قمح البركة.. مبادرة أردنية لإحياء السيادة الغذائية بالشرق الأوسط

profile
  • clock 20 مارس 2022, 12:45:00 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

سلطت مجلة "ميدل إيست آي" الضوء على مبادرة شعبية أردنية أطلقها ناشطون لمواجهة انعكاسات الحرب في أوكرانيا على دول الشرق الأوسط، وسط مخاوف من انقطاع الشحنات الدولية من القمح، ما يمكن أن يؤدي إلى نقص في المواد الغذائية الأساسية وارتفاع أسعارها التي يعتمد عليها الملايين بشكل كبير.
وذكرت المجلة البريطانية، في تقرير لها، أن روسيا وأوكرانيا تنتجان حوالي ربع القمح في العالم، فيما تعتمد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل خاص على واردات القمح من موانئ البحر الأسود، والتي أوقفت الشحن منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.
ففي مصر، حيث يُعرف الخبز باسم  "العيش"، ترتفع الأسعار بشكل كبير، إذ تعد أكبر مستورد للقمح في العالم، وحصلت على نحو 70% من قمحها من روسيا وأوكرانيا عام 2019.
كما يستورد لبنان 52% من قمحه من روسيا، ونتيجة للانفجار بمرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، الذي دمر صوامع الحبوب بالعاصمة، يمكن للبنية التحتية للبلاد تخزين شهر واحد فقط من إمدادات القمح.
ويأتي أكثر من ثلث القمح اليمني من منطقة البحر الأسود، وبعد سنوات من الحرب التي دفعت بالملايين إلى حافة المجاعة، يعتمد البلد بشكل كبير على الخبز، وقد يؤدي انقطاع إمدادات القمح إلى تفاقم أزمة الجوع.
وبين عامي 2007 و 2010، ارتفعت أسعار القمح بسبب مزيج من الجفاف في البلدان المنتجة للحبوب ، وارتفاع أسعار النفط والمضاربة المالية، وأثارت أزمة الغذاء تلك احتجاجات وأعمال شغب بسبب الغذاء في جميع أنحاء العالم، وتعتبر أحد مسببات انتفاضات الربيع العربي.
ويعد الخبز أكثر من مصدر حيوي للسعرات الحرارية التي يعتمد عليها الكثيرون لتجنب الجوع، وغالبًا ما يحمل المتظاهرون في الشرق الأوسط أرغفة الخبز كرمز لسبل العيش والكرامة.
ولطالما كان الهلال الخصيب - الذي يمتد من شمال مصر إلى العراق - المكان الذي تم فيه زراعة القمح، ولآلاف السينين كان الشرق الأوسط منتجًا رئيسيًا له، لكن المنطقة أصبحت اليوم واحدة من أكبر مستوردي الغذاء في العالم.
وعلى الرغم من أن الزراعة وظفت أكثر من نصف السكان العاملين بالشرق الأوسط في السبعينيات، إلا أن معظم بلدان المنطقة خصصت أقل من 10% من إجمالي الإنفاق على القطاع، ولم تفعل الكثير لمنع خسارة الأراضي الزراعية، حيث حلت الكتل الخرسانية محل حقول القمح. وأدى النمو السكاني إلى زيادة استهلاك القمح، مع انخفاض مستويات إنتاجه.
ولما كانت أسعار القمح قد ارتفعت بالفعل عالميا نتيجة لاضطرابات الشحن المرتبطة بوباء كورونا وارتفاع التكاليف على المزارعين وسوء الأحوال الجوية، حذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من أن الحرب في أوكرانيا يمكن أن تدفع ملايين الأشخاص في الشرق الأوسط إلى فقر الغذاء وتؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم.
ولذا جددت أزمة القمح الوشيكة التذكير بأن الإنتاج المحلي للغذاء يجب أن يكون أولوية بالنسبة للأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمنطقة.
وفي هذا الإطار، قالت "مريم الجعجع"، عضو الشبكة العربية للسيادة الغذائية (ANFS) ، وهي مجموعة من منظمات المجتمع المدني من 13 دولة عربية مختلفة تدافع عن الاستثمار في الإنتاج المحلي للغذاء منذ إنشائها عام 2012: "اعتمادنا على الواردات يجعلنا عرضة لجميع أنواع الأزمات".
