كواليس استدعاء الإخوان ( 1 )

profile
مجدي الحداد كاتب ومحلل سياسي
  • clock 24 مارس 2021, 5:36:30 م
  • eye 1104
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

قد تكون من حكمة القدر ورحمة الخالق أن يغمض كل مستبد - وخاصة في مصر - عينيه عن دروس وعبر التاريخ ، ويأبى من ثم ، وفي تحد وعناد منقطع النظير حتى لنواميس الكون ، أن يتعلم منها شيئ ، فيكون ذلك سببا كافيا لأفول نجمه وربما حتى انقضاء عهده وبغير رجعه .

ولا أريد هنا أن أغوص كثيرا في أعماق التاريخ المصري بالذات لسوق الأدلة ، ولكن ، و لدواعي الاختصار ، سأكتفي فقط بمثالي مبارك والسيسي . 

فمبارك مثلا أشاع على نفسه بأنه عنيد ، وانه عندما يأخذ قرارا لا يرجع فيه . وهذا وحده في الحقيقة ضد أشياء كثيرة ، والتي منها طبعا رفضه ضمنا وتصريحا تعلم أي شيء من دروس التاريخ . وهو بطبعه لا يحب القراءة ، وربما أيضا لا يجيدها ، ومع ذلك فقد صار رئيسا ولحوالي ثلاثين عاما . 

ولكن سيظل السؤال العالق هنا هو ؛ عنيد على من ..؟! ، فهل كان يحكم مثلا ، ما عاذ الله ، قطيع من الغنم في مرعى خاص به اسمه مصر ..؟!

وقد نسج السيسي إذن على ذات المنوال ، ولكن على نطاق أوسع ، أو لو شئت ؛ على نحو أفحش . وصار يتصرف في كل شيء في مصر وكأنه ملكية خاصة 

 وبلا أية ضوابط ولا حتى روادع لا من دستور ولا قانون ولا حتى أخلاق ، والأمثلة هنا كثيرة جدا ، وقد يصعب حصرها .  

فلو كان يرعى حقا مصالح هذه البلاد التى أقسم على رعايتها قبل توليه منصب الرئاسة ، لتعلم حتى من دروس وعبر التاريخ القريب جدا ؛ له ولنا ؛ وهو ثورة 25 يناير المجيدة ..!

كان تعلم ودرس أسباب الثورة ، وجاهد بعدئذ واجتهد لمعالجة كل الأسباب التي أدت إلى إندلاعها وعلى رأسها الظلم الإجتماعي وافتقاد العدالة الاجتماعية - بجانب أشياء أخرى كثيرة - لكنه مع ذلك سار وصار ، وبكل عناد - كسلفه مبارك - وصلف منقطع النظير  في الاتجاه المعاكس تماما ..!

فهل كان يهدف مثلا إلى إشعال حرب أهلية - على غرار سوريا ما عاذ الله - وذلك من خلال ثورة الجماهير مرة أخرى واحتجاجها على قراراته الظالمة ، فيواجهها بالدبابات والطائرات والمدافع الرشاشة ..؟!

حكم السيسي إذن مصر بمنطق اللامنطق ؛ ومن خلال نظرة أحادية الأبعاد غاية في الضيق ، وأيضا غاية في الأنانية وحب الذات أو حتى عشقها المرضي وصولا بها إلى الحالة النرجسية - الساعة الأوميجا والخاتم ، وضبغ الشعر ، وتفتيح البشرة بكريمات خاصة ، و...، و... ! 

وفحوى وغاية ومراد ومرام وخلاصة تلك النظرة الأحادية إذن هي : كيف يحتفظ بمنصبه ؛ كرئيسا لمصر ؛ مع إمكانية توريث منصبه لنجله محمود ، مهما كانت التكلفة ومهما كانت التضحيات ، أو بالأحرى مهما كانت التنازلات - للغير طبعا ..!

