لعبة الشطرنج العالمية وتأثيرها على إسرائيل

profile
  • clock 7 فبراير 2022, 2:27:57 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بقلم: عاموس جلعاد
معهد السياسة والاستراتيجية IPS 

تحتدم الأزمة في أوكرانيا وتتطور لتكون الأخطر بين روسيا والغرب منذ نهاية الحرب الباردة. ولنتائج الأزمة آثار على النظام العالمي وعلى المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، وعلى مبنى الشرق الأوسط.
تشكل الأزمة الحالية استمراراً مباشراً للحفاظ على “الحدود الاستراتيجية” لروسيا في ظل استعداد لاستخدام القوة بل والمخاطرة بالحرب. وبناء القوة الروسية حول أوكرانيا يسمح لموسكو وفقاً لرئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي، غزو كل الدولة، وعدم الاكتفاء بخطوة عسكرية محدودة. ومع أن الرئيس بايدن صرح بأنه لن يبعث بالقوات إلى أوكرانيا التي هي ليست عضواً في الناتو، وأنه ليس لواشنطن التزام عقدي بالدفاع عنها، لكنه لم يستبعد إمكانية إرسال قوات عسكرية إلى حلفاء واشنطن في شرق أوروبا. وشدد بايدن على أن غزو روسيا لأوكرانيا سيكون “الحدث الأهم في العالم بتعبير السلام والحرب منذ الحرب العالمية الثانية”. يبدو أن البيت الأبيض على وعي مؤخراً بالضرر الذي لحق بقوة الردع الأمريكية، ويعمل على استعادتها حتى بثمن تشديد التهديدات حيال موسكو.
من ناحية ملموسة، تهدد روسيا بقطع الغاز عن أوروبا، حيث إن 40 في المئة من الغاز الطبيعي إلى أوروبا هو تحت سيطرة روسية. تحاول الولايات المتحدة إيجاد حل قصير المدى بتوريد الطاقة من مصادر أخرى، ولكن حسب تقدير الخبراء، فإنها حلول ستقدم جواباً جزئياً إذا كانت ستقدم على الإطلاق في ضوء الاحتكار الروسي. والمعنى الفوري هو ارتفاع كبير في أسعار الطاقة، وانقسام في مواقف الدول في الغرب بالنسبة للخطوات التي ينبغي اتخاذها تجاه روسيا. تبدي أوروبا ضعفاً وموقفاً منقسماً تجاه العدوان الروسي في ضوء العلاقات الاقتصادية الواسعة أيضاً (إلى ما يتجاوز الطاقة)، والضعف العسكري (استثمار محدود في ميزانيات الدفاع)، وعدم الرغبة في الخروج عن العمل الدبلوماسي. هذا الوضع يعزز الموقف الروسي في الأزمة الحالية، ناهيك عن أن صورة القوة الأمريكية ضعفت في ضوء تركيز واشنطن على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية (العقوبات) والامتناع عن التهديد باستخدام القوة.
ثمة تقدير أمريكي بأن روسيا ستغزو أوكرانيا، رغم النفي الروسي بأن ليس في نيتها عمل ذلك. بالتوازي، تبث روسيا قوة حيال الناتو والولايات المتحدة من خلال سلسلة تهديدات ومناورات واسعة النطاق وغير مسبوقة في البحر والجو والبر من المحيط الأطلسي وحتى البحر المتوسط. الدورية الجوية الروسية – السورية المشتركة التي مرت في هضبة الجولان السورية (24 كانون الثاني) ينبغي أن تكون مفهومة في هذا السياق. وكذا أيضاً الرغبة الروسية في إطلاق رسالة ردع استراتيجية لإسرائيل تمنع اتخاذ موقف مؤيد لأمريكا في الأزمة في أوروبا، وكذا إشارة بأن على إسرائيل أن تأخذ بالحسبان مطالبها بالنسبة لشكل التصرف في المعركة ما بين المعارك الإسرائيلية في سوريا.
لنتائج الأزمة بين روسيا والولايات المتحدة تأثيرات عالمية بعيدة المدى، ستؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي لإسرائيل. في المدى الزمني الفوري، على إسرائيل ألا تتدخل في الأزمة الناشئة في أوكرانيا في ضوء الأثمان السياسية والعسكرية التي قد تدفعها، وبخاصة في كل ما يتعلق بحفظ حرية العمل في المعركة ما بين المعارك في الساحة الشمالية، وحفظ محور التنسيق الاستراتيجي مع موسكو.
