- ℃ 11 تركيا
- 10 نوفمبر 2024
كيف يتعامل الاتحاد الأوروبي مع أزمة الديون؟
كيف يتعامل الاتحاد الأوروبي مع أزمة الديون؟
- 6 أغسطس 2023, 10:07:41 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يقف الاتحاد الأوروبي، في الوقت الحاضر، على مفترق طرق، في ظل أزمة ديون متفاقمة رغم جهود الاحتواء وتدابير التقشف؛ فرغم تعالي التحذيرات بشأن قضايا الديون المتصاعدة في العديد من الاقتصادات في منطقة اليورو عقب الأزمة المالية لعام 2008، فإن الاتحاد الأوروبي شهد أسوأ كابوس مع الأزمة الاقتصادية في اليونان في عام 2015، لتزيد السنوات الأخيرة والتحديات الاقتصادية التي صاحبتها من صعوبة الأزمة في كثير من الدول الأوروبية.
وبحلول أواخر عام 2021، فاقم اتجاه التضخم المتصاعد والملموس في منطقة اليورو، بفعل الأزمة الروسية–الأوكرانية، أزمةَ الديون في أوروبا، وسط أزمة طاقة غير مسبوقة، لتجد أوروبا نفسها في مهب عاصفة من التحديات الجيوسياسية والتهديدات الاقتصادية. وفي غضون ذلك، واصلت حكومات منطقة اليورو مسار نشاطها المالي لمساعدة الأسر والشركات على تجاوز أزمة الطاقة. ومع ذلك، فإن خطر التضخم المصحوب بركود تضخمي، أجبر البنك المركزي الأوروبي على تغيير مساره وتشديد سياسته النقدية، بما دفع أزمة الديون نحو مزيد من التفاقم.
أبعاد الأزمة
تنامت أزمة الديون الأوروبية في السنوات الأخيرة، حتى نالت من العديد من دول أوروبا. وفيما يأتي، يمكن استعراض أبعاد الأزمة بشيء من التفصيل.
1– الاعتماد على البنك المركزي الأوروبي كمقرض الملاذ الأخير: كانت الحكومات الأوروبية قد اطمأنت إلى أن بإمكانها الاعتماد على البنك المركزي الأوروبي كمقرض الملاذ الأخير إذا تعرَّضت ديونها للضغط على أسواق السندات السيادية. وبالفعل، فإنه في وقت مبكر من تفشي كوفيد–19، اكتسب البنك المركزي الأوروبي عادة شراء ديون دول منطقة اليورو الجنوبية على وجه الخصوص. ونتيجةً لذلك، ارتفع منحنى إجمالي أصولها بشكل حاد، وبلغ ذروته عند ما يقرب من 8.9 تريليون يورو في يوليو 2022. ومع ذلك، لم يرتفع التضخم، غير أن الحرب الروسية–الأوكرانية، كانت بمنزلة الصدمة التي أظهرت الجانب السلبي لتلك الخطوة.
2– تضاعف تكاليف الاقتراض نتيجة رفع أسعار الفائدة: خلال الفترةبين يوليو 2022 وفبراير 2023، عمدت البنوك المركزية الأوروبية إلى رفع أسعار الفائدة ست مرات؛ ما دفع تكاليف الاقتراض إلى أعلى مستوياتها منذ أواخر عام 2008. علاوةً على ذلك، تم إغلاق برامج شراء الأصول؛ ما أدى إلى تقليص تدريجي لميزانية البنك المركزي الأوروبي، حتى بحلول يناير 2023، انخفض إجمالي أصولها بالفعل إلى 7.894 تريليون يورو من ذروة إجمالي الأصول الأوروبية البالغة نحو 8.828 تريليون يورو في يوليو 2022.
ولعل أسعار الفائدة المرتفعة ولَّدت بدورها مخاوف بشأن القدرة على تحمل الديون في العديد من دول منطقة اليورو، خاصةً مع بلوغ نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الربع الثالث من عام 2022، في منطقة اليورو نحو 93%، و85.1% بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي.
