محمد دوير يكتب : السد الأثيوبي والوزير المصري

profile
د.محمد دوير باحث فلسفي
  • clock 19 مايو 2021, 10:54:52 ص
  • eye 725
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

السد الأثيوبي والوزير المصري

بخصوص تصريحات وزير الخارجية عن أننا يمكن أن نتكيف مع الملء الثاني.

في بوست سابق ذكرت أن الملء الثاني سيتم، وأن موضوع الضربة العسكرية ليست خيارا عاجلا، بل وتتراجع مع مرور الوقت.

وبعيدا عن أية توصيفات أو تحليلات متعلقة بحقيقة موقف النظام ، يجب أن نؤكد علي الآتي:

1- يجب أن ندرك أن قضية السد الأثيوبي معقدة ومتداخلة وجميع الحلول المطروحة لها خسائرها ومكاسبها، ونحن ندرك ذلك منذ اللحظات الأولي..

2- النظام يفكر بالطريقة الآتية : قد نتحمل انخفاض حصة مصر من مياه النيل الأزرق لعدة سنوات، ولدينا أساليب متعددة للتعويض بحيث لا يؤثر علي الزراعة المصرية، 

منها ترشيد الإنفاق، واستدعاء المخزون من خلف بحيرة ناصر...الخ.. ولكن بضمانة التوصل الي اتفاق ملزم يحسم بشكل نهائي حصة مصر،

 وميزة هذا التوجه أنه يجبر أثيوبيا علي الاعتراف الموثق بحصة ثابتة لمصر لأول مرة في تاريخها.

 والدولة المصرية تعتبر أن هذا الموقف في صورته النهائية يعتبر نصرا تاريخيا يؤمن الحياة فيما بعد للأجيال القادمة.

3- النظام الأثيوبي يفكر بالطريقة الآتية : سنضع يدنا علي مياه النيل الأزرق داخل حدودنا ( مسألة الحدود دي فيها كلام كتير ، وهتكون جزء من الصراع لو انقلبت الأمور ) 

وبالتالي تحققت لنا ارادة كاملة علي مواردنا ( هكذا يفكرون ) وخسارة 55 مليار متر مكعب من المياه سنويا لمصر والسودان، في مقابل اعتراف مصر بسيادتنا علي المياه، ليس أمرا خطيرا.

4- المعني المباشر هنا هو ( الاعتراف بسيادة أثيوبيا علي المياه، مقابل الاعتراف بحصة مصر التاريخية )

 هنا تأتي خطورة وأهمية الاتفاق الملزم بين الطرفين،الذي سيكون تظاهرة عالمية يقودها الاتحاد الافريقي باعتباره قوة سياسية حاكمة في ادارة شئون القارة..

أين تكمن المخاطر ؟

 مؤكد أن المخاطر موجودة، وقائمة، ومنطقية جدا، والمعترضون علي المسار الحالي للدولة المصرية ليس لديهم ثقة كافية لا في النظام المصري ولا في النظام الأثيوبي، 

ولا سيما وأن كواليس السد قيل فيها وعنها الكثير، وأنا شخصيا كتبت كثيرا حول تلك الكواليس..وتتلخص المخاطر في الآتي :

1- مدة ملء السد، وطريقة التعامل مع سنوات الجفاف، وكيف ستحصل مصر علي حصتها السنوية، هل بصورة متقطعة علي مدار العام أو علي دفعة واحدة مثلما يحدث الآن ؟ 

وهل سيتضمن الاتفاق دفع مصر لجزء من تكلفة المشروع وصيانته، باعتباره أصبح جزءا من عملية توصيل المياه لنا ؟ 

وما هي العقوبات المحددة والتي يجب أن تتضمن في الاتفاق في حالة مخالفة اثيوبيا لأي بند من بنوده ؟ وما هي الجهة المسئولة أمام مصر في السودان في حالة الاخلال بالاتفاق ؟ ...تساؤلات كثيرة اجاباتها غير واضحة.

2- بعد الملء الثاني تعتبر فكرة ضرب السد عملية عسكرية فيها مخاطرة كبيرة علي الشعب السوداني، وربما علي مصر بدرجة طفيفة،

 مما يعني أن مصر قدمت السبت قبل أن تحصل علي ضمانات كافية لوجود الأحد..هنا فإن ثقة مصر في الولايات المتحدة الامريكية أكبر مما يجب،

 السؤال: هل حصلت مصر علي ضمانات كافية من الادارة الامريكية وجهات أخري يجعل قبولها بالملء الثاني قرار نهائي وخيار لا رجعة فيه ؟ 

3- ما بين الملء الثاني والثالث، أي خلال عام واحد يجب أن يتم الاتفاق الملزم باشراف الاتحاد الافريقي ورعاية أمريكية، وربما رعاية دول أخري، فهل سيتم هذا ؟؟ أم ستذهب اثيوبيا الي مزيد من المناورة..؟ وماذا لو لم يتفق الطرفان؟ كيف سيكون موقف مصر من ضرب السد ؟

خلاصة القول: القضية شائكة وتحتمل كافية التأويلات والتفسيرات، ومسارها لا يعمل في خط مستقيم، ومتغيراتها كثيفة، وجميع احتمالاتها مخيفة ،

 والقرار النهائي فيها لا يمكن استنتاجه لسبب بسيط أننا لا نملك كافة أوراق القضية، كل ما نقدمه هو مجرد توهمات لا ترقي لمستوي التحليلات العلمية، 

لأن كل فعل علمي يحتاج الي أدلة دامغة.. وتلك لا نملكها جميعا...

