لا تفرق تيتانيك بين معرَض و مُعارض

profile
مجدي الحداد كاتب ومحلل سياسي
  • clock 2 أبريل 2021, 5:31:04 م
  • eye 850
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

هناك قصة قصيرة لتولستوي ــ على ما أذكر ــ تفيد ما معناه أن رجلا راح يشكي للقس التابعة له كنيسته ، عن ضيق ذات اليد ، وكيف هو وزوجته وأولاده السبعة وأمه وأبيه يعيشون جميعا في حجرة واحدة ، وأن المكان قد ضاق بهم جميعا . فاقترح عليه القس أن يرعى ويربي عدد من الخنازير معه في نفس الغرفة ، ثم يأتيه بعد عام ويطلعه على النتيجة .

 فلما مر العام جاء الرجل القس وقال له أن الحال قد إزداد بؤسا وقذارة وحتى دناسة ، وكدنا أن نقتل أو نختنق جميعا ، ونترك الحجرة جميعا للخنازير ونعيش في العراء . فاقترح عليه القس  أن يتخلص من تلك الخنازير فورا وينظف المكان ، ويأتيه بعد شهر واحد ويطلعه على النتيجة .

فلما مر الشهر جاء الرجل القس ليشكره على حكمته ، وسروره وجميع أفراد أسرته ، وبعد أن تخلصوا من روائح وقذارة الخنازير وكذا ضييق المكان الذي كان يعج بهم جميعا . وقد صار الوضع الآن أكثر راحة وأريحية لهم جميعا بعد التخلص من الخنازير .

فأنت جاي بعد لما تعطلت قناة السويس لمدة خمسة أيام ، وبدأ " مديري العالم " الكبار يفكروا جديا في طريق مواز أو حتى بديل عن قناة السويس ، وقد بدات إسرائيل ، وبالتعاون مع الإمارات ، بالفعل بتدشين العمل بخط عسقلان ، كما تحدثت إيران أيضا عن قناة بديلة والصين التي بدأت هي الأخرى بتدشين وإحياء خط الحرير ، وكذا روسيا والتي اقترحت قناة أو طريق بحري يخترق القارة القطبية نحو بحر الشمال و أوربا مباشرة ، ومنها إلى البحر المتوسط . وبعد كدا جاي تحتفل بلقطة بليدة مزيفة ومضللة ــ كالعادة ــ وكأنك حققت إنجاز لم يحققه لا السابقون ولا الأولون ــ وعلى الرغم كذلك بأنها ليست معداتك ولا أدواتك ، ولا ما تملكه من تكنولوجيا متواضعة ــ ولكي نعرف ، ونقف على ذلك المستوى الذي نتعامل به من التكنولوجيا مثلا ، فإننا نرى كيف أن جل العالم تقريبا بدأ يتعامل مع الجيل الخامس لتكنولجيا الإتصالات ، ونحن لا زلنا نتعامل مع الجيل الثالث ، وليس حتى الرابع ..! ــ فإما انت غير واع وغير مدرك وغير شاعر بما يدور حولك يا إما إحنا بقى إللي هبل وعبط ..!

والأغرب من ذلك ، خروج فرق متنوعة ، وعلى مستويات وظيفية عدة ، حتى أولئك ؛ أو ما يمكن أن نسميهم بالمعرضين الشرعيين ، والذين وليعاذ بالله ، يمكن أن يخرجوا لك بنص أو حديث بأن هذا الزعيم أو ذاك هو قدرنا وربنا يعينه علينا ، حتى ولو كنا فقرا أوي وهو شغال بناء القصور ، وخط سريع يربط بين الأماكن التي يقضي فيها رحلة الشتاء والصيف ــ حتى ولو لم يعبد رب هذا البيت ؛ لأنه ببساطه إذا اعترض مثلا بيت من بيوت الله طريق رحلة الشتاء والصيف سوف يقوم بهدمه ، وحى لا يعرقل أو يحول أو يزيد من تلكفة بناء الطريق إذا ما تركه والتف حوله ..! ــ في شرق البلاد وغربها من القطر المصري الشقيق ..! 

ولقد وصل الهزل بهؤلاء وهؤلاء حدا لا يصدق ولا يعقله عاقل ولا حتى نصف عاقل . فحتى ولو رأوا بأم أعينهم أن زعميهم قد تسبب في غرق تيتانيك بما فيها ومن فيها ، سيظلوا يصفقون ويطبلون ويرغون ويزبدون ويهرفون بما لا يعرفون ولا حتى يعيون ــ مثل أولئك الفرقة الموسيقية التي ظلت تعزف على الرغم من شروع تيتانيك في الغرق ــ وذلك من حيث الشكل فقط وليس المضمون ، وحيث كان هدف تلك الفرقة أسمى بكثير جدا ..!

إذن فالمشهد ، أو " اللقطة " الخاصة بخلفية القناة والسفينة تكاد لا تبرح عندي تصور صورة ذهنية معنية وخاصة جدا ، تلح على كثيرا ، في كل لحظة بل وفي كل صحوة أو غفوة ، و مفادها أن حاكم ذهب إلى أكبر أهرامات الجيزة ، وهو هرم خوفو ، وأمر رجاله أن يهدموه حجر حجر ، وطالب قواته و مخبريه وعسسه وقنواته وصحفه وجرائده اليومية وغير اليومية وحتى جرائد الحائط التي أممها جميعا واستحوذ عليها ، ومن اشتراهم أو باع نفسه من مخرجيه وممثليه وممثلاته ومطربيه ومطرباته  أن يشاهدوا ويكتبوا ويراقبوا ويعلقوا عن ذلك المشهد أو الحدث لحظة بلحظة ، وإذا هم في ذروة الهدم ، وبعدما لم يتبق سوى حجر واحد فقط من الهدم فإذا بالقائد الهمام يخرج فقط ويقول لهم :

ــ أو قفوا هذا العبث ؛ أو قفوا هذا الهدم ؛ إنتم عارفين بتعملوا أيه ..؟! 

ــ "إنتم كدا بتهدوا بلدكم .. بتهدوا تاريخكم" ..! ــ 

وهكذا قد أمسك " بالمايك " وصار يخطب فيهم ..!

وإذ يسمع من الخلفية تصفيق حاد ، وإشادة بموقف ، وحكمة وبصيرة الزعيم التي أنقذت أخر حجر في الهرم من الهدم ــ وهذا يعود بنا إلي قصة تلستوي ، والتي ذُكرت أعلاه آنفا ..!

وإذا بالزعيم يطلب من المخرج وفريق إعداده بتظبيط لقطة وقوفه بجانب أخر حجر بالهرم وبيده " المايك " ..! 

وبعد أن ينتهي الزعيم من لقطته التي قال فيه كلمته ، أو بعد أن ينتهي الزعيم من كلمته التي قال فيها لقطته ؛ يسمع صوت المخرج قائلا :  

"إنزلي حالا دالوقتي  بأغنية : " قالوا أيه علينا دولم قالوا أيه " ..!

التعليقات (0)