مزهر الساعدي يكتب: أسباب الانتشار النووي: سياسة إحكام النفوذ والسيطرة على ثروات ومقدرات العالم

profile
  • clock 17 يونيو 2023, 6:06:58 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عندما انقسم العالم إلى كتلتين أيديولوجيتين متصارعتين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ بسنوات قليلة؛ كان هم الاتحاد السوفييتي هو امتلاك السلاح النووي في أسرع وقت، وكان له ما أراد. السؤال المهم هنا هو، ما هي الأسباب التي جعلت الاتحاد السوفييتي يهتم جدا، في تسريع عملية امتلاك السلاح النووي؟ الجواب هو تخليق حالة من توازن الرعب المتبادل.
في السنوات التالية اهتمت الدول الكبرى الأخرى؛ بريطانيا وفرنسا أيضا بتسريع عملية امتلاكها للسلاح النووي؛ وكان لهما ما أرادتا. في السنوات التالية صار العالم يسمى النادي النووي المكون من الاتحاد السوفييتي وأمريكا وفرنسا وبريطانيا والصين، أي القوى الدولية العظمى والكبرى. بعد سنوات قليلة انضم لها الكيان الإسرائيلي، من دون أن يعلن أنه دولة نووية.
في العقد الأخير من القرن العشرين صار كل من الهند وباكستان دولتين نوويتين، بالنسبة لهما وللكيان الإسرائيلي؛ كان السعي إلى امتلاك السلاح النووي؛ هو للحصول على التفوق الكاسح عسكريا؛ واستخدامه عندما تتعرض دولهم إلى تهديد وجودي. أما بالنسبة إلى الدول الكبرى فهو، بسط السيطرة والنفوذ؛ طريقا للنهب وسلب إرادات دول وشعوب العالم الثالث. الاتحاد السوفييتي في السنوات التي أعقبت الحرب الكونية العظمى؛ سيطر سياسيا وعسكريا وأيديولوجيا على شرق أوروبا، عبر ما كان حينها يسمى المنظومة الاشتراكية، ودرعها حلف وارسو، في مواجهة مع حلف شمال الأطلسي؛ عبر أو من خلال منظومة المعسكر الرأسمالي، أو معسكر العالم الحر، كما كان حينها وإلى الآن يسمى. الحلف الأخير ظل قائما إلى الآن، رغم انتهاء التهديد الوجودي، الذي كان حينها يمثله وجود الاتحاد السوفييتي والمنظومة الشرقية، وجدار صدها؛ حلف وارسو. اعتقد جازما أن سعي القوى العظمى إلى حيازة أو امتلاك السلاح النووي كان وإلى الآن؛ الغاية منه؛ أن يكون لها مقعد رصين وثابت، ومستقر ومهاب على منصة القيادة العالمية للشؤون الدولية، أي أن يكون لها صوت مسموع في صناعة القرارات الدولية على حساب إرادات بقية شعوب العالم. صراع القوى العظمى هذا استمر حتى هذه اللحظات من تاريخ الكون، الذي يشهد الآن ومنذ سنوات قليلة تحولا كونيا، ربما سيغير وجه العالم وشكل الشراكات والتعاون، ومراكز القوى التي سوف تساهم في صناعة هيكل جديد للعالم. في الحرب في أوكرانيا التي يشتعل أوراها منذ أكثر من سنة؛ كانت حجة المسؤولين الروس، أن أوكرانيا صارت قاعدة للولايات المتحدة الأمريكية، وبالنتيجة هي قاعدة للناتو؛ ما يهدد بالسلاح النووي العاصمة الروسية وبقية أراضي روسيا؛ لذا، قامت بغزوها واحتلال أراضيها؛ لمنع هذا التهديد المستقبلي. أما حجة أمريكا والاتحاد الأوروبي فهو منع روسيا بوتين من إعادة أمجاد روسيا القيصرية. أما الحقيقة الواقعية والموضوعية؛ فهي صراع نفوذ ليس إلا. الاتحاد الروسي ومعه الصين ولو بطريقة خفية ومستترة؛ يريدان وضع نهاية لتحكم الغرب والولايات المتحدة حصريا على مقدرات دول العالم، أو على النظام الدولي طبقا للقواعد الأمريكية ومعاييرها؛ حتى يفسح الطريق واسعا لهما ولنفوذهما.

