لحظة أستشهاد

profile
  • clock 8 مايو 2021, 3:20:20 م
  • eye 1388
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

كان قد عاد بالطائرة قبل ساعات من بغداد، حيث حضر اجتماعات لرؤساء أركان حرب جيوش الجبهة الشرقية، 

وتابع معارك المدافع يوم السبت، من مكتبه في القيادة العامة، وصباح الأحد ٩ مارس ١٩٦٩ ركب طائرة هليكوبتر في طريقه إلى أحد المطارات الأمامية للجبهة،

 ثم ركب سيارة عسكرية معه فيها مرافق واحد غير الجندي الذي يقود سيارة رئيس هيئة أركان الحرب.

إنه اليوم الذي سجله تاريخ العسكرية المصرية لاستشهاد رئيس الأركان الفريق عبدالمنعم رياض - الجنرال الذهبي - الذي خلد الوطن استشهاده بالاحتفال سنويا ب يوم الشهيد ،

 ولم لا وقد أعطي القدوة والمثل، إن كل رجال القوات المسلحة بدءا من قادتها لا يهابون الموت، عقيدتهم النصر أو الشهادة، يتقدمون الصفوف مع الضباط والجنود وصف الضباط، يتواجدون داخل أرض المعركة..

وسجل الأستاذ محمد حسنين هيكل في مقالته بالأهرام تفاصيل استشهاد البطل قائلا:

"انطلق يطوف بالمواقع في الخطوط المتقدمة، يتحدث إلى الضباط والجنود، يسألهم ويسمع منهم، ويرى ويراقب ويسجل في ذاكرته الواعية،

 وفي أحد المواقع التقى بضابط شاب، وكانت حماسته للشباب مفتوحة القلب ومتدفقة، وقال له الضابط الشاب، 

ولم يكن هدير المدافع قد اشتد بعد: سيادة الفريق... هل تجيء لترى بقية جنودي في حفر موقعنا؟

 وقال عبدالمنعم رياض بِنُبل الفارس الذي كانه طول حياته، وبالإنجليزية التي كانت تعبيرات منها تشع كثيراً سلسة وطيعة على لسانه: Yes. By all means –

 أي: نعم، وبكل وسيلة.. وتوجه مع الضابط الشاب إلى أكثر المواقع تقدماً، الموقع المعروف برقم 6 بالإسماعيلية.

وفجأة بدأ الضرب يقترب، وبدأت النيران تغطي المنطقة كلها، وكان لابد أن يهبط الجميع إلى حفر الجنود في الموقع، 

وكانت الحفرة التي نزل إليها عبدالمنعم رياض تتسع بالكاد لشخصين أو ثلاثة.

وانفجرت قنبلة للعدو على حافة الموقع، وأحدث انفجارها تفريغ هواء مفاجئ وعنيف في الحفرة التي كان فيها عبدالمنعم رياض،

 وكان هو الأقرب إلى البؤرة التي بلغ فيها تفريغ الهواء مداه، وحدث له شبه انفجار في جهاز التنفس، وحين انجلى الدخان والغبار كان عبدالمنعم رياض مازال حيث هو، 

وكما كان، إلا تقلصات ألم صامت شدت تقاطيع وجهه المعبر عن الرجولة، ثم خيط رفيع من الدم ينساب هادئاً من بين شفتيه،

 وتنزل قطراته واحدة بعد واحدة على صدر بذلة الميدان التي كان يرتديها بغير علامات رتب، كما كان يفعل دائماً حين يكون في الجبهة ووسط الجنود.

ولم يكن لدى أطباء المستشفى في الإسماعيلية وقتا طويلا للمحاولة، برغم أمل ساورهم في البداية، حين وجدوا جسده كله سليماً بلا جرح أو خدش، لكنها خمس دقائق لا أكثر ثم انطفأت الشعلة، 

وتلاشت تقلصات الألم التي كانت تشد تقاطيع الوجه المعبر عن الرجولة، لتحل محلها مسحة هدوء وسلام، ورضى بالقدر واستعداد للرحلة الأبدية إلى رحاب الله.

وعبر الشاعر الكبير نزار قباني عن بطولة أيقونة الشهداء قائلا:

لو يعرفونَ أن يموتوا.. مثلما فعلتْ 

لو مدمنو الكلامِ في بلادنا قد بذلوا نصفَ الذي بذلتْ 

لو أنهم من خلفِ طاولاتهمْ قد خرجوا.. كما خرجتَ أنتْ.. واحترقوا في لهبِ المجدِ، كما احترقتْ؛ 

لم يسقطِ المسيحُ مذبوحاً على ترابِ الناصرة 

ولا استُبيحتْ تغلبٌ وانكسرَ المناذرة… 

لو قرأوا – يا سيّدي القائدَ – ما كتبتْ 

لكنَّ من عرفتهمْ.. ظلّوا على الحالِ الذي عرفتْ.. 

يدخّنون، يسكرونَ، يقتلونَ الوقتْ ويطعمونَ الشعبَ أوراقَ البلاغاتِ كما علِمتْ 

وبعضهمْ.. يغوصُ في وحولهِ.. وبعضهمْ.. يغصُّ في بترولهِ.. وبعضهمْ.. قد أغلقَ البابَ على حريمهِ.. ومنتهى نضالهِ.. جاريةٌ في التختْ.. 

يا أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرتْ الخطوةُ الأولى إلى تحريرنا.. أنتَ بها بدأتْ.. 

يا أيّها الغارقُ في دمائهِ جميعهم قد كذبوا.. وأنتَ قد صدقتْ جميعهم قد هُزموا.. ووحدكَ انتصرتْ.

من اشهر أقواله المأثوره :

"لا أصدق أن القادة يولدون، إن من يولد قائدا قلة من الناس لا يقاس عليهم، كخالد بن الوليد مثلا، ولكن القادة العسكريين يُصنعون، 

يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة، إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم والقائد الذي يقود هو الذي يملك المقدرة على إصدار القرار في الوقت المناسب وليس مجرد ذلك القائد الذي يملك سلطة إصدار القرار".

 "لن نستطيع أن نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة، عندما أقول شرف البلد، فلا أعني التجريد وإنما أعني شرف كل فرد، شرف كل رجل وكل امرأة".

"إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب بالقاهرة فالهزيمة تصبح لنا محققة، إن مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وفي مقدمة الصفوف الأمامية".

 "إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه".

 ويذكر أنه أقيمت الجنازة العسكرية للفريق أول عبدالمنعم رياض، وكانت أكبر جنازة تشهدها مصر لرجل عسكري،

 وثاني أكبر جنازة على الإطلاق في تاريخ مصر بعد جنازة الرئيس جمال عبد الناصر

. رحم الله الشهيد البطل واسكنه الفردوس الاعلي من الجنه مع النيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا

التعليقات (0)