنية وليس توثيقا تاريخيا، ارتأينا أنا وفريقي أن نخرج من إطار وضع طارق بن زياد في إقليم ومكان معين وقررنا التقليل من أهمية أصوله".

ولدى سؤاله عن السبب وراء عدم استعانته بأي من الكتاب المغاربة، قال إن "الجميع في الوطن العربي وعلى مدار عشرات السنين يعلم أن أفضل الكتاب في المنطقة هم الكتاب السوريون والمصريون في الدراما التاريخية، ولذلك عملنا معهم لتقديم عمل درامي جيد بغض النظر عن جنسياتهم".

وختم "العنزي" حديثه بالتأكيد على الفرق بين العمل الدرامي والعمل الوثائقي، فقال: "العمل الدرامي غالباً ما يعتمد على الوقائع التاريخية، لكن لا يوجد في العالم كله عمل درامي يكون مئة بالمئة وثائقي لأن الدراما تقوم على عوامل مختلفة عن التوثيق".

يشار إلى أن ميزانية هذا العمل الدرامي تجاوزت 3 ملايين دولار، وشارك فيه ممثلون من جنسيات عربية مختلفة، وأسند دور القائد "طارق بن زياد" إلى الممثل السوري "سهيل جباعي"، ودور الفاتح "موسى بن نصير" إلى الممثل اللبناني "رفيق علي أحمد".

بينما يجسد الممثل المغربي "هشام بهلول" دور "شداد" قائد جيوش "طارق بن زياد"، فيما يشارك الممثل الأردني "عاكف نجم" عبر تشخيصه دور الشيخ "نصير"، معلم "طارق بن زياد".

ويحضر الممثلان الفلسطينيان "محمود خليل" و"تيسير إدريس" من خلال دوري حاكمي سبتة وطليطلة، ويجسد دور القائد الغوطي الممثل الكويتي "محمد العجيمي".

التعليقات (0)