- ℃ 11 تركيا
- 18 مايو 2024
مالك التريكي يكتب: بوتين أو جناية الاستبداد على اللغة
مالك التريكي يكتب: بوتين أو جناية الاستبداد على اللغة
- 3 يونيو 2023, 6:27:21 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يروي الكاتب الفرنسي جيل برّو، صاحب الكتاب الشهير «صديقنا الملك» والتوطئة الشهيرة لكتاب جان-بيار توكوا ونيكولا بو «صديقنا بن علي: الوجه المخفي للمعجزة التونسية» أنه عندما كان شابا في خمسينيات القرن العشرين لم يكن يعرف، مثله في ذلك مثل معظم الفرنسيين، أي شيء عما ترتكبه فرنسا من انتهاكات ومظالم وجرائم في مستعمراتها، وخصوصا في الجزائر. ذلك أن أشرطة «الأخبار» الدعائية التي كانت تبث في قاعات السينما قبل بدء الفيلم (كانت تلك هي العادة في الأيام الخوالي، أما بعد انتشار التلفزيون، بأخباره الموجهة حكوميا، فقد استعيض عن الأخبار قبل الفيلم السينمائي بقصار أفلام تشارلي تشابلن) إنما كانت تصور المستعمرات على أنها جنان أرضية سعيدة يعمها الازدهار وتسودها الحرية، وتوهم الجمهور بأن السلطات تسوس المستعمرات بقيم الديمقراطية الليبرالية ذاتها التي تسوس بها حكومة باريس البر الفرنسي. ولكن ما أن زار برّو الجزائر حتى اكتشف حقيقة البؤس الشامل والإفقار الممنهج والتنكيل الهمجي. وما هي إلا سنوات قليلة حتى اكتشف الشعب الفرنسي كله حقيقة جرائم التعذيب والتقتيل والتهجير التي كان يقترفها الجيش الفرنسي ردا على حرب التحرير الشعبية الجزائرية. وقد ظلت سلطات باريس تعاند لسنوات وترفض الاعتراف بأنها حرب، فكان أن شاع في الخطاب الرسمي وحتى الإعلامي تسمية حرب الجزائر بـ«الأحداث» تماما كما أن بوتين ونظامه يرفضان تسمية غزو أوكرانيا حربا ويكتفيان بتسميتها «عملية خاصة». ومتى استفاق الشعب الفرنسي على حقيقة حرب التحرير الجزائرية؟ عندما بدأ نطاق العمليات الفدائية يتسع ليصل بعضها إلى قلب الأراضي الفرنسية.
وها أنه يبدو الآن أن شيئا من هذا القبيل بدأ يحصل في روسيا. فقد ظل الشعب الروسي لأكثر من عام غافلا عن حرب العدوان التي يشنها جيشه في أوكرانيا، لأسباب منها أنها حرب قصية في بلاد نائية (إذ إن عظم مساحة روسيا يجعل حتى بلدان الجوار أماكن بعيدة) لا يرى منها الشعب الروسي شيئا ولا يناله منها أي ضرر. ولكن ما حدث الثلاثاء قلب كل الموازين النفسية.
الروس انتبهوا إلى أن الهجمات على موسكو وقعت بعد أيام فقط من تمكن وحدة قتالية روسية معارضة لنظام بوتين من التوغل داخل بلغورود الروسية انطلاقا من الحدود الأوكرانية والاشتباك مع عناصر من الجيش الروسي
إذ إن وابل المسيّرات التي قصفت مناطق مدنية في موسكو والأضرار التي لحقت المباني والهلع الذين أصاب السكان، كل ذلك أيقظ الشعب الروسي على حقيقة أن ما يجري في أوكرانيا حرب، وأنها لم تعد حربا وحيدة الاتجاه، بل إن من شأنها من هنا فصاعدا أن تؤذي المدنيين على كلا الجانبين (هذه هي مأساة الحروب المعاصرة منذ بداية القرن العشرين: الضحايا المدنيون أكثر بكثير من قتلى العسكر). ولا بد أن عامة الروس انتبهوا إلى أن الهجمات على موسكو وقعت بعد أيام فقط من تمكن وحدة قتالية روسية معارضة لنظام بوتين من التوغل داخل بلغورود الروسية انطلاقا من الحدود الأوكرانية والاشتباك مع عناصر من الجيش الروسي.
