مؤشرات على قرب انتهاء الحرب الروسية على أوكرانيا.. المفتاح بيد تركيا؟

profile
  • clock 14 نوفمبر 2022, 3:10:36 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

شهدت الأيام الأخيرة مؤشرات عدة على أن الحرب الروسية على أوكرانيا قد تضع أوزارها قريبا بعدما دخلت شهرها التاسع، وباتت عبئا ثقيلا على الجميع، ويبدو أن الدور التركي سيكون بمثابة المفتاح السحري لإنهاء تلك الأزمة.

إذ يبدو في الأفق أن جميع الأطراف المعنية بدأت تنحو نحو "الواقعية السياسية" مدفوعة بالخسائر الكبيرة التي أصابتها دون تمييز، والتي وإن كانت لا تزال محتملة حاليا، إلا أنها ربما لن تصبح كذلك خلال الأشهر المقبلة حال استمرار تلك الحرب.

وفي هذا الصدد، بدأت دعوات الحوار تأتي من أكثر من طرف، مع تأكيد من تركيا على التزامها بمواصلة الجهود الدبلوماسية من أجل إنهاء تلك الحرب.

الموقف الروسي

فقد حقق الروس الجزء الأكبر من أهداف حربهم على أوكرانيا باحتلال المزيد من مناطقها الشرقية، وتأمين تواصل جغرافي بين تلك المناطق ومنطقة القرم التي ضمتها قبل سنوات.

لكن الجيش الروسي بدأ يعاني من إرهاقات وصعوبات في إيصال الإمدادات تمثلت أخيرا في اضطراره إلى الانسحاب من مدينة خيرسون الأوكرانية الاستراتيجية.

كما أنه رغم نجاح روسيا في امتصاص جزء من تأثيرات العقوبات الاقتصادية الغربية عليها، إلا أن ذلك لا يخفى أن اقتصادها أصابه الكثير من الضرر.

وبينما كان الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" يتحدث في بداية الحرب عن عملية عسكرية خاطفة، وهو ما دعمته تقييمات لاستخبارات غربية توقعت سقوط كييف بأيدي الروس خلال 48 ساعة فقط، لم تصدق تلك التوقعات.

ويبدو أن الحرب تحولت إلى معركة صفرية لا غالب فيها؛ ما قد يدفع الروس إلى الخروج منها بأكبر مكاسب ممكنة، خاصة أن تبعات العقوبات الاقتصادية قد تتزايد عليها في ظل تحركات غربية لتسعير نفطها.

هذه القناعة لدى الروس انعكست، على ما يبدو مؤخرا، في أكثر من تصريح يبدي مرونة إزاء استئناف العملية السياسية.

فرغم التعنت في إجراء مفاوضات مع الجانب الأوكراني منذ عدة شهور بذريعة أن واشنطن تُحرض كييف على عدم التفاوض، إلا أن متحدثة الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا" قالت في مؤتمر صحفي عقدته بالعاصمة موسكو قبل أيام، إن بلادها "منفتحة على المفاوضات، ولم ترفضها أبدا".

وأضافت "زاخاروفا": "نحن مستعدون للتحاور مع أوكرانيا والولايات المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار التطورات والحقائق القائمة على الأرض في الوقت الحالي"، في إشارة إلى تطورات الأوضاع في المناطق التي تشهد معارك بين القوات الروسية والأوكرانية.

واعتبرت متحدثة الخارجية الروسية أن أوكرانيا ستكون أكثر ميلا لإجراء محادثات سلام "إذا أوقف الغرب ضخ الأسلحة" إليها.

الموقف الأوكراني

المرونة ذاتها انعكست على الجانب الأوكراني، فقد أعلن الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي"، الثلاثاء الماضي، استعداده للحوار مع روسيا، وهو ما وُصف بأنه تغير في المواقف بعدما كان الأخير يتحدث في السابق عن استحالة الحوار مع موسكو في ظل رئاسة "بوتين".

وقال الرئيس الأوكراني إن شروط كييف لبدء محادثات السلام مع موسكو تتلخص في "احترام ميثاق الأمم المتحدة والتعويض عن الخسائر".

موقف "زيلنسكي" ربما يكون صدى لاستنتاجات واقعية، بأن الغرب لن يقف معه طويلا.

