كيف وصل «بيغاسوس» إلى أردنيين؟ المجتمع الحقوقي قلق والسلطات لا تجيب

profile
  • clock 15 مايو 2022, 5:25:09 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لا نتائج أو مؤشرات واضحة ومحددة بخصوص آخر قضية إشكالية طرحت في المشهد السياسي الأردني على صعيد ملفي الحريات وحقوق الأفراد، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالجدل المتراكم حقوقيا ومدنيا وحتى سياسيا وأمنيا بعد إعلان عدة مؤسسات للرقابة التقنية مع نشطاء حقوقيين وشخصيات عامة في الأردن عن اكتشافهم برنامج التجسس الإسرائيلي الشهير بيغاسوس والذي نشأ وتكون وتم تسويقه وتزويده لعدة دول عربية بصورة غامضة حتى الآن.

عمليا أضاف الحديث عن وصول نشاطات برنامج بيغاسوس إلى عشرات النشطاء والشخصيات الأردنية، تعقيدا على تعقيدات ملف الحريات العامة في البلاد خصوصا مع تراجع تصنيف الحالة الأردنية ضمن معدلات الحريات العامة والفردية والإعلامية بالنسبة للعديد من المؤسسات المدنية والحقوقية ذات السمعة العالمية، ومنها مؤسسة «هيومن رايتس ووتش» ومؤسسة «الديمقراطية الآن» وهي أصبحت اليوم واحدة من الأذرع الأساسية لإصدار تقارير حقوقية عن أوضاع الحريات في العديد من دول العالم.
بالنسبة لمؤسسة «الديمقراطية الآن» التركيز شديد على الاعتقالات الاحترازية والوقائية في الأردن، التي تحاول احتواء حالة الحراك الشعبي باعتبارها إجراءات تعسفية سالبة للحريات.
وبالنسبة للمؤسسات التي تعنى بتصنيف سجلات حقوق الإنسان، الأردن يقترب أكثر وبخطوات أوسع بسبب الضائقة الاقتصادية والظروف العامة والمناخ السياسي الداخلي من صيغة وتعريف «الدولة غير الحرة».
وهو ما أشار له بيان لحزب جبهة العمل الإسلامي المعارض كان قد حذر من الاسترسال بالتدخل في الحياة السياسية والتدخلات الأمنية في ملفات الإصلاح السياسي وانتخابات النقابات وتزايد حالات الاعتقال التعسفي والاحترازي في الوقت الذي طرح فيه برلمانيون متعددون من بينهم صالح العرموطي وعمر العياصرة إشكالات بصورة علنية لها علاقة بتراجع سجل الحريات في البلاد.
وهنا لاحظ العياصرة تحديدا مؤخرا بان السلطات الأمنية تبالغ في الاحتراز عند مواجهة حراكات أو تجمعات سلمية تطرح رأيا سياسيا، فيما قال العرموطي عدة مرات وعبر «القدس العربي» إن الحريات السالبة تزداد نموا في المشهد الداخلي مما يهدد كل مسيرة النماء والإصلاح.

كيف تسلل بيغاسوس؟

لكن بعيدا عن هذه الاعتبارات العمومية والعبارات الموسمية المتكررة حول حالة الحريات العامة في الأردن انبثقت أو ولدت تلك الفكرة التي تثير الجدل بعد ضبط التسلل أو بعد ضبط تسلل برنامج بيغاسوس إلى الواقع النخبوي والسياسي الأردني. وهي إشارة حسب الحقوقي والمحامي الناشط عاصم العمري على ان هوامش الحريات العامة واحترام كرامة وحقوق الأفراد في المملكة تزداد ضيقا وبصورة غير مبررة لا بل متعسفة في الكثير من الأحيان.
يتابع العمري بصفة خاصة «انتهاكات بيغاسوس» وتأثيرها ويفيد أمام «القدس العربي» بأن الأجواء أصبحت أكثر ميلا للتعسف وبأن ظهور حالة تمكين فنية وسياسية وبيروقراطية تحت عنوان «بيغاسوس» تحديدا هي المؤشر الأكثر قلقا وخطورة خلال الأعوام القليلة الماضية داعيا إلى العودة إلى مربع احترام الدولة لحقوق الإنسان ولحريات التعبير وحقوق المواطنين ومعايير دولة القانون والمؤسسات باعتباره الصيغة التاريخية والتراثية والكلاسيكية المألوفة والتي تؤسس عقد الأردنيين مع دولتهم وعلى أساسها ومعاييرها يمكن بناء حالة السلم الاجتماعي أو الجماعي.
ظهور برنامج بيغاسوس في التجسس على أنشطة شخصيات محلية خطف وقتا فاعلا في الجدل والنقاش في مجتمع الحريات والمؤسسات الحقوقية وسط تراكم التساؤلات الحائرة.
وفيما قدر العرموطي مبكرا بأن الإشارة هنا مريبة ومقلقة، يعترض العمري بشدة على ما يصفه بتصرفات مجازفة ومراهقة يمكن القول بانها أظهرت بعض المؤشرات على حصول حالة تجسس مجهولة المصادر باتجاه نشطاء أردنيين.
لا أحد يدري إذا كانت تلك النشاطات الانتهاكية تحصل بعلم السلطات أم بدونها.
المؤسف برأي العمري والعديد من الأطر الحقيقية ليس توثيق أدلة وصدور تقارير من منظمات رقابة تقنية دولية على رصد نشاط لبرنامج بيغاسوس سيئ السمعة والصيت في الأردن ووسط نخبة عمان العاصمة، لكن المؤسف أكثر والجارح وطنيا هو ان السلطات المختصة لا تظهر اهتماما كافيا بالرد أو التعليق أو حتى نفي التهمة أو التثبت منها.
ولا تظهر مرونة في تفسير حالات الضغط التي تمت لتسلل برنامج بيغاسوس تحديدا، وهو وضع يؤكد العمري ومعه حقوقيون آخرون بانه يؤسس لتثبيت وتمكين تلك المجازفات السلطوية التي تغامر بحالة الحريات العامة في البلاد.
لكن الأسف قد لا يكفي هنا ولا يعبر إلا عن موقف سياسي خصوصا وان برنامج بيغاسوس تحديدا أطل على ملف الحريات الفردية بالنسبة لعشرات النشطاء في الحالة الأردنية واختفى ولا يزال عالقا.