3– بزوغ الاتحاد الأوروبي لاعباً رئيسياً في سوق الديون العالمية: أصبح الاتحاد الأوروبي لاعباً رئيسياً في أسواق الديون الدولية باعتباره مصدراً ثابتاً للأصول الآمنة، وهو ظهور يُنظر إليه على أنه لحظة فاصلة في منطقة اليورو، وفقاً لأبحاث جولدمان ساكس. وعلى الرغم من التصنيف الائتماني الأعلى للاتحاد الأوروبي AAA، مقارنةً بالولايات المتحدة، فإن سوق الأصول الآمنة المقومة باليورو صغيرة نسبياً ومجزأة، وهو ما اتضح بصورة جلية عندما أصدر الاتحاد سندات لتمويل برامج لمساعدة الدول الأعضاء على التعافي من جائحة كوفيد؛ حيث تسببت بصورة أو بأخرى في تفاقم رصيد الديون الأوروبية، حتى بلغ ما يزيد عن 400 مليار يورو بما يعادل 450 مليار دولار، ارتفاعاً من نحو 50 مليار يورو في نهاية عام 2019، ليصبح بذلك رصيد الدين العام لديها هو خامس أكبر رصيد في منطقة اليورو.
4– استمرار تداعيات أزمة الديون اليونانية: بدأت أزمة الديون العامة اليونانية في عام 2009 واستمرت عقداً من الزمان؛ وذلك من جراء التقشف الصارم الذي فرضته الترويكا الأوروبية – التي أشرفت على عملية إنقاذ اقتصاد اليونان في عام 2010 – على الدائنين الدوليين لليونان، والبنك المركزي الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، وصندوق النقد الدولي؛ ما جر الدولة اليونانية إلى أزمة ديون واسعة. ولا تزال الأزمة مستمرة، لتصبح اليونان بذلك في المرتبة الأولى من بين الدول الأوروبية من حيث نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، التي بلغت في نهاية الربع الثالث من عام 2022، نحو 178.2%.
ورغم خطة الإنقاذ التي أطلقتها الحكومة اليونانية، فإن الاقتصاديين يرون أن تلك الخطة لم تساعد اليونان، بل تتجه التوقعات نحو أن تكون لإجراءات التقشف التي انطوت عليها خطة الإنقاذ، عواقب طويلة المدى على الاقتصاد اليوناني.
5– تهديدات الديون الإيطالية لمنطقة اليورو: تدفع إيطاليا في الوقت الراهن الاتحاد الأوروبي إلى حافة أزمة اقتصادية أخرى، باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، لتُشكِّل الأزمة الإيطالية تهديداً خطيراً لمنطقة اليورو بأكملها؛ حيث يُرجَّح ما لم يتم احتواء أزمة الديون الإيطالية، أن يتسبَّب ذلك في زعزعة ثقة الأسواق بكامل المنطقة.
فبينما تُظهر الإحصاءات أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا لا يزال راكداً عند المستوى الذي كان عليه قبل 18 عاماً، فإن حجم الدين الحالي لإيطاليا بلغ نحو 130% من الناتج المحلي الإجمالي وفق أحدث الإحصاءات، بما يعادل نحو 2.6 تريليون دولار، وهو بذلك تقريباً حجم الاقتصاد الهندي من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. وفي الوقت الحالي، تواجه البنوك الإيطالية وضعاً مالياً ضعيفاً، في ظل عدم قدرتها على إعادة تمويل إصداراتها من السندات والديون الضخمة؛ ما قلَّل بشكل كبير من قدرتها على إقراض الأموال اللازمة لتجديد القطاع الخاص المتعثر بها.
6– تنامي أزمة الديون في إسبانيا والبرتغال: على الرغم من جهود الإصلاح بعد أزمة الديون الأوروبية التي تزامنت مع الأزمة المالية العالمية، ظل الاقتصاد الإسباني في حالة ركود لأكثر من عقد من الزمان، واستمر الناتج المحلي الإجمالي للفرد في إسبانيا كما هو على مدار 15 عاماً، مقارنةً بزيادة قدرها 12% على مستوى الاتحاد الأوروبي ككل، فيما لا تزال البطالة في إسبانيا هي الأعلى في الاتحاد الأوروبي، بنسبة 12.7%، أي أكثر من ضعف المتوسط في جميع أنحاء الكتلة. هذا وقد بلغت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، بحلول نهاية الربع الثالث من عام 2022، نحو 115.6%.