صورة الضعف الأمريكي التي تجد تعبيرها في عدم قدرتها على منع الخطوة الروسية في أوكرانيا تبث للشرق الأوسط، وكذا على التصدي الاستراتيجي لإسرائيل والمعسكر السُني المعتدل لإيران. فمزيج من ضعف السند الاستراتيجي الأمريكي في الساحة الدولية والشرق الأوسط، إلى جانب احتدام التحدي الإيراني، يشكل تهديداً متصاعداً للأمن القومي لإسرائيل. على إسرائيل أن تعزز حلفها الاستراتيجي مع واشنطن في ظل الجهد للحفاظ على التنسيق الاستراتيجي مع روسيا، إلى جانب تعميق العلاقات الأمنية والعسكرية مع المعسكر السُني.
   وبالتوازي، تتقدم محادثات النووي في فيينا إلى مرحلة الحسم، فيما عادت الوفود إلى دولها لأخذ قرارات حول استمرار المفاوضات. تلعب روسيا دوراً أساسياً في تقدم المفاوضات، وفي الوساطة بين الموقف الأوروبي والأمريكي من جهة والموقف الإيراني من جهة أخرى. وبشكل مفعم بالمفارقة، فإن الوفد الروسي للمحادثات في فيينا برئاسة السفير أوليانوف، يعقد تعاوناً وثيقاً مع المندوبين الأمريكيين والأوروبيين، ويقود المفاوضات مع إيران بالتوافق معهما، بينما في الوقت نفسه، تقف موسكو على حافة الحرب في أوكرانيا، وفي أزمة غير مسبوقة مع الغرب.
بشكل ملموس، أعلن السفير أوليانوف بأنه طرأ تقدم في المفاوضات، ووصلت العملية إلى مرحلة تتطلب من القيادات السياسية اتخاذ قرارات قاسية حول استمرار المفاوضات. ثمة احتمال لتحقيق اتفاق مرحلي على جدول الأعمال، يكون في جوهره تقييد تخصيب اليورانيوم، ونقل اليورانيوم المخصب المتجمع حتى الآن في إيران إلى الحفظ الروسي، وعودة رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بالمقابل، ترفع الولايات المتحدة جزءاً من العقوبات وتحرر أموالاً إيرانية مجمدة في البنوك الدولية.
المشكلة المركزية التي يخلقها اتفاق انتقالي لإسرائيل هي أنه مقابل تجميد مؤقت للبرنامج النووي، يكون بوسع إيران الاحتفاظ بالمعلومات التكنولوجية والقدرات المتطورة التي راكمتها في النووي، وتحريك الاقتصاد من خلال الرفع الجزئي للعقوبات، وتحرير الأموال المحجوزة؛ للتعاظم العسكري، وللاستثمار في تعزيز القوات المرسلة والميليشيات والتموضع الإقليمي، وفي تطوير قدرات نارية وصاروخية، وفي نقل الوسائل القتالية المتطورة وغيرها، دون قيد ودون شرط من الولايات المتحدة.
إن التقدم في مفاوضات فيينا ورغبة أمريكا في “تنظيف الطاولة” من المسألة النووية، جاء كي لا تعلق واشنطن في معركة عسكرية أخرى في الشرق الأوسط، خصوصاً عندما يتعرض حلفاؤها الإقليميون لاعتداءات (هجمة المسيرات على أبو ظبي) تؤدي إلى تصاعد في هجمات المبعوثين الإيرانيين في الشرق الأوسط، سواء بالهجمات المباشرة على القوات الأمريكية في سوريا والعراق، أم في هجوم على أهداف استراتيجية في السعودية والإمارات.
إن الاستراتيجية الإيرانية العامة هي دحر الولايات المتحدة إلى خارج الشرق الأوسط، وتثبيت معادلة ردع حيال دول الخليج تدرج الخطاب السياسي والتعاون الاقتصادي (“الجزرة”) بهجمات نارية أو هجمات سايبر إلى أهداف استراتيجية بواسطة قوات مرسلة (” العصا”)، لتفتيت اتفاقات إبراهيم وتشديد طوق الخنق على إسرائيل من خلال التموضع العسكري وإقامة قاعدة نارية في الدائرة الأولى والثانية والثالثة. كل هذا إلى جانب حفظ القدرات المتطورة التي تحققت في النووي، واستمرار الاستثمار في البحث والتطور التكنولوجي، والسايبر الهجومي، والقدرات النارية المتطورة.
