كيف يواجه بايدن تزايد الاضطرابات داخل الإدارة الأمريكية؟

profile
  • clock 8 يونيو 2022, 4:43:57 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

د. رغدة البهي: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

لا تقتصر التهديدات التي يواجهها الرئيس “جو بايدن” مع قرب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل، على المشكلات الداخلية والخارجية، التي تتسم بالتشابك والتعقيد، في ظل حالة من الانقسام الحزبي والسياسي المحتدم، وتراجع شعبيته في معظم استطلاعات الرأي إلى مستويات غير مسبوقة؛ بل تمتد لتشمل إخفاقه في تحقيق الانسجام بين مسؤولي الإدارة الأمريكية، لا سيما بين الذين عملوا معه في الفترات السابقة بمجلس الشيوخ وفي مكتبه نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” وبين المسؤولين الآخرين بالإدارة الذين عملوا في حملته للانتخابات الرئاسية لعام 2020، وهو ما يؤثر على فاعلية الإدارة في التعامل مع التهديدات الراهنة، وتحقيق إنجازات تساعد حزب الرئيس (الديمقراطي) في الحفاظ على الأغلبية الهشة بمجلسي الكونجرس في الانتخابات القادمة.

ملامح الاضطرابات

شهدت الأيام القليلة الماضية العديد من المؤشرات على وجود حالة من الاضطراب بإدارة الرئيس جو بايدن. ويمكن استعراض مظاهر هذه الاضطرابات من خلال ما يأتي:

1– استقالة بعض موظفي كبار الإدارة الأمريكية: شهد البيت الأبيض موجة من الاستقالات المتعددة في صفوف كبار موظفي الرئيس الأمريكي، وقد أرجعها البعض إلى انعدام الثقة بـ”جو بايدن” بصفة خاصة، وبالإدارة الأمريكية بوجه عام، وبقدرتها على تحقيق إنجازات داخلية مع تعثر العديد من مشاريع القوانين على أجندته التشريعية، ناهيك عن العديد من التقارير التي تشير إلى توتر العلاقة بين الرئيس ونائبته “كامالا هاريس”، وعدم رضائه عن أدائها في الملفات التي أوكلها إليها، وخاصةً قانون حق التصويت الذي حمى حق الأقليات في التصويت. وقد شملت تلك الاستقالات كلاً من “سيمون ساندرز” كبيرة مستشاري نائبة الرئيس، و”تينا فلورنوي”، و”آشلي إتيان”، و”فينسنت إيفانز”، ورئيس قسم المشاركة العامة “سيدريك ريتشموند”.

2– تراجع معنويات الموظفين من أصل إفريقي: وفقاً لصحيفة “بوليتيكو”، فإنه منذ نهاية العام الماضي، استقال ويخطط للاستقالة من البيت الأبيض ما لا يقل عن 21 موظفاً من ذوي الأصول الإفريقية. وقد ربط الموظفون الحاليون في البيت الأبيض رحيلهم بالدعم الضعيف من قبل رؤسائهم، وتراجُع فرص ترقيتهم، ورواتبهم المنخفضة، ويرون أن الإدارة الأمريكية اجتذبت الكثير من ذوي الأصول الإفريقية في البداية دون أن توفر لهم البنية اللازمة للاحتفاظ بهم أو مساعدتهم على النجاح، حتى أضحى عملهم غير مرئي في مدينة ترتفع فيها تكلفة المعيشة. وقد أطلق البعض على هذه الظاهرة “بلاكسيت Blaxit”.

3– تزايد الانقسامات حول سياسات الرئيس: بحسب وكالة “بلومبرج”، تشهد الإدارة الأمريكية انقساماً حاداً حول العديد من سياسات الرئيس الأمريكي، ومنها على سبيل المثال الانقسام حول العقوبات الأمريكية على روسيا عقب العمليات العسكرية التي تشنها على أوكرانيا منذ 24 فبراير الفائت؛ إذ يصر جزء من إدارة “بايدن”، منهم موظفو البيت الأبيض ووزارة الخارجية، على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد موسكو، بما في ذلك فرض عقوبات ثانوية، معربين عن ثقتهم بإمكانية التغلب على اعتراضات عدد من شركاء الولايات المتحدة الغربيين المتعلقة بعواقب تلك العقوبات الاقتصادية. وفي المقابل، يدفع بعض المسؤولين – ولا سيما مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية – بتزايد مخاطر تلك الإجراءات التقييدية على الاقتصاد العالمي، الذي يعاني بالفعل من مشكلات سلاسل التوريد والتضخم وتقلب أسعار النفط.

4– تأخر وصول المعلومات إلى الرئيس بايدن: أسفرت أزمة نقص ألبان الأطفال عن تزايد الانتقادات الموجهة إلى إدارة “بايدن” التي أُلقي فيها اللوم على البيت الأبيض نتيجة تأخر إخبار بايدن بالأزمة؛ فقد تلقى أول إحاطة بشأن الأزمة في الشهر الماضي على الرغم من بداية الأزمة فعلياً منذ فترة طويلة، حتى قال “بايدن” إنه لا يعلم ماذا حدث، رغم أن الجميع يتحدثون عن نقص حليب الأطفال. وقد تعددت المطالبات بفتح تحقيقات موسعة للكشف عن أسباب استغراق إدارة الغذاء والدواء وقتاً طويلاً للنظر في مخالفات مصنع أبوت منذ شهر أكتوبر الماضي من ناحية، وتحديد سبب إغلاق السوق الأمريكية أمام المزيد من الواردات من ناحية ثانية.