فيما تعد البرتغال واحدة من أكثر الاقتصادات الأوروبية تضرراً منذ الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية في منطقة اليورو؛ حيث تعطَّلت الميزانية العمومية البرتغالية الهشة بالفعل في ذلك الوقت، وارتفعت نسبة الدين الحكومي البرتغالي إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد من 72.7% في عام 2007 إلى 114.4% في عام 2011، وفقاً لمركز الإحصاءات البرتغالي بورداتا Por Date. وقد استمرت أزمة الديون في التفاقم منذ ذلك الحين، وإن هدأت حدتها في بعض الفترات، حتى بلغت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، بحلول نهاية الربع الثالث من عام 2022 في البرتغال، نحو 120.1%.
7– تفاقم أزمة الديون الفرنسية: منذ عام 2020، دعمت المالية العامة الاقتصاد الفرنسي إلى حد كبير، في إطار سعيها لمساعدته على تجاوز تبعات الوباء، ودعمه في تحقيق انتعاش قوي بعد الإغلاق، والحد بشكل واضح من الصدمة التضخمية المرتبطة بأزمة الطاقة. وعلى خلفية ذلك، اختفت مسألة استدامة المالية العامة الفرنسية من النقاش العام، فيما لم يَحْظَ الارتفاع الحاد في الديون أو العجز الذي كان أعلى بكثير من المتوقع باهتمام كبير؛ حيث ركزت وسائل الإعلام بشدة على إصلاح المعاشات التقاعدية.
غير أن نهج الحكومة الفرنسية دفع نحو زيادة كبيرة في الدين العام الفرنسي منذ الوباء؛ حيث ارتفع من 97.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى 111.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، وهي زيادة قدرها 14.2 نقطة مئوية، وبذلك تكون أعلى نسبة بين دول منطقة اليورو بعد إسبانيا. وبحلول نهاية عام 2022، كانت فرنسا خامس دولة ذات أعلى نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو، وهي بذلك أعلى بكثير من الهدف الأوروبي البالغ 60%. وتشير التقديرات إلى أن الدين العام الفرنسي قد يستمر في الارتفاع خلال السنوات القليلة المقبلة، ليصل إلى 114.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2027.
حلول محتملة
يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد الحلول اللازمة لمعالجة أزمة الديون الأوروبية والتغلب عليها. وعليه تتجه الدول الأوروبية إلى عرض اقتراحاتها على الكتلة فيما يتعلق بالأزمة. وفيما يأتي يمكن استعراض أبرز الحلول أو التدابير حيال الأزمة:
1– طرح تدابير للسيطرة على العجز العام وخفض الديون: في تقرير نُشر في نوفمبر الماضي، اقترحت المفوضية عدم المساس بأهداف 3% و60% المتمثلة في إبقاء عجز الديون أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي، والدين العام أقل من 60% من الناتج المحلي الإجمالي، مع إضافة قدر أكبر من المرونة؛ حتى تتمكن الحكومات من تكييف الأهداف مع الظروف المحددة لبلدانها.
وبموجب الخطة، فإن من المفترض أن تتفاوض دول الاتحاد الأوروبي مع بروكسل بشأن مخططاتها الوطنية للسيطرة على العجز العام وخفض الديون تدريجياً على مدى أربع سنوات. وفي غضون ذلك، من الممكن منح البلدان المثقلة بالديون، كاليونان وإيطاليا، ثلاث سنوات إضافية لتعديل أوضاعها المالية، والعودة إلى السياسات المالية الجماعية. وللبناء على ذلك، أضافت المفوضية الأوروبية في أبريل من العام الجاري، مقترحات وتعديلات جديدة لقواعد الديون، تتيح للدول الأوروبية المثقلة بالديون المزيد من المرونة للتخلص من ديونها.