وأضافت: "يجب الترويج لزراعة المواد الغذائية الأساسية مثل القمح لتحسين أمننا الغذائي، ويجب إعطاؤها الأولوية على المحاصيل المعدة للتصدير".
واعتبرت "مريم" أن التحدي الرئيسي أمام دول المنطقة هو "فقدان السيادة على الأرض والغذاء والموارد"، قائلة: "ليست لدينا سيادة على قراراتنا، لدينا جهات أجنبية ومؤسسات عالمية تفرض سياسات".
وأشارت إلى أن الأراضي الصالحة للزراعة في المنطقة تقدر بحوالي 200 مليون هكتار، ولكن نسبة المزروع منها تمثل 30% فقط.
وتابعت: "لقد تم تهميش قطاعنا الزراعي، ولم تتم حماية قطع كبيرة من الأراضي الخصبة  (..)
نحن بحاجة إلى الاستثمار في أنظمة غذائية محلية مرنة وأيضًا في استراتيجية إقليمية للأمن الغذائي".
وفي السياق، أرجح الأستاذ في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأمريكية ببيروت "رامي زريق"، تراجع الإنتاج الغذائي المحلي إلى اندماج المنطقة العربية في الأسواق العالمية.
ففي النصف الأول من القرن العشرين، كانت العديد من دول المنطقة لا تزال تنتج قمحها الخاص، ولكن على مدى عقود بدأت واردات الغذاء في الزيادة بشكل كبير، حيث تحولت السياسات من الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية إلى زراعة المحاصيل المربحة للتصدير.
ويشير "زريق"، فيه هذا الصدد، إلى أن الزراعة "أصبحت مشروعًا رأسماليًا، وليس مشروعًا اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا"، إذ لم تعد مرتبطة بالاستهلاك المحلي بل بالأسواق العالمية.
وأوضح: "يتم تشجيع المزارعين على إنتاج سلع قابلة للتسويق. لا يهدف إنتاج الغذاء إلى تلبية احتياجات السكان المحليين ، بل إلى تلبية إنتاج الثروة وتراكمها التي لا يستفيد منها سوى عدد قليل ".
وأضاف: "مع قلة الاستثمار في إنتاج الغذاء المحلي وزيادة الاعتماد على التجارة العالمية، بدأنا في استيراد دقيق أبيض مكرر أرخص بدلاً من زراعة القمح المحلي".
ولأنهم باتوا غير قادرين على منافسة القمح المصنع، الذي أغرق الأسواق المحلية، لجأ أغلب المزارعين في الشرق الأوسط إلى محاصيل أكثر ربحية مثل الفواكه والخضروات ، أو هجروا أراضيهم وانتقلوا إلى المناطق الحضرية سريعة النمو.
وهنا ينوه "زريق" إلى أن المنطقة باتت تشهد "اختفاءً لعلاقة الناس بالطبيعة وإنتاج الغذاء" حسب تعبيره.
وإزاء ذلك، تحاول مبادرة "قمح البركة" في الأردن إعادة تشكيل هذه العلاقة المفقودة، من خلال تحويل الأراضي غير المستخدمة إلى حقول قمح.
انطلقت المبادرة في أواخر عام 2019، عندما قررت "لمى الخطيب" و"ربيع زريقات" زراعة قمحهما الخاص.
وبعد حصادهما الأول للقمح في زمن القيود الوبائية وانقطاع سلاسل التوريد، بدأ الشريكان في تحديد مواقع قطع الأرض الفارغة في العاصمة الأردنية (عمان) وحشدوا مجتمعهم للمشاركة في مشروع للزراعة الجماعية.
ويشمل المشروع تعليم المشاركين كيفية زراعة القمح بأنفسهم وتحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتي، وربط صغار المزارعين بأسواق بديلة لإظهار أن زراعة القمح المحلي يمكن أن يكون مجديًا اقتصاديًا.
تقول "لمى الخطيب"، إن قوة المبادرة تكمن في "قدرة الناس على إعادة إنتاجها في مجتمعاتهم وعلى تخيل بديل للنظام الحالي".
بالنسبة للخطيب وزريقات، فإن إحياء زراعة القمح المحلي هو وسيلة لتشجيع المزيد من الناس على زراعة طعامهم وتعزيز "السيادة الغذائية" في منطقة تعتمد بشكل كبير على الواردات، ولذا تدور مبادرتهما حول استعادة الفاعلية والاستقلالية والكرامة في المجتمع.

التعليقات (0)