محمد عايش يكتب: شخصيات أردنية تستحق التكريم وليس السجن

profile
  • clock 15 أغسطس 2023, 6:38:31 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تصاعدت وتيرة تكميم الأفواه وملاحقة أصحاب الرأي والكلمة في الأردن مؤخراً، فبينما كان «قانون الجرائم الإلكترونية» الجديد والمثير للجدل لا يزال يسير في مراحله الدستورية، اعتقلت السلطات صحافية أردنية بسبب منشور على «فيسبوك»، بينما أصدرت محكمتان مختلفتان أحكاماً بالسجن ضد اثنين من أرفع وأنبل قادة الرأي في الأردن.. وهما رجلان كان يجدر بالسلطات أن تقوم بتكريمهما لا حبسهما.
خلال أيام قليلة تم اعتقال الصحافية هبة أبوطه، وأصدرت محكمة قراراً بالسجن لمدة عام ضد الصحافي والكاتب الساخر الأشهر في الأردن أحمد حسن الزعبي، بينما أصدرت محكمة أخرى حكمها بالسجن لمدة أربعة شهور ضد الناشط المعروف والأستاذ الجامعي السابق إبراهيم المنسي، وجميع هذه القضايا تمت على خلفية منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، وكلها بموجب قانون الجرائم الإلكترونية القديم، ما يعني أن المقبل سيكون أسوأ بكثير.
هذه القضايا الثلاث فيها الكثير من التفاصيل الغريبة، فالصحافية أبوطه «تم ضبطها من قبل دورية إلكترونية متلبسة بكتابة منشور» ومن ثم أحيلت إلى المحكمة ثم السجن دون وجود أي مشتكٍ ضدها، فضلاً عن محاكمتها تمت غيابياً، وكانت هي خارج الأردن، كما أن المنشور المضبوط ربما تمت كتابته أصلاً وهي خارج البلاد، ما يعني أن الجريمة تم ارتكابها على أراضٍ غير أردنية، ومع ذلك انتهى بها الأمر في السجن بظروف غامضة، لم يُفهم منها شيء سوى أنها عقوبة على منشور فيسبوكي.

بعيداً عن تفاصيل المحاكمات، سواء من حيث الشكل أو المضمون، هناك شخصيات تستحق التكريم لا السجن وهي قامات وطنية يجب أن تُرفع لها القبعات احتراماً وتقديراً وإجلالاً

في قضية الصحافي الزعبي صدر حكم سابق بسجنه لمدة شهرين، لكن النيابة لم تقبل بالحكم، وطعنت فيه أمام محكمة الاستئناف، خلافاً للعادة حيث من المفترض أن يقوم المحكوم باستئناف الحكم على أمل تخفيفه، وانتهى الأمر بالرجل بحكم سجن جديد لمدة عام كامل، والسبب بطبيعة الحال منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي.
الأغرب من كلتا الحالتين هو ما واجهه الدكتور إبراهيم المنسي، حيث تقدم وزير الأوقاف بشكوى ضده وانتهت الشكوى بتبرئته من قبل المحكمة، وقضي الأمر، لكن الوزير لجأ إلى محكمة الاستئناف التي قررت السجن أربعة شهور بحق المنسي، لكن الرجل فوجئ بأن محكمة الاستئناف غيرت التهمة التي كانت موجهة له أصلاً، وهو ما يعني أنها حاكمته بتهمة جديدة غير تلك التي برأته منها المحكمة الأدنى، وذلك خلافاً لقانون أصول المحاكمات المدنية والجزائية، وخلافاً أصلاً للعقل والمنطق.
وبعيداً عن تفاصيل المحاكمات، سواء من حيث الشكل أو المضمون، فإن الحقيقة أن هذه الشخصيات تستحق التكريم وليس السجن، وهي قامات وطنية يجب أن تُرفع لها القبعات احتراماً وتقديراً وإجلالاً وإكباراً. الدكتور إبراهيم المنسي الذي يقترب عمره اليوم من الخمسين، أو ربما جاوزها بقليل، أمضى حياته في العمل العام وخدمة المجتمع، وهو أستاذ جامعي ومرشح سابق لانتخابات البرلمان ومدرب ومعلم وحافظ للقرآن الكريم ومحفظ له، وقبل هذا كله كان قبل ربع قرن من الآن رئيساً لاتحاد الطلبة في جامعة مؤتة، وتعرض للظلم حينها عندما قررت إدارة الجامعة تجريده من منصبه وحل اتحاد الطلبة وفصله من الجامعة فصلاً مؤقتاً، كان المنسي حينها يدفع بشجاعة ثمن المواقف المساندة للطلبة وثمن مواقفه من قضايا وطنية كبرى.
إبراهيم المنسي الذي يواجه اليوم السجن هو أحد مؤسسي جمعية المحافظة على القرآن الكريم، وأحد القائمين على إدارتها منذ تأسست حتى أصبحت أكبر منظمة مجتمعية لخدمة القران الكريم وتعليمه وتحفيظه في العالم الإسلامي، ويكاد اليوم لا يخلو شارع ولا زقاق في الأردن من مركز يتبع لها، وهي التي يواجه السجن اليوم من أجلها، إذ أنه يُعاقب على الحملة التي أطلقها على شبكات التواصل من أجل الاحتجاج على قرار وزارة الأوقاف بإغلاق عشرات المراكز التابعة لهذه الجمعية.
إبراهيم المنسي يعرفه سكان مدينة إربد جيداً.. يعرفونه «زنقة زنقة» وصوتوا له في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2020، والمفارقة أنه حصل على أعلى الأصوات في دائرته الانتخابية (5576 صوتاً)، ومع ذلك لم يفز بمقعد في البرلمان لأسباب لا أحد يعلمها سوى الذي وضع قانون الانتخابات وقام بتفصيله!
إبراهيم المنسي الرجل القرآني المؤمن، وأحمد حسن الزعبي صديق الفقراء والبسطاء الذين يعرفونه منذ سنوات وهو يُطل عليهم جالساً على الأرض في مقاطع الفيديو متحدثاً بلسانهم ولغتهم ولهجتهم عن همومهم وآلامهم وآمالهم وأحلامهم.. هؤلاء يستحقون التكريم والتقدير ويجب أن لا يكون لهم مكان في السجون.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)