اللجوء للجرائم الإلكترونية

لكن في ظروف غامضة وبدون الإمساك بتلابيب الحكاية وسردياتها حتى الآن حين اكتشفت العديد من الشخصيات حصول اشكالات في أجهزة الهاتف الخلوي وبعد الفحص والتوثق تم الإعلان عن رصد أكثر من 208 حالات لها علاقة باحتمالية اختراق برنامج بيغاسوس في ظروف وملابسات غامضة حتى الآن هواتف خلوية تعود لشخصيات أردنية.
بين تلك الشخصيات طبعا عضو البرلمان السابقة الناشطة الإسلامية الدكتورة ديمة طهبوب والكاتبة الصحافية سهير جرادات، وبينها شخصيات تعمل في قطاع القانون والمحاماة مثل المحامي مالك أبو عرابي والناشط أحمد نعيمات. لا بل ان مصادر حقوقية تتحدث عن شخصيات بارزة للغاية في الدولة خضعت لمثل هذا الاختراق الغامض إضافة لاعضاء في مجلس الأعيان.
آنذاك كشف تقرير جديد من «فرونت لاين ديفندرز» و«سيتيزن لاب» وهما منظمتان تقنيتان عن اختراق هواتف صحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان في الأردن، باستخدام برنامج بيغاسوس الذي تنتجه شركة إسرائيلية بين شهري اب/أغسطس وكانون الأول/ديسمبر في العام 2019 وحتى العام 2021.
بعض الجهات التي تجسّست على الناشطين حسب نفس التقرير يبدو أنّها تعمل لصالح الحكومة الأردنية حيث نشطت العملية منذ كانون الأول/ديسمبر 2018 ويمتد نشاطها من الأردن إلى لبنان والعراق والسعودية، والثانية منذ كانون الأول/ديسمبر 2020 وتركّز على الأردن.
ولاحقا قال خبير في الاستشارات والأمن الإلكتروني ونظم الحماية هو حسين الجدي إنّ «برنامج التجسس بيغاسوس استُخدِمَ عبر جهة دولية لاختراق هواتف كلٍ من ديما طهبوب ومراد العضايلة وحسام غرايبة وبادي الرفايعة ونور أبو غوش» وجميعهم من قيادات التيار الإسلامي الأردني.
وحذّر الجدي من خطورة بيغاسوس، إذ إنّه يملك خصائص تقنية تتيح له التفاعل وفحص شبكات الإنترنت وتحديد نقاط الضعف بها، ليتمكّن من حقن الشبكة عبر برمجيات ضارة.
واستخدمت إسرائيل حسب الخبراء في السنوات الأخيرة برنامج بيغاسوس للتجسّس سلاحاً دبلوماسياً، لكنّ هذا السلاح القوي بدأ يرتدّ عليها مع سلسلة تقارير تتهم الشرطة الإسرائيلية باستخدامه للتجسّس على عدد من الشخصيات السياسية في تل أبيب نفسها لكن عندما يتعلق الأمر بالبصمة الأردنية المحلية لا توجد أدلة قاطعة.
وفي منتصف شهر كانون الثاني/يناير الماضي، كشفت صحيفة «كلكاليست» الاقتصاديّة العبريّة أن استخدام برنامج بيغاسوس للتجسّس لم يقتصر على الخارج، إنما استخدمته الشرطة الإسرائيلية بلا إذن قضائي داخل إسرائيل.
ولاحقا تحدث تقرير جديد عن حالات اختراق جديدة لهواتف ناشطين أردنيين باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس، وهو برنامج تابع لمجموعة «إن أس أو» الإسرائيلية.
وأشار التقرير إلى أسماء حركية لوكلاء رصد تدخلهم لصالح الاختراق قد يعملون مع الحكومة الأردنية. وأشارت المنظمات لمصطلح «مشغلي بيغاسوس في الأردن» لكن تلك الحيثيات من الصعب توثيقها قانونيا أو التأكيد بقطعيتها تقنيا كما أفاد معلقا لـ«القدس العربي» الناشط الإلكتروني عماد الناعم وهو يوافق على ان الفكرة نفسها تبدو مرعبة وسالبة ومقيدة للحريات عموما.