سعي القوى العظمى إلى حيازة أو امتلاك السلاح النووي الغاية منه؛ أن يكون لها مقعد ثابت، ومهاب على منصة القيادة العالمية للشؤون الدولية

من الجهة الثانية أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي التابعة إجبارا وليس طوعا لأمريكا؛ بحكم شبكة معقدة جدا، من العلاقات العسكرية والاقتصادية، تقع في صدارتها المظلة النووية الأمريكية لحمايتها من أي هجوم نووي روسي، لأن دول الاتحاد الأوروبي مع أنها دول تمتلك السلاح النووي، لكنها ليست بقدرة روسيا من ناحية حجمها وقوتها التدميرية وأدوات نقلها. هذا الصراع على النفوذ بين القوى الدولية المتنافسة، أو المتحاربة بالإنابة وبالوكلاء؛ ما الذي نتج عنه؟ نتج عنه تعبيد الطريق للانتشار النووي في المنطقة العربية وفي جوارها وفي بقية مناطق العالم، التي لم تكن حتى هذه اللحظة تفكر حتى بامتلاك ناصية التطور النووي، وليس بالضرورة امتلاك السلاح النووي، إنما امتلاك العتبة النووية؛ ما يمنحها القدرة، إذا أرادت أو تغيرت الظروف؛ بامتلاك السلاح النووي. الحرب في أوكرانيا، التي هي أولا وأخيرا، حرب صراع بين روسيا وأمريكا، وليس بين روسيا وحلف الناتو، لأن الكثير من دول حلف الناتو، تريد حلاً لهذه الحرب من خلال طاولة المفاوضات، لو تركوا يتصرفون طبقا لمصالحهم من دون المطرقة الأمريكية المسلطة على رؤوسهم، التي تتركز في الإبقاء على سيطرتها ونفوذها على العالم، التي يهددها الثنائي الروسي الصيني. في هذه الحرب يشهد كلا الطرفين المتصارعين أمريكا وروسيا؛ استعراضا وتموضعا وانتشارا ومناورات في الأماكن المرشحة للحرب، إن تم الانزلاق إليها؛ قوة أسلحتهم النووية وقوة وسرعة إيصالها إلى جغرافية الخصم؛ وهو تهديد أو للكبح المتبادل من الدولتين النوويتين، اللتين تمتلكان لوحدهما 90% من مخزون السلاح النووي في العالم. كان من نتيجة انشغال أمريكا في الحرب في أوكرانيا؛ تغير قواعد اللعبة في الساحة الدولية، وفي المقدمة منها ساحة دول المنطقة العربية وجوارها. إيران استثمرت هذه الحرب استثمارا منتجا بالكامل؛ لذا، أصرت على أن الاتفاق النووي الذي تم إبرامه بينها وبين الدول العظمى + ألمانيا لم يعد قائما، أو لم يعد له وجود؛ لأن التطورات الإقليمية والدولية، عبرت ضفته إلى الضفة الأخرى، بالإضافة إلى أن زمنه انتهى تقريبا، وأكدت أن من الضروري التفاوض على اتفاق جديد؛ طبقا لشروطها، التي تتركز على، أولا أن يكون مرحليا وجزئيا بعد أن كانت قد رفضته في السابق عندما طرحته أمريكا، وثانيا أن تحتفظ بكل مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وثالثا أن تكون برامجها العسكرية الأخرى خارج هذا الاتفاق الذي يجري الحديث عن قرب توقيعه بينها وبين أمريكا. إسرائيل تهدد إيران بضربة أو بالقضاء على برنامجها النووي، من وجهة نظري أن إسرائيل لن تنفذ ما تهدد به على الإطلاق..