٢.. السد الأثيوبي: هوامش من التاريخ

رغم ما يعتقده البعض من وجود أوجه تشابه بين الصراع العربي الاسرائيلي والصراع المصري الأثيوبي، فإن هناك نقاط اختلاف كبيرة وجذرية تجعل من معالجة الموضوعين وتناولهما مختلف عن الأخر.. 

 فالصراع العربي الاسرائيلي صراع ايديولوجي وثقافي وسياسي متعلق باحتلال مباشر لوطن عربي، ولن يتم حله سوي بانهاء هذا الاحتلال إن عاجلا أو آجلا.. 

بينما الصراع المصري الاثيوبي فهو صراع استحواذ علي جزء من مقومات الحياة، وأعني به مياه نهر النيل، 

واعتداء أثيوبيا علي حق المصريين في مياه اتخذت شرعية تاريخية وطبيعية.. وبناء عليه فالمعالجة ستكون مختلفة الي حد كبير.

 هناك إرث تاريخي عميق في "مسألة النيل"، تكشف أن ما يحدث الآن من محاولة خنق مصر بمياه النيل ليست هي المرة الأولي، 

1- ففي رحلة فاسكو دي جاما لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح ، وعندما ذهب الي بابا الفاتيكان للحصول علي بركته،

 أشار إليه البابا بأن يذهب الي ملك الحبشة "المسيحي" ويبحث معه طريقة لقطع مياه النيل عن مصر التي كانت قد حققت نصرا في الحروب الصليبية عن طريق صلاح الدين..

2- وعندما احتل الايطاليون أثيوبيا فكروا بجدية في قطع مياه النيل عن مصر كنوع من محاربة أنجلترا وضرب مصالحها في مصر وهذا ما دفع الانجليز الي عقد اتفاقية 1929ـ لتأمين مصالحها في زراعة القطن .

3- وعندما قرر عبد الناصر بناء السد العالي خطب هيلا سلاسي في شعبه قائلا سنحول نهر النيل الي بحيرة أثيوبية،

 وكانت مصر الناصرية حريصة تماما علي عدم الاقتراب من نظام هيلا سلاسي الرجعي رغم دعمها لكل قوي التحرر الأفريقي، 

ادراكا من ناصر بأن اثيوبيا يجب معاملتها بطريقة مختلفة الي حد ما نتيجة طابع الاحتقان الموجود لديهم تجاه مصر، لأسباب مختلفة تاريخيا..

4- ثم ابتداء من السادات وحتي لحظتنا الراهنة تركت مصر القارة الأفريقية التي أصبحت في غير حاجة للدور المصري،

 بعدما تدخلت قوي كبري متعددة في الساحة الأفريقية.. فتجدد الحلم الأثيوبي – الذي قد يكون اثيوبيا خالصا أو اقليميا أو دوليا أيضا – من أجل الاستفادة من مياه النيل، وكذلك خنق مصر القادرة دائما علي استعادة قدراتها في لحظات ما من التاريخ.

 في ظل هذا الوضع التاريخي المرتبك، والمعقد، والمشحون طوال الوقت بالاحتقان، هل يجب علي مصر استخدام القوة مع دولة/ شعب لديه استعداد دائم وتاريخي لشيطنة المصريين ؟

 السؤال الآخر، هل حالة مثل هذه الحالة  بين البلدين يمكن للدبلوماسية طويلة المدي أن تعلب دورا في نسج أو اعادة النظر في العلاقات التاريخية والثقافية والسياسية بحيث تصبح مياه النيل في مأمن ؟

 ما بين النزعة القتالية في الحل، والتوجهات الدبلوماسية طويلة المدي يقف الشعب المصري منتظرا كيف يمكن حل تلك القضية التاريخية والوجودية..

ويبدو لي أن أصعب أنواع الأسئلة تلك التي تطرح عليك في أزمنة غير مناسبة، وضيق الوقت، وضيق آفاق الحل، تجعل الكثيرين يفكرون بطريقة هدم المعبد علي الجميع،

 وكأننا نصادر اليوم علي حقوق الاجيال القادمة ، ونطلب ضمان حل مشكلة السد اليوم، وعلي الأجيال القادمة أن تحل مشكلاتها هي بطريقتها..

مرة أخري.. أقول: الحل العسكري تعبير عن فشل دبلوماسي، والحل العسكري سيؤجل المشكلة للأجيال القادمة،

 والحل العسكري سيزيد من حالة الاحتقان التاريخي، والحل العسكري سيقابله حلول من نفس الجنس، ونخسر معركة المياة الي الأبد..

نعم.. نحن أمام اعتداء من أثيوبيا علي مياه النيل أو علي الأقل حصتنا التاريخية، ونعم نحن لسنا ضد حق أثيوبيا في التنمية

ولكن الحروب إما أن تنهي المشكلة أوتبدأ المشكلة بمقومات أخري.. وأخشي – لأسباب كثيرة – أن تعتبر الضربة العسكرية بداية انزلاق مصر في وحل لا نهاية له.

التعليقات (0)