فـ"بعبع" الشتاء بدأ يطل بوجهه، والذي يخيف الغرب على وجه الخصوص؛ حيث يُنذر بتعميق أزمة طاقة في البلدان الأوروبية؛ ما قد يجلب على قادتها احتجاجات شعبية عارمة، خاصة أن إرهاصات لهذه الاحتجاجات بدأت بالفعل في أكثر من دولة أوروبية خلال الأسابيع الأخيرة.

كما أن موسم الشتاء الذي بات على الأبواب يعني إبطاء تحركات كلا الجيشين الروسي والأوكراني على الأرض لمدة قد تصل إلى 6 أشهر؛ بسبب الجليد المتوقع والأرض الطينية الرخوة.

وهذا يعني أنه سيكون من الصعب على الجيش الروسي شن أي هجوم بري جديد على الأراضي الأوكرانية خلال هذه الفترة.

ولن يكون أمام روسيا سوى تصعيد الهجمات الصاروخية والجوية على أهداف البنية الحيوية في المدن الأوكرانية لتصعيد انهيار الدولة هناك، وتأليب احتاجاجات شعبية ضد سلطات كييف.

وهذا الخيار يشعر "زيلنسكي" بالخطر، خاصة مع احتمال تخلي الغرب عنه.

وفي هذا الصدد، أفادت شبكة "إن بي سي" الأمريكية في تقرير لها، بأن بعض المسؤولين الغربيين باتوا يعتقدون أنه لا يمكن لأي من الجانبين تحقيق أهدافهم من الحرب، وأن التباطؤ المتوقع في القتال خلال الشتاء يمثل فرصة لاستئناف المحادثات الدبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا.

الموقف الأمريكي والغربي

على الجانبين الأمريكي والغربي، تصاعدت الأصوات المنادية بوضع حد للحرب والمطالبة لكييف بالتعامل بواقعية وتخفيف لهجتها من أجل محاولة الوصول لحل سلمي.

وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" مؤخرا، أن "إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" تشجع سرا قادة أوكرانيا على التعبير عن انفتاحهم على التفاوض مع روسيا، والتخلي عن رفضهم العلني المشاركة في محادثات سلام، إلا بعد إزاحة "بوتين" عن السلطة.

كما أظهرت دراسة أعدها موقع "بيزنس إنسايدر"، أن "غالبية الأمريكيين يريدون أن تواصل الولايات المتحدة مفاوضات دبلوماسية لإنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن".

ولا تعد المطالب الشعبية، السبب الوحيد الذي يدفع واشنطن إلى هذا الخيار، الذي لطالما أزاحت وجهها عنه.

فقد تسببت تلك الحرب في أضرار كبيرة للسياسة الخارجية الأمريكية؛ حيث عززت التحالف بين موسكو وطهران، وخلقت شروخا بين واشنطن وحلفاء قدامي بالشرق الأوسط، خاصة الرياض وأبوظبي.

كما أبعدت إدارة "بادين" عن هدفها الرئيسي في مواجهة العدو الأهم لها وهو الصين، وهو ما حذر منه قائد القيادة الاستراتيجية الأمريكية "تشارلز ريتشارد"، الذي قال إن الحرب في أوكرانيا "ليست أكبر صراع ستشهده الولايات المتحدة، والتي يجب أن تكون مستعدة لصراع أكبر مع الصين لم تشهد مثله من قبل".

واعتبر "ريتشارد" الذي يترأس قيادة تشرف على برنامج الأسلحة النووية الأمريكي، في محاضرة خلال الندوة السنوية لـرابطة الغواصات البحرية الأحد، أن "خصوم الولايات المتحدة مثل الصين يخطون خطوات كبيرة في مجال الابتكار العسكري ما يشكل تهديدا لواشنطن".

واعتبر أن "القدرات الأمريكية تحت سطح البحر الميزة الوحيدة التي ما زلنا نتفوق بها على خصومنا".

ويبرز هذ التصريح مخاوف مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" الراصدين لمستوى الحشد العسكري للصين، التي تعمل أيضا على تطوير الأسلحة النووية منذ سنوات، حسب شبكة "سي إن إن" التي اعتبرت أن تعليقات "ريتشارد" تصور الوضع على أنه "أكثر سوءا مما صرح به مسؤولون آخرون علنا".

