محمد أبو الفضل يكتب: مصالحات ومطبات خارجية لمصر

profile
  • clock 3 يونيو 2023, 7:01:07 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بدأت تتواتر معلومات حول إمكانية أن تشهد العلاقات بين مصر وإيران تطورات إيجابية في الفترة المقبلة، تزامنا مع قرار القاهرة بعودة العلاقات مع أنقرة والبدء في عملية تبادل السفراء فورا وفقا لآخر اتصال هاتفي بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام.

طوت القاهرة أيضا ملف خلافها مع الدوحة، واستردت العلاقات جزءا مهما من عافيتها السياسية والاقتصادية معها، وتبدو علاقاتها الخارجية متوازنة بدرجة كبيرة، مع الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وحتى الأزمة الليبية المتذبذبة لها فيها من المفاتيح ما يمكنها من التعامل معها بطريقة تساعدها في الحفاظ على مصالحها.

تتبقى أزمتان ساخنتان، إحداهما مع إثيوبيا وتتعلق بالتقديرات المتناقضة لسد النهضة، والثانية تخص عدم القدرة على تشخيص خطة عمل محددة للتعامل مع السودان.

اللافت أن الأزمتين في عمق القارة الأفريقية التي أعلنت القيادة المصرية اهتمامها الكبير بها، وأن لديها ميراثا سياسيا يمكنها البناء عليه للحصول على مكاسب جديدة، غير أن نجاحها في التعامل مع أزمات إقليمية حادة لم يتجسد بالدرجة ذاتها مع بعض الدول الأفريقية، مع أن خبراتها كبيرة وأهدافها الحيوية فيها أكثر اتساعا.

أغلقت القاهرة صفحات عدة من أزماتها مع قطر وتركيا وفي الطريق إيران، ووسط كل ذلك لم تصل الخلافات مع هذه الدول إلى مستوى تهديد أمنها القومي بشكل كبير، وانحصر التباين في ملفات أقل أهمية من تلك الحاضرة مع إثيوبيا والسودان وتحتاج كلاهما إلى رؤية تختص بتصحيح النظرة لأفريقيا التي تهرب أديس أبابا للاحتماء بها، وكانت بالنسبة إلى الخرطوم ملاذا للكثير من قادتها قبل اندلاع الحرب أخيرا.

تعد طريقة التعامل مع أفريقيا من المفاتيح الرئيسية لمعرفة أسباب الإخفاق المصري في التفاهم مع إثيوبيا حول سد النهضة، وجزءا معتبرا في المطبات التي واجهتها في التعاطي مع السودان في السنوات الماضية، وقد يصعب فك ألغاز كليهما أو حدوث تطورات ملموسة دون تصحيح المنهج الذي تستخدمه القاهرة مع القارة الأفريقية.

لم توجد هذه الكتلة الحرجة في حالة الأزمات المتراكمة مع قطر وتركيا وإيران، أو غيرها، حيث يقتصر حل الخلافات على حسابات كل دولة ولا توجد كتلة تمثل نقطة حساسة أو حرجة للقاهرة، والعكس صحيح، كما أن الكتلة العربية أو الخليجية بعيدة عن التأثير القوي سلبا أو إيجابا في الموقف من تطوير العلاقات أو عرقلتها.

إذا كان هناك تأثير لأيّ من الكتلتين فقد ينصب على الشكل غير المباشر ووقت أن اتخذت مصر والسعودية والإمارات والبحرين موقفا موحدا من مقاطعة قطر والمصالحة معها احتفظت كل دولة بهامش مستقل في التصعيد والتبريد، وعندما عادت العلاقات مع الدوحة اختارت كل دولة صيغة تتواءم مع مصالحها المباشرة، وإلى الآن هناك تفاوت في العلاقات بين الدول الأربع وقطر، كذلك الأمر مع تركيا وإيران.

تراجعت الرؤية الجماعية في المصالحة والمقاطعة وما بينهما من مساحة رمادية، وتملك كل دولة درجة تمكنها من تكييف موقفها بالطريقة التي تناسبه، ويصعب القول إن هناك توافقا جماعيا حول خصومة أو منافسة أو تفاهم أو استهداف، فغالبية الدول تحررت من هيمنة القوى الإقليمية والدولية الكبرى على قراراتها.

