كيف تصاعدت التهديدات الأمنية التي تواجه الداخل الألماني؟

profile
  • clock 17 يناير 2023, 9:48:39 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً لافتاً في حدة التهديدات الأمنية التي تواجه الداخل الألماني، وهي التهديدات التي تجاوزت أنماط التهديد التقليدية المرتبطة بالإرهاب واليمين المتطرف؛ حيث شهدت الساحة الألمانية بروز أنماط جديدة من التهديدات الأمنية، مثل تنامي العمليات الاستخباراتية المعادية في الداخل الألماني، وتزايد أنشطة الإرهاب السيبراني، والارتدادات المصاحبة لبعض لتطورات في دول الجوار. وقد ضاعفت هذه التهديدات من حجم التحديات التي تواجه حكومة المستشار أولاف شولتز، خصوصاً أنها تتزامن مع أزمة اقتصادية كبيرة بسبب انعكاسات الحرب الأوكرانية.

أنماط التهديد

يمكن تناول أبرز التهديدات الأمنية التي تواجه الداخل الألماني؛ وذلك على النحو التالي:

1– سعي اليمين المتطرف للانقلاب على الديمقراطية: بات تيار اليمين المتطرف الراديكالي الذي يسعى إلى الانقلاب على الديمقراطية في ألمانيا، هو التهديد الأبرز بالنسبة للداخل الألماني. ويمكن الاستدلال على تربع اليمين المتطرف على رأس التهديدات الأمنية التي تواجه ألمانيا، من خلال التحول الذي طرأ على استراتيجيات هذا الاتجاه؛ حيث بدأ في تبني بعض التحركات الميدانية والفعلية لتنفيذ مخططاته في ألمانيا، وهو ما تجسد في إعلان السلطات الأمنية في 7 ديسمبر 2022، عن عشرات الأفراد في 11 ولاية ألمانية ينتمون إلى حركة الرايخسبورج (مواطني الرايخ)، شكلوا خلية تسعى للإطاحة بالجمهورية والنظام الديمقراطي. وأشارت السلطات الألمانية إلى أن الحركة لديها ذراع مسلحة سعت من خلالها لتنفيذ أجندتها المتطرفة.

وعلى الرغم من اعتبار بعض التقديرات أن ما حدث في ألمانيا لا يصل إلى مرتبة “المحاولة الانقلابية”، فإن الدلالة الأهم التي حملها هذا التحرك، هو أن خطر اليمين المتطرف تنامى في ألمانيا، وبدأ في توسيع هامش المُستهدف ليتجاوز الأقليات الموجودة في ألمانيا والمهاجرين، وبدأ في التخطيط لاستهداف الديمقراطية والجمهورية الألمانية نفسها؛ حيث أكد الادعاء العام الألماني أن هذه التحركات بدأت منذ أواخر عام 2021، وشمل تنصيب “وزراء ظل” في الحركة. ومن هنا وصفت الحكومة الألمانية أعضاء هذه الحركة بـ”أعداء الديمقراطية”.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن وزارة الداخلية الألمانية أعلنت، في 27 يونيو 2022، أن ما يقرب من (34) ألف يميني متطرف موجودين في ألمانيا، من بينهم ما يزيد على (500) متطرف يميني مطلوبون للعدالة. وقد نفذت هذه العناصر بعض العمليات الإرهابية خلال العام المنصرم، كان من أبرزها إطلاق يميني متطرف في يناير 2022 النار على المركز الثقافي الإسلامي في مدينة “هالة”، واستهداف مقر حاخام يهودي بجوار الكنيس اليهودي القديم في مدينة “إيسن”، في فبراير 2022.

2– استمرار التهديد الإسلاموي المتطرف: على هامش تفقدها “المركز الألماني المشترك لمكافحة الإرهاب” الذي يُعرف اختصارًا بـ “جتاز”، في يوليو 2022، أشارت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر إلى أن “مستوى التهديد الإسلاموي المتطرف للبلاد لا يزال مرتفعاً”، على الرغم من إشادتها بدور الأجهزة الأمنية وسياساتها الرامية لتحجيم هذا التهديد.