في خضم هذه التطورات والتغيرات والتحولات، صار لزاما على الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية؛ التي تدرك قيادتها تماما ماذا يعني أن تمتلك إيران دورة الوقود النووي، يعني قدرتها على إن أرادت ذات يوم أن تصنع وبسرعة السلاح النووي.. طبقا لهذه المخرجات؛ سعت السعودية وتسعى بقوة إلى امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية. من المعروف، وكما يقول أصحاب الاختصاص، إن امتلاك دورة وقود نووي لتشغيل أو لتوليد الطاقة الكهربائية؛ مقدمة أو طريق سهل وسالك لصناعة السلاح النووي. السؤال المهم هنا في ما يخص البرنامج السعودي، أو ما تخطط السعودية لامتلاكه، ومن الطبيعي بمساعدة دولة تمتلك هذه التقنية، بنقلها أو توطينها على الأرض السعودية. اعتقد أن أمريكا ستماطل في هذا الموضوع، أو أنها لن تساعد في النهاية السعودية في إقامة برنامجها هذا؛ ما سيدفع السعودية إلى الاستعانة بالصين، وهذا الأمر سوف لن يطول كثيرا. هذا الانتشار النووي لا ينحصر فقط بالسعودية، بل هناك دول أخرى في الجوار الإسلامي. في أول أو في مقدمة هذه الدول؛ تركيا التي قال رئيسها قبل سنوات قليلة؛ إن تركيا عازمة على إقامة برنامج نووي تركي لتوليد الطاقة الكهربائية، وتركيا ليس بحاجة إلى طلب الإذن من أحد، وفعلا تم أو يجري العمل على بناء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية بمساعدة روسيا، بالإضافة إلى مصر وأيضا بمساعدة روسيا. إنه أمر طبيعي أن تسعى الدول إلى امتلاك محطات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية، لكن طبيعة الأوضاع الدولية، سواء في المنطقة العربية أو جوارها، أو بقية مناطق العالم، في الوقت الحاضر أو في العالم المتعدد الأقطاب المستقبلي؛ سيكون هناك صراع تنافسي، اقتصاديا وسياسيا وتجاريا وعسكريا، والأخير لجهة حيازة عوامل القوة للمحافظة على المصالح وردع من يتجاوز عليها؛ في ظل التسارع أو المسابقة على انضمام هذه الدولة لبرنامج هذه الدولة العظمى، أو إلى تلك الدولة العظمى.
ختاما أقول إن الانتشار النووي ليس سببه سعي دول العالم الثالث إلى حيازته، أو حيازة العتبة إليه، بل الدول العظمى والكبرى هي السبب في الانتشار النووي بدءا وتاليا وإلى الآن. جميع الدول العظمى والكبرى، تحرص على زيادة ترسانتها النووية، أو العمل على الاكتفاء بما لديها كروسيا وأمريكا، وإلى تطوير قدراتها التدميرية ودقتها وأدوات إيصالها إلى اراضي الخصم. الصين تسعى أو تسابق الزمن للوصول بترسانتها النووية إلى ما هو موجود في ترسانة أمريكا وروسيا؛ حتى تكون قادرة على ردع أو كبح أي صراع أو حرب مستقبلية. في هذه الحالة لا توجد أي ضمانة، أو أي وسائل أو موانع أخلاقية أو اعتبارية أو إنسانية أو دينية؛ لعدم إقدام دول العتبة النووية على صناعة السلاح النووي إن احتاجت إليه، أو صارت الظروف ملائمة لامتلاكه، لمنحها القوة والجبروت في إقليمها وفي الساحة الدولية.. من نافلة القول، أذكر هنا امتلاك كوريا الشمالية للسلاح النووي والإصرار على الاحتفاظ به، كوسيلة ردع للتهديد الأمريكي لها أو لنظامها.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)