انعدام الاستعداد الأمريكي لتفعيل أدوات عسكرية في الشرق الأوسط في ضوء التركيز على الخصام الاستراتيجي المتزايد مع الصين وروسيا، يعظم العدوانية الإيرانية ومدى التهديد على الاستقرار الإقليمي (المسيرات، قدرات نارية باليستية، سايبر هجومي وغيرها). هذا الوضع يستدعي من إسرائيل ان تستثمر في تطوير علاقاتها الأمنية – الاستراتيجية مع دول الخليج ومصر والأردن؛ لتثبيت عمق استراتيجي، وبحث قوة إقليمية وبلورة تحالف إقليمي لكبح إيران.
على إسرائيل أن تحاول التأثير على واشنطن للامتناع عن التوقيع على اتفاق مرحلي مع إيران، رغم المنفعة المتدنية لهذا الجهد، فالاتفاق المرحلي سيسمح لطهران بحفظ المعلومات والقدرات التكنولوجية المتطورة التي جمعتها في النووي، وسيسرع سياقات تعاظم القوة العسكرية التقليدية، وسيعزز قوة فروعها في الشرق الأوسط، ويصعد التهديد الهجومي على إسرائيل وعلى المعسكر السني المعتدل. يؤدي هذا الوضع إلى سباق تسلح إقليمي، ويقرب احتمالية المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل.
مع ذلك، إسرائيل مطالبة بالاستعداد لسيناريو التوقيع على اتفاق نووي لا يتوافق مع مصالحها الأمنية. في هذا الإطار، على إسرائيل الامتناع عن الدخول إلى أزمة مع الإدارة الأمريكية التي تشكل سندها الاستراتيجي المركزي، وأن تستخدم الاتفاق المتحقق لغرض زيادة المساعدة الأمنية من واشنطن والتزود بإمكانيات تثبت تفوق الجيش الإسرائيلي النوعي وتسمح بقدرة عمل مستقلة حيال إيران عند الحاجة.
يبدو أن المسألة الفلسطينية شطبت عن جدول الأعمال الدولي، ولا يوجد إلحاح للعمل على خطوات سياسية في ضوء جمود في الاتصالات، وانقسام في الساحة الفلسطينية، وغياب طاقة إقليمية أو أمريكية لممارسة الضغط على الطرفين للعودة إلى طاولة المفاوضات. إن الاستراتيجية الإسرائيلية لـ “تقليص النزاع” من خلال الاستثمار في التنمية الاقتصادية وجودة حياة الفلسطينيين، في ظل الامتناع عن الدخول إلى مفاوضات سياسية، إنما تزيد خطر تحقق رؤية “الدولة الواحدة” بقوة القصور الذاتي، وتثبت مكانة حماس كقوة سياسية وطنية شرعية. في الوضع الحالي، تملك حماس مجال مرونة لاستخدام القوة ضد إسرائيل في الضفة والقدس دون أن تدفع أثماناً على ذلك، في ظل الدفع بسياقات إعادة البناء والتسوية في قطاع غزة، مما يساعدها على تثبيت حكمها ويعزز مكانتها كقوة وطنية شرعية للساحة الفلسطينية، تمهيداً لليوم التالي لأبو مازن. فالإبقاء على الوضع الراهن في الساحة الفلسطينية بكل ثمن أمر يعظم إمكانية التفجر والسياقات العميقة في المجتمع الفلسطيني، التي من شأنها أن تتحقق وتصبح تهديداً ملموساً ضد إسرائيل بدعم دولي واسع.
على إسرائيل أن تبلور استراتيجية شاملة تشير إلى أفق سياسي لتحقيق فكرة الفصل، وذلك لكبح المسيرة الزاحفة لتحقق “الدولة الواحدة” تحت غطاء “إدارة النزاع”، وفقدان الشرعية في الساحة الدولية، ولا سيما في واشنطن بشكل يعرض المصالح الجوهرية للأمن القومي في إسرائيل للخطر. لا يمكن لإسرائيل أن تسمح لنفسها تجاهل المسألة الفلسطينية التي تشكل تهديداً استراتيجياً بقدر لا يقل عن التهديد الإيراني لأمن إسرائيل.

 

التعليقات (0)