سياسات مضادة

اتخذت الإدارة الأمريكية جملة من السياسات لمواجهة الاضطرابات التي تشهدها، وغياب الانسجام بين أعضائها. ويمكن توضيح هذه السياسات عبر ما يأتي:

1– تعيين أول امرأة من أصل إفريقي متحدثة باسم البيت الأبيض: قرر “بايدن” في 6 مايو 2022، تعيين “كارين جان بيير” متحدثة جديدة باسم البيت الأبيض، لتكون أول امرأة مثلية تتولى هذا المنصب خلفاً لـ”جين بساكي” التي ستشغل وظيفة في محطة “إم إس إن بي سي” التلفزيونية ذات الميول اليسارية. ولا شك أن السكرتير الصحفي للبيت الأبيض هو وجه الإدارة الأمريكية أمام وسائل الإعلام الوطنية. ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، ستصبح امرأة مثلية من أصل إفريقي هي وجه الإدارة الأمريكية. وبذلك انضمت “جان بيير” إلى نائبة الرئيس “كامالا هاريس”، وقاضية المحكمة العليا الجديدة “كيتانجي براون جاكسون”، ورئيسة مجلس السياسة الداخلية “سوزان رايس”، وسفيرة الأمم المتحدة “ليندا توماس غرينفيلد” في مناصبهن البارزة.

2– ارتفاع أعداد الأمريكيين من أصل إفريقي بالإدارة الأمريكية: قلل بعض المسؤولين في البيت الأبيض من شأن استقالات الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية، على اعتبار أن إجمالي عدد موظفي البيت الأبيض الحاليين الملونين يُقدر بنحو 14%، بما يتماشى مع النسب الوطنية من ناحية، ولترقية 15% من الأمريكيين من أصل إفريقي في العام الماضي بنسبة أعلى من زملائهم من ناحية ثانية. ومن المتوقع أن يزداد العدد مع انضمام مزيد من الموظفين من أصول إفريقية إلى الخدمة؛ إذ تلتزم الإدارة الأمريكية بمواصلة التمثيل التاريخي للموظفين من أصول إفريقية خلال فترة “بايدن” الرئاسية.

3– اتخاذ جملة من التدابير الرامية إلى احتواء أزمة ألبان الأطفال: سعياً إلى احتواء الأزمة، اجتمع “بايدن” مع مُصنِّعي ألبان الأطفال بهدف زيادة الإنتاج المحلي ودفع عمليات الاستيراد من خلال مبادرة “fly formula” التي أطلقتها الإدارة، في محاولة لتوفير الألبان، كما لجأ إلى قانون الإنتاج الدفاعي؛ لضمان حصول الشركات المصنعة على الإمدادات اللازمة لإنتاج حليب الأطفال. في السياق ذاته، قامت الشركات العالمية التي تصنع حليب الأطفال بتوريد منتجاتها إلى الولايات المتحدة بعد أن خفف المنظمون الصحيون سياسات الاستيراد لمعالجة النقص؛ إذ يتم استيراد حليب الأطفال الذي يفي بمعايير الصحة والسلامة الأمريكية من الشركات المصنعة في الخارج، ويتم تسليمه إلى المستشفيات وتجار التجزئة في الولايات المتحدة.

4– نفي الشائعات المتصلة بالتغييرات داخل البيت الأبيض: سبق أن أكدت شبكة “إن بي سي” الإخبارية أن كبير موظفي البيت الأبيض “رون كلاين” يعتزم التنحي عن هذا المنصب بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقرر إجراؤها في شهر نوفمبر المقبل، فيما نفت المتحدثة باسم البيت الأبيض “كارين جان بيير” الأنباء المتداولة حول نية “كلاين” ترك منصبه، بيد أن ذلك لا ينفي الأخبار المتداولة عن تغييرات أخرى محتملة بين موظفي البيت الأبيض.

خصم الشعبية

وبوجه عام، تعكس أزمات البيت الأبيض الداخلية شكلاً من أشكال الخلل الوظيفي الذي يرجع في المقام الأول إلى العمل عن بُعد من جراء جائحة كوفيد–19، وصعوبة الانسجام في بيئة عمل تواجه تحديات متفاقمة، كما تعكس تلك الأزمات الانقسام بين معظم موظفي البيت الأبيض من ناحية، والدائرة الداخلية المحيطة بالرئيس “بايدن” لفترة أطول من غيرها من ناحية ثانية. وبين هذا وذاك، يواجه “بايدن” أزمات داخلية متتالية تخصم جميعها من شعبيته، مثل جائحة كوفيد–19، والتضخم، وألبان الأطفال، وغيرها الكثير، ناهيك عن الأزمات الدولية المتعددة.


 

التعليقات (0)