2– اقتراح ألمانيا قواعد شفافة لإدارة الإنفاق: اقترحت ألمانيا في أبريل 2023، وضع قواعد “بسيطة وشفَّافة” لإدارة الإنفاق العام، وبنداً لإطلاق عملية إصلاح جديدة تلقائياً إذا استمرت الديون المرتفعة. وبحسب ورقة غير رسمية أصدرتها ألمانيا، فإن ألمانيا تقترح وضع حد أدنى لخفض الديون تحت مسمى “الحماية المشتركة” بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً للبلدان المُثقَلة بالديون كإيطاليا، و0.5% للبلدان ذات الديون المتوسطة كالنمسا؛ ما يعني التخلي عن فكرة التعديل من أربع سنوات إلى سبعٍ، وهو التعديل الذي اقترحته المفوضية على الدول الأعضاء، بحيث يتم تخفيض مستوى ديونها عاماً بعد عام وبصورة تدريجية، بهدف منح الدول الأعضاء مزيداً من الحرية للاستثمارات مؤقتاً.
3– تحفيز التقشف الانتقائي لضبط إعادة التوزيع: كجزء من خارطة الطريق، قد يُصبِح التقشُّف الانتقائي وسيلةً لضبط إعادة التوزيع داخل الدول الأوروبية، لكنها ربما تُؤتي نتائج عكسية، خاصةً أن المفوضية الأوروبية تُمارِس حالياً ضغوطاً على الحكومات التي تُعتبَر نِسَب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها مرتفعةً للغاية، وتحثُّها على تنفيذ تدابير احتواء التكاليف، لا سيما في المعاشات التقاعدية.
ففي إسبانيا على سبيل المثال، يتعثَّر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في تغطية دفع المعاشات التقاعدية؛ ففي عام 2022، كانت هناك حاجة إلى أكثر من 224 مليار يورو لدفع المعاشات التقاعدية، لكن لم يتوافر لدى الصندوق حينها سوى 152 مليار يورو، في حين تبلغ نسبة الدين العام الإسباني إلى الناتج المحلي الإجمالي 115%، وربما يتضخَّم ذلك الرقم إلى 191% بحلول عام 2050، وهو ما يعني أن مزيداً من ضغوط التقشُّف في وضع اقتصادي مُتعثِّر قد يزيد من صعوبة الأزمة.
4– مساعٍ لتحقيق التوازن بين الاستثمارات القوية والخفض المستدام للديون: اتجهت دول الاتحاد الأوروبي، خلال الأشهر الماضية، إلى مناقشة كيفية تحقيق التوازن بين الاستثمارات القوية والخفض المستدام للديون. ورغم عدم وجود إجابة واضحة أو حل واضح لتلك المعضلة، قررت المفوضية تأجيل الغرامات المفروضة على الدول غير الممتثلة حتى العام المقبل (2024). فيما لا يزال هناك حرص تام على ضحِّ الأموال اللازمة لتسريع التحوُّل الأخضر والرقمي في الاتحاد الأوروبي، وهو جهد مزدوج يُقدَّر بتكلفة 650 مليار يورو في استثمارات إضافية سنوياً حتى عام 2030.
5– طرح خيارات إصلاحية جديدة: جرى خلال الأشهر الماضية، مناقشة ثلاثة خيارات إصلاحية، تتمثل في تخفيض مبالغ المعاشات، ورفع سن التقاعد، وزيادة الاشتراكات الإلزامية في النظام، غير أنه لا يوجد إجماع على أيٍّ منها؛ ما يثير استياء بروكسل؛ فبينما تلتزم فرنسا – على سبيل المثال – بإجراء إصلاح طَموح للمعاشات التقاعدية، باعتبار ذلك ضرورة لاستعادة التوازن المالي للدولة، فإنه ربما يتسبَّب في خلق عدد من الاضطرابات الاجتماعية، ومن ثم زعزعة الاستقرار السياسي في الدول الأوروبية، خاصةً إذا أرغمت الحكومةُ الناسَ على العمل لفترة أطول، في مقابل تقديم معاشات تقاعدية أقل، وهو ما يُعتبَر بمنزلة إجراء تقشُّف انتقائي؛ حيث تتأثَّر مجموعة معينة في المجتمع. وفي المقابل، تُمنَح مجموعات أخرى ائتمانات ضريبية أو فحوصات رعاية اجتماعية محددة، ومن ثم يكون التقشف بالنسبة إلى البعض، والتحفيز للآخَرين.