ويضاف إلى ذلك بطبيعة الحال فاتورة الحرب الاقتصادية المتصاعدة، والتي بدأت تثير غضبا متناميا في أوساط الأمريكان كما هو الحال في البلدان الأوروبية، مع صعود التضخم وارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية، وهو وضع لا ترغب فيه إدارة "بايدن" الاستمرار فيه طويلا خاصة أن معركة الانتخابات الرئاسية القادمة مع الجمهوريين بدأت بالفعل.

ولذلك لا عجب أن تصرح وزيرة الخزانة الأمريكية "جانيت يلين"، الإثنين، بأن إنهاء الحرب في أوكرانيا هو الطريقة الأفضل لمعالجة مشاكل الاقتصاد العالمي، في رسالة واضحة إلى روسيا قبل قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا.

فقد نقلت عنها وكالة "فرانس برس" على هامش اجتماع مع نظيرها الفرنسي "برونو لومير" إن "إنهاء الحرب التي تشنها روسيا هو واجب أخلاقي وهو ببساطة أفضل ما يمكن فعله للاقتصاد العالمي".

الموقف التركي

يبدو إذا أن كل الأطراف المعنية باتت تنحو نحو الواقعية وعلى ضرورة إنهاء هذه الحرب الخاسرة في أسرع وقت ممكن.

والسؤال هنا كيف سيتم ذلك، خاصة أن الدول الغربية قطعت أغلب خطوط الاتصال مع روسيا خلال هذه الحرب، وصعدت ضدها بضخ السلاح إلى الجانب الأوكراني، وهو ما أدى إلى أزمة ثقة لها مع روسيا؟

الإجابة هي تركيا.. فقد صرح الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، السبت، بأن أنقرة ملتزمة بالسعي لعقد محادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا.

وقال: "نعمل على كيفية إنشاء ممر سلام هنا، مثلما أنشأنا ممر الحبوب.. نعتقد أن أفضل سبيل لذلك هو طريق من الحوار إلى السلام"، مضيفا أن وجهة نظر أوكرانيا ستكون مهمة.

وهناك عدة عوامل تعين تركيا على أداء هذا الدور على أكمل وجه.

فنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق الحبوب قبل عدة أشهر، ومنح انهياره مؤخرا، فضلا عن سعيها إلى الموازنة بين انتقاداتها للغزو ومعارضة العقوبات منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، تؤشر على أن دبلوماسية أنقرة الواعدة في هذا الخصوص.

ويدعم ذلك إعلان "بوتين" صراحة، قبل أيام، أن تركيا والرئيس "أردوغان" هي الجهة الوحيدة التي تثق فيها فيما يخص حربها مع أوكرانيا. كما يعزز موقف أنقرة العلاقات القوية التي تجمعها وكييف.

وكل ذلك يجعل تركيا الجهة الوحيدة القادرة على جمع الطرفين مجددا على طاولة المفاوضات، خاصة أنها نجحت في ذلك سابقا، وإن لم يسفر ذلك عن خروقات كبيرة. 

وسيحقق الرئيس "أردوغان"، حال نجحت جهوده في وقف الحرب، انتصارا دبوماسيا سيكون معينا له في معركة الانتخابات المقررة العام المقبل. كما سيساهم وقف تلك الحرب في تخفيف الأزمة الاقتصادية في تركيا، وخفض التضخم، وهو أمر يحتاجه بشدة الرئيس "أردوغان".

وحول ذلك، اعتبر "جراهام أليسون" المساعد الأسبق لوزير الدفاع الأمريكي في عهد "بيل كلينتون"، في مقابلة صحفية مؤخرا، أن أوان خفض التصعيد في الحرب الروسية الأوكرانية، والبحث عن التسوية قد آن.

لكنه لفت إلى أن أيّ قيادة سياسية روسية، مع "بوتين" أو من دونه، لن تَقبل بحلّ يشترط التنازل عن القرم.

ولا شكّ في أن مِثل هذه النصائح "الواقعية" ترتبط بإدراك أصحابها حقيقة أن القيادة الروسية بحوزتها الكثير من أوراق القوة التي تستطيع اللجوء إليها، مع ما سيترتّب على ذلك من أثمان باهظة بالنسبة للجبهة المقابلة.

كل المؤشرات تدل على أن التسوية السلمية للحرب الروسية الأوكرانية قادمة قريبا، لكن كيف ستكون وبأي مقابل؟.

الإجابة على هذا السؤال لم تتبلور بشكل كامل، لكن بلا شك سيكون الجانب الأوكراني خاسرا بكل الأحوال.

التعليقات (0)