وهنا نعود مرة أخرى ، ونقف قليلا ، عند ظاهرة الإصرار العجيب الغريب والمريب للحكام ذو الخلفية العسكرية بالذات - إلا من رحم ربي ، فتلك النماذج قد لاتنطبق على صور أخرى في أزمنه وأماكن أخرى مختلفة في العالم - من رفض التعلم عمدا ، ومع سبق الإصرار ، من  من دروس وعبر التاريخ ، حيث سعى مبارك إلى توريث الحكم لنجله جمال ، فقامت ثورة ضده ..! ، ومع ذلك يسعى السيسي لتوريث الحكم لنجله محمود ..!

وهنا نريد أن نقف مرة أخرى - ولعلها تكون الأخيرة  - ونذكر بأن مبارك والسيسي رفضا التعلم من دروس الماضي . لكن السيسي أراد أن يتعلم فقط التعليم السالب ، والسالب لكل شيء من دروس الماضي - ولا أريد أن أقول أن من يصل به الأمر إلى مجرد التفكير بهذه الدرجة وعلى هءا النحو من الانحدار يكون في حقيقة الأمر عدوا للشعب ، ولا يمكن أن يفكر ، فضلا عن أن يعمل ، لحظة واحدة في صالحة ..؟!

لماذا ..؟!

علم السيسي أن المؤسسة العسكرية ربما رفضت تولي أو توريث جمال مبارك رئاسة مصر لأن جمال كان مدنيا - كما كان له أيضا "شلته" الخاصة من المدنيين التي يعين منها الوزراء وحتى المحافظين ، وكل منصب خطير في مفاصل الدولة . ولكي يلتف السيسي على تلك المعضلة سعى إلى أن يعمل كل أبناءه تقريبا في الجيش أو ما يتبعه من مؤسسات ، كالرقابة الإدارية مثلا وغيرها . كم تم ترقية ابنه بشكل غريب وسريع حتى صار الرجل الثاني تقريبا - وربما أيضا الرجل الأول ، في ذلك الجهاز الذي يعمل فيه . وقد يتماهى ذلك تماما ، ومع نفس السرعة التي رقي بها عبد الحكيم عامر من صاغ - أي رائد - إلى مشير - إذن مفيش تعلم من أي دروس ..!

وطالما صرنا إلى هذه النقطة أو إن شئت ؛ محطة الوصول ، فلن تستطيع المؤسسة العسكرية ، ووفقا لوجهة نظر السيسي ، أن تعترض على وراثة ابنه محمود رئاسة مصر لأنه ليس مدني - فاكرين نداء ؛ " فين المدني إللي هنا " ..؟!

إذن ، وباختصار ، فهذا هو التفكير السالب ، التفكير المدمر ، الذي يبحث مثلا في معرفة نقاط القوة والضعف في نظام ما لا لكي يعزز القوة وما يضمن الاستمرارية  لهذا النظام أو ذاك ، ومتى ثبتت جدارته ونجاعته ، ولكن لكي يعمل النظام كله لصالحه . تماما كالذي يتعلم القانون لا لكي يتحرى و يطبق العدالة ، ولكن لكي يعرف ثغراته ويستغلها لخدمة وتعزيز مصالحة - وبغض النظر هنا طبعا عن مدى شرعيتها أو عدم شرعيتها .. !

فهو إذن ، وكما أسلفنا ، بدلا من تكريس مبدأ تداول السلطة ، وتحقيق العدالة الإجتماعية ، وإعادة هيكلة الشرطة ، وغيرها ، قد جرى عمل عكس كل ذلك تماما .. " وإذا كان على ابننا محمود ، مش هيمسك منصب مدني ، علشان محدش يفتح بوقه لما يورث حكم مصر .."

ويجب أن نفهم إذن ، وفي هذا الإطار ، لماذا سافر محمود السيسي ، وفي معية عباس كامل ، لاسطنبول للحوار مع الإخوان ، بل ولماذا تم استدعاء الإخوان أصلا في هذا المشهد ..!


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)