لماذا لم يظهر هذا التحرر في الحالة المصرية مع أفريقيا، بما جعل القارة تواجه انسدادا في أفق حل القاهرة للأزمة مع إثيوبيا، وغير مرحب بحضورها في السودان؟

لا أحد يمكنه تقديم إجابة مانعة وقاطعة، لكن تركيز المراقب على الخطاب الإثيوبي بشأن أزمة سد النهضة، ثم نظيره السوداني حيال مصر، يجد فيهما البعد الأفريقي ظاهرا كسند ومرجعية، وحماية أحيانا، حيث رأت أديس أبابا أن المجتمع الدولي مكبّل بسيل طويل من المشكلات المستعصية، وحرصت على عدم مبارحة الأزمة مع القاهرة للساحة الأفريقية لقدرتها على التأثير فيها ومعرفتها بعدم قدرة خصمها على مجاراته فيها، وأن ميراث مصر التاريخي تم تشويهه بما حوّله من ميزة إلى عبء.

ظلت نخبة كبيرة في السودان تردد غضبا يشوبه نوع من الافتعال نحو اتهام مصر بتبني خطاب استعلائي تعلم أن مردوداته الأفريقية السيئة ليست هينة، ما جعل اللجوء إلى حواضن إقليمية في القارة لحل أزمات السودان يسبق الاستعانة بالقاهرة، ناهيك عن خلق صورة ذهنية قاتمة عن طبيعة أيّ دور لها في السودان والترويج لتفضيله الحلول الأمنية على حساب السياسية، والتعاون والتنسيق مع المؤسسة العسكرية.

هذه المطبات كانت غائبة في تحركات قادت إلى مصالحات بين مصر وقطر وتركيا، وفي التحسن المنتظر مع إيران، علاوة على الحضور الواضح في الأزمة الليبية وتفاصيل ومقاطع من القضية الفلسطينية، وكلاهما لا يقل خطورة عن التحديات التي تواجه القاهرة مع إثيوبيا وفي السودان حاليا.

تحدث الكثير من المسؤولين عن أدوات متباينة لتطوير العلاقات مع أفريقيا، ووقّعت فعلا اتفاقيات تعاون على أصعدة مختلفة مع دول في حوض النيل وقريبة من إثيوبيا، وأدخلت تعديلات في وسائل التعامل مع السودان لتغيير انطباعات سابقة، إلا أن النتيجة لم تنعكس على موقف غالبية الدول الأفريقية من أزمة سد النهضة وبقيت محافظة على تماسك موقفها بما يصب في صالح إثيوبيا، ولم تشرع الجماعة الأفريقية لفتح الباب ولو قليلا لمشاركة القاهرة في تسوية الأزمة السياسية ثم العسكرية في السودان.

تتحرك مصر في اتجاه يمنحها حرية للضغط على إثيوبيا، ونافذة تطل منها على السودان بعد الحرب، ولم تتمكن من تغيير توازنات تزيدها ثباتا في القارة، ما يجعلها في حاجة إلى مراجعة أكبر، وخارطة تحدد بها أولوياتها، لأنها إذا خسرت المعركتين، مع إثيوبيا وفي السودان، ستواجه بعراقيل كبيرة في سياستها الخارجية تقلل من الأهمية النسبية التي حققتها على مستوى التقدم المتفاوت في علاقاتها مع قطر وتركيا وإيران.

تعد المصالحات أو المطبات التي تواجهها مصر وجهين لعملة واحدة، وهي القدرة على تحقيق اختراقات سياسية مع الأولى هنا والفشل في ذاك مع الثانية، وحتى النجاح شابه لفترة طويلة نوع من التردد والحذر والتريث المبالغ فيه، والذي يرخي بظلال على حصيلة الثمار التي يمكن جنيها في حالة التبكير.

تفتقر مصر إلى رفاهية التأخر مع إثيوبيا والسودان، مع التسليم بالتباين الكبير في طبيعة الأزمة مع كليهما ما يدفعها إلى ضرورة القيام باستدارة تساعدها على ترتيب أوراقها بالصورة التي تمكنها من إحداث تغيير عملي في بعض القناعات الأفريقية نحو تصوراتها المزعجة للبعض، على أمل أن يفتح لها ذلك طاقة أمل في التوصل إلى تسوية مقبولة مع أديس أبابا حول سد النهضة، والسماح لها بالمساهمة في مبادرات الوساطة المتعلقة بحل الأزمة في السودان.

كلمات دليلية
التعليقات (0)