محمد مشارقة يكتب: رسالة إلى السيد حسين الشيخ.. في الشرعية والمشروعية السياسية والأخلاقية الفلسطينية

profile
محمد مشارقة كاتب صحفي
  • clock 18 ديسمبر 2023, 1:14:07 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

حينما يتوعد حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حركة حماس التي أنجزت عملا ثوريا أسس لمرحلة جديدة في الصراع التاريخي، فانه يطلق رصاصة الرحمة على جسد المنظمة المسجى في غرفة الإنعاش منذ أن جرى إلحاقها بالسلطة ومؤسساتها المالية والإدارية. وبقصد أو بغير قصد وبعبارة غير محسوبة العواقب، أصاب في مقتل سردية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

غاب عن عقل السيد حسين الشيخ الجدل الدولي المتوقف عن العمل في كل أزمات العالم والمكرس اليوم لنتائج حرب غزة، ولأنه وسلطته غائبون عما يطبخ في كل العواصم المعنية من حركة سياسية انجزت عشرات الصيغ والبرامج والتصورات التفصيلية للبنية السياسية الفلسطينية المؤهلة لتمثيل الشعب والتي تستطيع المشاركة في حل مستدام للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، اراهن ان أحدا في تلك القيادة يعلم، ان الوضع في غزة تجاوز مسالة وقف الطلاق النار نحو البحث عن حل مستدام وهو الامر المتوقف منذ ازيد من عشرين عاما. ويقيني ان تلك القيادة لا تقرأ سوى الملخصات المنتقاة من الاعلام وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، واشتروا منهم - بإيمان العبيد - 

ان حركة حماس والمقاومة الفلسطينية ستجتث من جذورها قريبا وسيصبحون وباء سيتجند لمواجهته العرب والعجم. وهم لا يعلموا ان تلك الوصفة تم التراجع عنها ليس بعد سبعين يوما من الصمود الأسطوري في غزة، بل قبل ذلك بثلاثين يوما، ولم يبق هدف الاجتثاث والتصفية سوى في العقل المريض والموبوء بالفاشية في إسرائيل. ولا أذيع سرا إذا قلت ان عددا كبيرا من دوائر صناعة القرار في العالم توصل الى خلاصة مفادها: ان مسعى تصفية حماس ومطاردتها سيعيد انتاج القضية الفلسطينية ومقاومتها بنسخة متطورة تفوق كل ما سبقها وبأبعاد خطرة إقليمية ودولية لا يمكن حتى حساب نتائجها.

حماس يا سادة يا كرام في مركز المقاطعة في رام الله، المقترح الجديد المستجد هو إعادة تأهليها لتكون جزءا لا يتجزأ من النظام السياسي الفلسطيني القادم، ليس هذا وحسب بل، ولا يمكن القبول بالسعي النشط ومحاولة اقناعها بالمشاركة، الا بقرار واضح وصريح وضمانات إقليمية ودولية ومن اعلى المستويات ببدء حل شامل ونهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولك ان تتخيل يا سيد أبو جهاد ان العالم كله ينتظر رد حماس التي تطالب حضرتك بمحاسبتها.

لقد جربت المنظومة العربية والدولية طيلة شهرين ويزيد من اجل ترتيبات اليوم التالي في غزة، كل الاحتمالات التي طرحت، من خيار قوات اممية على غرار نموذج كوسوفو وتيمور الشرقية، فشل، تم تجريب خيار قيادة محلية وسياسيين من غزة، وأقول بثقة تامة انهم لم يجدوا فلسطينيا واحدا مستعد للتعاون من إسرائيل وكنس جرائم ابادتها، واضيف ان الاطراف العربية التي دعيت لتمويل اعمار ما دمرته إسرائيل رفضت هذه الطروحات .

عادت بعدها فكرة السلطة الفلسطينية بوضعها الحالي لتمكينها من إدارة غزة، وقد راهنتم على موقف المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي دعمت هذا المسعى، لكن وعلى غير ما تتوقعون جاء الرفض من أقرب حلفائكم في واشنطن ولندن، وبعض العواصم العربية التي قالت ان السلطة بقوامها الحالي والتي توصف بانها « بلا حاضنة شعبية في الضفة الغربية وغزة، كما انها معزولة وفاسدة ومستبدة « والكلام ليس من عندياتي، بل من حلفائكم وداعميكم.

