لماذا نجحت أوربا وفشل العرب

profile
عبود مصطفى عبود كاتب وناشر
  • clock 28 مارس 2021, 7:19:00 م
  • eye 937
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


   بعد الحرب العالمية الثانية، خرجت الدول الأوربية من الحرب مدمرة منهكة تعيش تمزقات وفوارق اجتماعية، واقتصاد مدمر، راغبةً بتشكيل تعاون عبر المؤسسات الدولة التقنية والاقتصادية لتحقيق السلام، الذي يُعيد إليها استقرارها الطبيعي، الأمر الذي أدى إلى خروج اقتراح وزير الخارجية الفرنسي روبرت شومان - Robert Schuman بتشكيل مجموعة أوروبية للحديد والفحم، كوسيلة لمنع المزيد من الحرب بين فرنسا وألمانيا، متخذاً شعاراً  "make war not only unthinkable but materially impossible“ أي ”لن نجعل من الحرب أمراً غير وارداً فحسب، بل غير منطقي مادياً أيضاً“ لتوافق عليه ست  دول أوروبية وهي (المانيا، إيطاليا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، لوكسمبورغ)، بهدف تنظيم إنتاجها الصناعي تحت سلطة مركزية. وقد تبلور هذا الاقتراح بتوقيع معاهدة المجموعة الأوربية للفحم والصلب (معاهدة باريس) في 18 أبريل 1951، وأهم مبادئها:

1.    رفع العقبات والحدود أمام تجارة الحديد والفحم بين الدول الموقعة.

2.    تطبيق سياسة موحدة مع الدول التي بقيت خارج المجموعة.

3.    حرية دوران القوة العاملة بين الدول الموقعة. 

وخلال نصف قرن فقط من الزمان، تكون الاتحاد الأوربي وأصبح تحت مظلته عدة مؤسسات ضخمة، (برلمان ومفوضية، وبنك مركزي ومحكمة للعدل وأخرى للحسابات) وصار المواطن الأوربي أو حتى من يحمل تأشيرة الاتحاد حرا في التنقل بين كل دول أوربا.

 فماذا عنا نحن؟ ونحن يجمعنا لغة واحدة وتاريخ واحد ومصير مشترك كما يقول الساسة والمؤرخون.

لقد فشل العرب في خلق حتى سوق عربية مشتركة، وظلت الجامعة العربية التي أنشأت 1945 مجرد كيان رمزي لاجتماع العرب، لا يصدر عنه قرارات مفعلة في اتجاه الوحدة أو حتى التكامل الاقتصادي! 

  لا نقول ذلك بغرض التسفيه من دور الجامعة في لم شمل العرب، ولكن لتبيان أنها لم تلبي طموحنا في نشر فكر الوحدة الذي نأمله، فبعيدا عن السياسة كان من الممكن للجامعة أن تجمعنا في إطار ثقافي واحد، وأن تنشئ سوقا عربيا مشتركا يكون أداة للتواصل والتكامل بين شتى أقطار الوطن العربي، فما يجمعنا أكثر بكثير وأهم مما يفرقنا ويباعد بيننا.

   وكما أشرنا سلفا هناك أسباب متعددة وراء ذلك الفشل، لكن ما يهمنا هنا هو التركيز على سبب جوهري من وجهة نظرنا وهو غياب فكر الوحدة في الفكر العربي في حاضرنا.

الأمر الذي حدا بعالم اجتماع كبير مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم بتأليف كتاب يحمل عنوان : خسوف القومية العربية، ولا شك أن لهذا دلالة ليس من الحكمة التغافل عنها وهي أن فكر الوحدة غائب تماما ليس على مستوى النخب العربية ولكن على مستوى الشعوب أيضا، فرغم ما يقال عن أن الوحدة مطلب شعبي عربي، فإن الانشغال بموضوع الوحدة مثلا ظل حكرا على المثقفين والسياسيين في العالم العربي ولم تشارك فيه القطاعات الكبرى لشعوب الأمة في صياغة الفكر الوحدوي بدرجة ملحوظة، ولا شك أن النخب التي تصدت لهذه المسألة كانت ولا تزال ذات وزن كبير يفوق حجمها الكمي بكثير، كذلك لا شك أن وزنها النسبي الكبير في صياغة مصائر أقطارها سيستمر إلى وقت طويل في المستقبل.

وليس هذا في حد ذاته شذوذا عن القاعدة في عمليات التوحيد السياسي في أجزاء العالم الأخرى، كما أشرنا سلفا إلى الاتحاد الأوربي، ولكن الذي لم تنجح فيه النخب العربية إلى الآن هو إشاعة فكر الوحدة من مستوى الأفراد إلى مستوى الشعوب، وربما كان هذا القصور راجعا إلى عدم فهم النخب لواقع الشعوب ومشاكلهم وهمومهم، أو عدم القدرة على إيجاد وسائل المخاطبة والاتصال والربط بين فكر الوحدة والهموم الحياتية للشعوب.

ولكن أيا كانت الأسباب فالنتيجة ظلت واحدة فكر وحدوي ظل موقوفا على النخبة، ومشروعات وحدوية يحتكر الخاصة الحديث عنها أو التحرك نحو إقامتها أو فضها دون إشراك الشعوب في ذلك.

لذا ظل حلم الوحدة العربية مجرد أفكارا يتغنى بها البعض كل فترة من الزمان ولم يصبح واقعا لأننا ركزنا فقط على الشق السياسي في الأمر، ولم ننجح في جعل فكر الوحدة تيارا يسري في جسد الأمة من المحيط إلى الخليج، وإذا أردنا النجاح في المستقبل فعلينا أن نعمل على ذلك من الآن وفق برامج علمية مدروسة يشارك في وضعها علماء السياسة والاجتماع والنفس وخبراء التعليم، ويشتغل عليها الإعلام والدعاة والشخصيات العامة، ليكون فكر الوحدة هو الغالب في المجتمعات العربية، ولتعود الأمة كما كانت عبر قرون طويلة جسدا واحدا إذا أشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد.

لذا علينا جميعا أن نعي أننا لا نحتاج إلى وحدة الفكر، فليس في ذلك خيرا، على العكس تعدد الأفكار فيه غنى وثراء نحتاجه، فالأمم متعددة الأفكار تعيش وتبقى وتنجح، ولكننا نحن نحتاج إلى فكر الوحدة حتى نستطيع الخروج من أزماتنا الاقتصادية والسياسية ونكون قوة كبيرة قادرة على الفعل وليس رد الفعل.

التعليقات (0)