ووفقاً لمؤشر الإرهاب الأوروبي الصادر عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإن ألمانيا شهدت في عام 2022 العديد من الهجمات الإرهابية ذات الطابع الإسلاموي. وبالنظر إلى هذه العمليات، نجد أن معظم منفذيها كانوا من المهاجرين القادمين من دول عربية وإسلامية. ويبدو أن خطر “الإرهاب الإسلاموي” سيشكل تهديداً مستمراً لألمانيا في ضوء استراتيجية “التخفي” التي يتبناها عناصر التنظيمات الإرهابية عبر اختراق الجغرافيا الألمانية في صورة طالبي لجوء، فضلاً عن الذئاب المنفردة الموجودين بطبيعة الحال في ألمانيا، وكذا عدم وجود استراتيجية واضحة للتعامل مع هذا التهديد، وتحجيم مصادر التمويل الخاصة به.

3– تنامي الأعمال الاستخباراتية المعادية في الداخل الألماني: مثلت الأعمال الاستخباراتية التي تتم من قبل بعض الدول في الداخل الألماني، أحد مصادر التهديد الرئيسية بالنسبة للدولة الألمانية في الأشهر الأخيرة، خصوصاً من قبل دول روسيا وإيران؛ ففي ديسمبر 2022 أعلن الادعاء العام الألماني عن أن السلطات اعتقلت موظفاً في الاستخبارات الألمانية يشتبه في نقله معلومات إلى أحد أجهزة الاستخبارات في روسيا. وفي أبريل 2022 قال ممثلو النيابة العامة الألمانية إنهم وجهوا تهم التجسس إلى ضابط احتياطي عسكري ألماني سابق، بعد الاشتباه في أنه كان يزود جهاز الاستخبارات الروسية بمعلومات “قيمة” بين 2014 و2020.

ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لإيران؛ إذ تتصاعد المؤشرات على تنامي الأنشطة الاستخباراتية الإيرانية على الأراضي الألمانية؛ حيث أعلنت السلطات الألمانية في مطلع الشهر الجاري عن أنها تحقق منذ 2018 في 9 قضايا تتعلق بـ24 إيرانياً يشتبه في تجسسهم لصالح إيران.

4– الكشف عن مراكز للشرطة الصينية في ألمانيا: أعلنت وزارة الداخلية الألمانية في ديسمبر 2022 أن السلطات الصينية أقامت “مركزي شرطة على الأقل في ألمانيا”. وقالت الوزارة – رداً على استجواب برلماني بهذا الخصوص – إن “المركزين ليس لهما مكاتب ثابتة في ألمانيا، ويشرف عليهما أفراد صينيون في الخارج، لكنهما لا يملكان أي صلاحيات تنفيذية على الأراضي الألمانية”، فيما أشارت بعض التقديرات إلى أن “المركزين يأتيان في إطار مساعي الصين لاستهداف المعارضة في الخارج”؛ وهو الأمر الذي يمثل مؤشراً على تنامي أعمال الاستخبارات الصينية على الأراضي الألمانية.

5– ارتدادات التطورات السياسية في تركيا: قال توماس هالدينفانج رئيس منظمة حماية الدستور المسؤولة عن المخابرات الداخلية في ألمانيا، في مطلع شهر يناير الجاري، إن التوتر في تركيا بسبب قرب الانتخابات ينعكس على البلاد. وأضاف “هالدينفانج” في تصريحات صحفية: “الخلافات السياسية الداخلية في تركيا تنتقل هنا أيضاً؛ فمن ناحية الموالون للحكومة من القوميين الأتراك واليمين المتطرف، ومن ناحية أخرى المتعاطفون مع قوى المعارضة الديمقراطية والمتطرفون والمنظمات الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني” وفق تعبيره. وبعد هذه التصريحات بيوم واحد فقط، تم الإعلان عن تعرض مقر حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض لهجوم من قبل أحد العناصر؛ ما يعني أن التوترات الجارية في تركيا إثر حالة التأزم السياسي قد تمثل أحد مصادر التهديد الأمنية المحتملة بالنسبة إلى ألمانيا.

6– زيادة معدلات الهجمات السيبرانية: شهدت ألمانيا، على مدار العام المنصرم، تنامياً لافتاً في معدلات الأنشطة السيبرانية التي تستهدف مؤسساتها؛ حيث قدرت بعض التقارير أن ألمانيا تعرضت لنحو 148 هجوماً سيبرانياً على مواقع بعض المؤسسات، حتى ديسمبر 2022. وفي أكتوبر 2022 قالت الهيئة الفيدرالية للأمن السيبراني إن حوادث برامج الفدية والابتزاز الإلكتروني، لا تزال تشكل التهديد الأكثر أهميةً لألمانيا. وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت في منتصف أكتوبر 2022 عن إقالة رئيس المكتب الاتحادي لأمن تكنولوجيا المعلومات “بي إس آي” آرنه شونبوم من منصبه، على خلفية اتهامات بعلاقات مع جهاز الاستخبارات الروسي.