وتطرقت المنظمة في تقريرها إلى حالات اختراق تعرض لها ناشط في الحراك الأردني الشعبي، وصحافيون، ومحامي عضو في ملتقى الحريات.
وفي التفاعل مع المسألة أظهر تحقيق مشترك أجرته كل من منظمتي «آكسس ناو» و«هيومان رايتس ديفيندرز» الحقوقيتين تعرض هاتف المحامية والناشطة الحقوقية الأردنية، هالة عاهد، للاختراق في شهر آذار/مارس الماضي باستخدام أداة التجسس المصنعة من قبل شركة «إن إس أو» الإسرائيلية بيغاسوس.
وأعلنت هالة عاهد أنها رغم ملاحظتها لبعض الأمور الغريبة التي تحدث في هاتفها إلا أنها لم تتوقع أبدا أن يكون ذلك نتيجة اختراقه بأداة بيغاسوس ذات التكلفة العالية.
التحقيق الذي أكد نتائجه باحثون في مؤسسة «سيتيزين لاب» التابع لجامعة تورنتو، أظهر أيضا اختراق هاتف الناشطة الحقوقية البحرينية ابتسام الصايغ باستخدام الأداة.
وقد أشار التحقيق إلى أن «أثر التجسس على النساء بالذات جسيم ومروع خاصة وأن الحكومات تستخدم المعلومات الشخصية المستخرجة باستخدام أدوات التجسس من أجل ترويع الشخصيات المستهدفة ومضايقتها وتشويه سمعتها بين الناس».
عاهد، وهي محامية وباحثة وناشطة حقوقية عرفت بدفاعها عن حقوق الإنسان وبالذات حقوق المرأة، وهي عضو في اتحاد المرأة الأردنية وفي هيئة الدفاع عن نقابة المعلمين الأردنيين، كما أنها تشغل منصب نائب المنسق العام للحركة الشعبية للتغيير.
وبعدما أعلنت عاهد نيتها التقدم بشكوى رسمية للتحقق صدر عن مركز الأمن السيبراني الوطني تعميم وتصريح يعترف بحصول اختراقات وانتهاكات لكنه لا يقدم حقائق ووقائع واضحة بخصوص برنامج الانتهاك المتعلق في بيغاسوس أو باسم بيغاسوس تحديدا وان كان الأمن السيبراني تحدث عن عشرات الاختراقات والانتهاكات لحقوق الأردنيين عبر حسابات تواصلية مسجلة في الخارج.
لكن السلطات الأردنية لا تتحدث بشفافية عن موطئ ومكان ولادة وإقامة تلك الحسابات التي تروج للسلبيات في الأردن كما نقل عن وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور فيصل الشبول وعن مسؤولين آخرين.
ويبدو هنا حسب العمري وجرادات وطهبوب وغيرهم بان وجود بصمات على اختراقات بيغاسوس للأردنيين هو آخر حلقة من مسلسل المساس بحقوق الأردنيين، وهو ما حذرت منه عدة منظمات وطنية ومحلية. لكن الملموس حتى الآن أن جميع الأشخاص الذين اشتبه باختراق هواتفهم بمعنى التجسس عليهم لصالح جهات غامضة سجلوا على الأرجح دعاوى وأجروا فحوصات عبر وحدة الجرائم الإلكترونية التي لم تنف بدورها في التحقيقات التي أجرتها حتى الآن أو تؤكد حصول اختراقات واضحة المصادر، لكن الانطباع عموما معروف بأن دولا عربية مثل الإمارات استخدمت بصورة علنية برنامج بيغاسوس، وبأن الجهات الرسمية قد تكون استخدمت هذا البرنامج لكنه ليس أكثر من انطباع شائع أو تسريب لا توجد أدلة أو قرائن لإثباته.

التعليقات (0)