6– موافقة البرلمان الأوروبي على فرض قواعد جديدة على البنوك: في شهر يونيو الماضي من عام 2023، توصَّل البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى فرض قواعد جديدة أكثر صرامةً على البنوك؛ وذلك بغية منع تكرار الأزمة المالية عام 2008. ويرمي ذلك الاتفاق إلى تنفيذ البنوك لاتفاقية بازل 3، التي تنص على مجموعة من الإصلاحات تم تنفيذها دولياً بعد الأزمة المالية.
وقد شددت القوانين الجديدة على وضع قواعد معينة لحساب المخاطر الموجودة في ميزانيات البنوك، فضلاً عن تحديد الحد الأدنى لمتطلبات رأس المال؛ بهدف تقليل الفوارق التنظيمية من مؤسسة إلى أخرى، وهو ما رحَّبت به عدد من الدول الأوروبية؛ حيث رأت في ذلك فرصة للبنوك الأوروبية لمواصلة العمل حتى في ظل التعرض لصدمات خارجية أو أزمات أو كوارث.
معضلة رئيسية
إجمالاً، أظهر عدم الاستقرار المستمر في منطقة اليورو إخفاقَ استخدام سياسة مالية ونقدية مشتركة؛ حيث دعا ذلك إلى التشكيك في الأساس المنطقي لمفهوم الاتحاد الاقتصادي، ومدى قدرة الاتحاد الأوروبي على التعامل المرن مع الأزمات. وفي هذا الإطار، يواجه صانعو السياسة في الاتحاد الأوروبي معضلة شديدة الحساسية تتعلق بالبحث عن خيارات أكثر مرونةً من التقشُّف المتشدد في سبيل معالجة أزمة الديون المتجذرة في عدة دول أوروبية على مدار أكثر من عقد من الزمان؛ حيث من شأن التقشف المتشدد أن يضع الاستقرار الاجتماعي والسياسي في أوروبا على المحك، في ظل وجود تحديات اقتصادية أخرى من ارتفاع في أسعار الفائدة والتضخم المتصاعد الذي يضغط بقوة على المجتمعات الأوروبية.
وعلى الجهة المقابلة، فإن الحافز المالي القوي، أثبتت التجربة أنه يدفع نحو مزيد من تراكم الديون، خاصةً أنه قد بلغ مداه، لتتجه توقُّعات المحللين في ذلك السياق، إلى احتمالية حدوث قطيعة بين السياسات النقدية والمالية الأوروبية، كأن تتحول السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي نحو المزيد من التشديد من أي وقت مضى لمكافحة التضخم من ناحية، وفي المقابل، تصبح السياسات المالية للدول الأعضاء أكثر مرونةً من أي وقت مضى.
في هذا الصدد، ربما ترفض عدة حكومات أوروبية السياسات التقشفية ورفع الضرائب؛ لأن تلك الإجراءات من شأنها أن تُثير سخط الشعوب، وتتسبَّب في اندلاع إضرابات واحتجاجات شعبية، تجعل الوضع أكثر صعوبةً، وخاصةً لدى دول كإيطاليا واليونان والبرتغال، في ظل الانتقادات المتصاعدة ضد حكومات اليمين واليمين المتطرف في أوروبا، لكن تظل أزمة الديون الأوروبية في حاجة ملحَّة إلى إيجاد حلول رادعة وأكثر مرونةً في الوقت ذاته، تضع في اعتبارها المواطن الأوروبي، وفي الوقت ذاته احتواء أزمة الديون، خاصةً أن استمرار الأزمة في التفاقم، يعد بمنزلة مساس بسيادة الدول الأوروبية.