جهود حثيثة

سعت السلطات الألمانية إلى تبني مقاربة تقوم على عدد من المرتكزات، تستهدف مواجهة كافة التهديدات الأمنية التي تواجه الداخل الألماني؛ وذلك على النحو التالي:

1– تحركات مكثفة لمحاصرة الخطر الإسلاموي: تبنت السلطات الألمانية، على مدار العام الماضي، العديد من الإجراءات التي استهدفت بشكل رئيسي محاصرة وتحجيم خطر التطرف والإرهاب الإسلاموي على أراضيها. وقد تجسدت هذه الإجراءات في العديد من التحركات البرلمانية التي طالبت برصد مصادر التمويل الخارجي لمنظمات الإسلام السياسي، وتجفيف منابع تلك الجماعات، وفرض رقابة مشددة حول مصادر تمويلها، وتتبع كل الأنشطة المتعلقة بتلك التمويلات، ورصد التبرعات والهبات المالية الخارجية للجمعيات والمراكز الإسلامية من خارج ألمانيا.

فضلاً عن دعوة الحكومة إلى تسريع تتبع هياكل الشبكات المتطرفة ومكافحتها بشكل فعال. وفي سياق متصل تم الإعلان في أبريل 2022 عن مغادرة سليمان موسوي فر نائب رئيس مركز هامبورج الإسلامي، التابع للنظام الإيراني، ألمانيا على متن طائرة، بعد طرده من ألمانيا؛ “لدعمه الميليشيات الشيعية المتطرفة والإرهابية”. وفي سبتمبر 2022 أعلن المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا، عن طرد جميع المنظمات الإخوانية من صفوفه، وتجريد القيادي الإخواني إبراهيم الزيات المعروف بـ”وزير مالية الإخوان في ألمانيا”، من كل مناصبه داخل الاتحاد.

2– طرد العناصر المتطرفة من الجيش الألماني: كشفت وزارة الدفاع الألمانية في ديسمبر 2022 عن خطة لطرد المشتبه بأنهم متطرفون من الجيش دون اللجوء إلى إجراءات تأديبية مطولة. وفي تغريدة على صفحة الوزارة بتويتر تحت عنوان “لا تسامح مع التطرف”، قالت الوزارة إن الوزيرة كريستين لامبرشيت أعلنت عن خطة لتعديل القانون الخاص بعمل الجنود في القوات المسلحة، وأوضحت أن “الهدف من تعديل القانون هو التمكن من طرد المتطرفين من الخدمة بسرعة أكبر”. وقد جاء هذا التحرك من قبل وزارة الدفاع مدفوعاً بخطر كبير مرتبط بتغلغل عشرات المتطرفين في إطار المؤسسات الأمنية الألمانية.

3– رصد وتتبع مستمر لأنشطة التجسس: على الرغم من تسليم السلطات الألمانية نفسها بوجود أنشطة تجسس كبيرة على أراضيها من قبل بعض الدول، خصوصاً روسيا وإيران والصين، فإن جهاز الاستخبارات الألماني عمل بشكل مكثف في الأشهر الأخيرة على رصد هذه التحركات وتتبعها، وهو الرصد الذي كانت أحد معالمه ونتائجه الواضحة تتمثل في إقالة العديد من المسؤولين من مناصبهم؛ لعلاقاتهم ببعض الأطراف الخارجية، فضلاً عن توجه جهاز الاستخبارات الألماني للتنسيق مع بعض الدول الأوروبية في هذا الملف.

في الختام، يمكن القول إن الداخل الألماني يواجه العديد من التهديدات الأمنية المركبة، التي تتجاوز حدود تهديدات اليمين المتطرف والإسلاموية، إلى بعض أنماط التهديد غير التقليدية، مثل الأنشطة الاستخباراتية والهجمات السيبرانية وارتدادات التطورات السياسية في بعض دول الجوار، وهو الأمر الذي يزيد حجم التحديات التي تواجهها حكومة المستشار أولاف شولتز، وتفرض وجود استراتيجية أمنية واضحة للتعاطي مع هذه التهديدات.

كلمات دليلية
التعليقات (0)