هنا فرضت تعليمات واضحة للخارجية الامريكية ومعها مؤسسة المخابرات المركزية بفحص فكرة تجديد السلطة وتأهيلها لتقوم بهذا الدور بعد حرب غزة. من هنا ولدت فكرة حكومة فلسطينية من الكفاءات بصلاحيات مطلقة من خارج النادي التقليدي الفلسطيني لكنها تحظى بموافقة حملة السلاح، تصور يا سيد أبو جهاد التشديد على موافقة حملة السلاح، حكومة بمهام محددة: إعادة تأهيل مؤسسات السلطة على أسس جديدة، وترشيدها، وإعادة الاعمار في غزة والضفة، واعداد البلاد لانتخابات تشريعية، وتشكيل حكومة برلمانية تملك صفة تمثيلية حقيقية تؤمن التوافق. ليس هذا وحسب وانما بمشاركة واشراف وتمويل عربي واخر إقليمي.

واضيف لمعلوماتك مسالة أخرى، ان هذه الصفقة لم تقبل أيضا واضيف اليها في اللقاءات التي تمت في عواصم مختلفة، بنودا جديدة تقول ان هذه الصفقة المتكاملة، لا يمكن ضمان استمرارها والحصول على توافقات وطنية حولها واولها مع قيادة حماس التي تريد محاسبتها يا سيد أبو جهاد، وهي ان تغطى بقرار واضح من مجلس الامن متلازم من قرار دون فيتو امريكي من مجلس الامن بوقف اطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، والشروع الفوري في مفاوضات لانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة عام 67، وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وبكلام واضح، ليس العودة الى عملية السلام غير واضحة الأهداف والتحقيب الزمني. غير هيك «خيطوا بغير هذه المسلة» وجربوا حلولا سيقاومها شعبنا مائة عام أخرى.

من هنا برزت نجوم أخرى في مشهد صناعة القرار، في مقدمتها مروان البرغوثي، ولك ان تتخيل لماذا وقع الاختيار عليه وفاوضه صناع القرار في زنزانته مؤخرا وانت تعلم ذلك يا سيد حسين تماما،أولا،  ان له جماهيرية واسعة في الضفة وغزة وثانيا وهذه هو الأهم انه على علاقة مع حركة حماس، ويستطيع مخاطبة حملة السلاح والمقاومين في الضفة وغزة، وثالثا، يمتلك رؤية للتسوية يستطيع تامين اجماع حولها، وكذا الامر مع محمد دحلان وناصر القدوة وسمير المشهراوي، لذات الأسباب التي تتعلق بمكانة البرغوثي، فاصبحوا محور الاتصالات الإقليمية والدولية في الستين يوما الماضية، فدحلان على علاقة طيبة تشفعها رفقة السجن والنضال المشترك مع قائد حماس القوي يحيى السنوار والتي توجت بتوافقات في منزله في  القاهرة، ومصالحة وتعويضات ودعم إنهاء ملف حرب الاخوة في العام 2006.

والمشهراوي والقدوة اللذان ادارا حوارا طويلا ومضنيا مع قيادة حماس في الخارج، في القاهرة والدوحة، بهدف حماية المقاومة وحماس واشراكها في العملية السياسية والتوافق على الضمانات، وليس عبثا اختيار المشهراوي لهذه المهمة، فهو منذ اليوم الأول للحرب دعا الى دعم المقاومة في غزة ومواجهة العدوان بل بتصعيد النضال في الضفة الغربية والقدس، وشارك مجموعات من تياره الفتحاوي «لواء العامودي» كتفا الى كتف مع مقاومة حماس والفصائل الأخرى، يضاف الى ذلك كله جانب تاريخي في العلاقة بينه وبين حماس، انه شخصيا من امن حياة القائد العسكري محمد ضيف في بيته ورفض قرار المؤسس ياسر عرفات باعتقاله، وهذا الامر ليس سرا بل يتداوله قادة فتح وحماس.

كما أن القدوة وزير الخارجية الأسبق والدبلوماسي العريق، نشط في الدوائر الغربية والعربية ليرد بحزم ان فكرة اجتثاث المقاومة وحماس خطرة وغير واقعية، وكان صاحب السبق في اقناع أصحاب القرار في الربط بين انتصار السابع من أكتوبر – نعم مغلظة، انتصار - وما تلاه بالبعد السياسي وقرارات الشرعية الدولية واليات التنفيذ ومصفوفة الضمانات، ولهذا كان قريبا من حماس وكسب ثقة قادتها.

لهذا أقول بثقة يا سيد حسين الشيخ، انك فجرت «قنبلة غبية» أول المتضررين منها هي انت شخصيا وألحقت أضرارا بالغة بفصيلك صاحب التاريخ العريق في المقاومة، حركة فتح ومنظمة التحرير. فلا حل إلا بالتفاهم مع المقاومة وعلى رأسها القسام والسرايا والأقصى، ولا شرعية سياسية وأخلاقية ووطنية خارج دائرة المقاومة من اليوم حتى تبدأ عجلة الحل للصراع الحقيقي مع الاحتلال الغاشم والعنصري بالدوران الفعلي وليس الوهمي التخديري.

التعليقات (0)