فهل سيغير هذا من موقف الشعب الروسي من الحرب القذرة التي تشن باسمه؟ يصعب الجواب. إذ لا بد من تأكيد صواب ملاحظة الإعلام الغربي بشأن سلبية موقف الشعب الروسي المتسم بالخوف مقارنة بفاعلية موقف الشعب الإيراني الذي ساند النساء والفتيات المتظاهرات ضد نفاق بوليس الأخلاق رغم وحشية القمع الذي أنزله النظام بالمحتجين والمحتجات.
ومن مضحكات القاموس البوتيني الثرثار المجوّف للغة المفرغ لها من معانيها، مثلما هو شأن كل استبداد مع لغة البلاد، أنه نعت الهجمات على موسكو بأنها أعمال إرهابية! وما يعنيه هذا هو أن القصف الروسي المستمر لأوكرانيا وكييف منذ خمسة عشر شهرا إنما هو من الأعمال الخيرية! إذ في مقابل هذه الهجمة الأوكرانية الأولى (والوحيدة حتى الآن) على موسكو، فإن كييف تعرضت في شهر مايو لما لا يقل عن 17 هجمة روسية. ولكن بوتين لا يزال ممعنا في الهروب إلى الأمام. وما إعلان ألكسندر لوكاشينكو بدء نقل الرؤوس النووية التي كان بوتين قد تعهد في مارس بتركيزها في بيلاروسيا إلا دليل على أن بوتين لا يزال يجري على غير هدى وأنه يقود مركبة بلا فرامل. بل الأدهى أن لوكاشينكو أعلن أن أي دولة (وذكر كازاخستان ورئيسها بالاسم) تساند روسيا في حربها مع أوكرانيا سوف تزود بأسلحة نووية! فهل بوتين مستعد فعلا لاستخدام السلاح النووي؟ هذا ما لا تستبعده المعارضة كسينيا سوبتشاك التي تعرف طريقة تفكير ضابط الكي جي بي السابق حق المعرفة.
هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)
أخبار متعلقة
إقرأ أيضا
أحدث الموضوعات
جمعة, 17 مايو 2024
نيويورك تايمز: ماذا تعني "فلسطين حرة" عمليا؟ (مترجم) جمعة, 17 مايو 2024
الرئاسة التركية: لا سلام في المنطقة إلا بتأسيس دولة فلسطينية على حدود 1967 الأكثر قراءة
جمعة, 08 أكتوبر 2021
مصادر: إبراهيم منير يتخذ قرار بإيقاف ٦ من الشورى العام سبت, 18 سبتمبر 2021
د. أيمن منصور ندا يكتب : عندما تلقيت اتصالاً من الرئيس السيسي خميس, 30 سبتمبر 2021
طارق مهني يكتب : بزنس المعارضة - سبوبة الزنازين اثنين, 01 نوفمبر 2021
تقرير : كيف ساهم " أبو دية " عبر أذرعه المالية في تدجين المعارضة المصرية بالخارج جمعة, 28 مايو 2021
تعرف على مدينة المقاومة تحت أرض غزة ودورها في معركة سيف القدس وطن عربي
خميس, 16 مايو 2024
كيف استفاد بشار الأسد من القمة العربية الحالية؟ خميس, 16 مايو 2024
السيسي: التاريخ سيتوقف طويلا أمام مأساة بحجم حصار وتجويع شعب كامل أربعاء, 15 مايو 2024
نصر الله يستقبل خليل الحية في الذكرى الـ 76 للنكبة