مصطفى ابراهيم يكتب: من فلسطين إلى أوكرانيا: سمر وحروبها الخمسة

profile
أ. مصطفى إبراهيم كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
  • clock 5 مارس 2022, 8:32:13 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تجربة سمر هي حكاية كثير من الفلسطينيين ومعاناتهم المصحوبة بالخوف والقلق والحقائب المحزومة التي تنتظر بجوار باب البيت، والمستقبل المخيف في ظل هذا التوحش وما نعيشه من تمييز وعنصرية وازدواجية المعايير.
سمر فتاة فلسطينية من غزة في بداية عقدها الثاني، تدرس في إحدى الجامعات  الأوكرانية بمدينة خاركوف. كتبت على حسابها على الفيسبوك “سمر وحروبها الخمسة”.
 
إنها الحرب الخامسة التي تعيشها سمر لكن هذه المرة خارج حدود فلسطين وخارج مدينتها غزة التي شهدت دورات عدوان وحروب متكررة خلال الـ 15 عاماً الماضية.
سمر تخوض منذ طفولتها معركة البقاء، فهي عاشت أربعة حروب وحشية، وما بينهم من ما تسمى أيام تصعيد وقصف واجتياحات برّية وجوية وجرائم قتل نفذتها آلة الحرب الإسرائيلية على غزة، ودوراتها المتكررة خلال عقد ونصف من الزمن.
كانت الحرب الأولى في نهاية العام 2008، وبداية العام 2009، واستمرت 23 يوماً، مروراً بحرب 2012، التي استمرت 12 يوماً. 
وبعد عامين عاشت سمر حرب 2014، التي استمرت 51 يوماً وشهدت ما ارتكبته إسرائيل من مجازر، وما أطلق عليه مجزرة يوم “الجمعة السوداء” في الأول من أغسطس/ آب واستهدفت جميع أنحاء مدينة رفح بما فيها مخيم الشابورة للاجئين في مسقط  رأسها ومكان سكن عائلتها، التي هُجّر أجدادها إليها من قرية برير وهي من القرى الفلسطينية المدمرة في قضاء غزة، والتي تبعد عنها 20 كيلومتراً ودمّرتها العصابات الصهيونية وطردت أهلها كباقي المدن والقرى الفلسطينية في العام 1948.

في ذلك اليوم المشؤوم استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالطائرات الحربية ومدفعية الدبابات جميع أنحاء رفح حيث سقط في يوم واحد نحو 150 ضحية من بينهم طفلين من أبناء عمها شقيق والدها، وخمسة أفراد من بينهم ثلاث طفلات ووالدتهم وهم من عائلة والدها ووالدتها.

أما الحرب الرابعة فكانت في أيار/ مايو من العام 2021، حينما استهدفت اسرائيل القطاع، وها هي اليوم مع بداية العام  2022 تعيش الرعب والخوف في حربها الخامسة في أوكرانيا. 

في اليوم الرابع من الحرب كتبت سمر على حسابها على فيسبوك: “هام مدينة خاركوف: من اجل سلامتكم تحذير من الجيش الأوكراني بإطفاء أضواء المنازل هذه الليلة”.

في بداية الحرب أخبرتني زوجتي أن والدة سمر تعيش حالة قلق على ابنتها سمر، وخلال الأيام الأولى ظلت تتابع أخبارها، إلى أن تم قصف خاركييف حيث تدرس هناك ولا يوجد اقرباء لها، وعما إذا كانت وزارة الخارجية الفلسطينية ستساعدها مع غيرها من الطلاب الفلسطينيين في الفرار من الحرب.

لم تتوقف الأسئلة مع توارد الأخبار التي تناقلتها وسائل إعلامية حول معاملة بعض الدول الأوروبية للاجئين غير الأوكرانيين، ورفض استقبال أصحاب البشرة السمراء والسوداء والمعاملة اللاإنسانية غير اللائقة بحقهم.
 في لحظات تسللت إليّ المشاعر التي تعيشها سمر هناك، وعاشتها خلال سنوات طفولتها وبداية شبابها في غزة. كنت أحاول أن أعيش معها مشاعرها وخوفها وقلة حيلتها وهي وحيدة في انتظار انتهاء الحرب أو التفكير في مغادرة أوكرانيا وهي تحزم حقيبتها واحلامها ومستقبلها والتفكير في والدتها واخوتها، والرعب الذي تعيشه ويتسلل لها في كل لحظة وتحمله معها كحقائب الفلسطينيين المشتتين في كل العالم. كنت أحاول أن أستوعب حجم خوف والدتها وعائلتها عليها وهي تعيش صوت الانفجارات والصواريخ الطائشة وهي تختبئ في مترو الانفاق مع الأوكرانيين وحيدة بدون الأهل والعائلة والأصدقاء في انتظار الخروج من الحرب سالمة والعودة إلى غزة ربما لتشهد الحرب السادسة…

ظلت هذه المشاعر إلى أن علمنا ان سمر غادرت خاركيف بالقطار باتجاه الحدود الرومانية، وفي رحلة استمرت 31 ساعة، حتى وصلت الحدود الأوكرانية مع ما عانته من خوف ورعب وقلق من التعرض للقصف، أو الخشية من عدم السماح لها بعبور الحدود الرومانية.

سمر وصلت إلى رومانيا أخيراً، وقد نجت من الحرب الخامسة. كتبت بعد نجاتها: “وصلنا بأمان لرومانيا، صح مبسوطة اني قدرت أهرب من قصف خاركوف المخيف، بس متدايقة أني تركت كل شيء وراي في خاركيف، ذكرياتي وحياتي وبيتي وجامعتي واغراضي، وكل شي بخصني لساتو موجود هناك غير المستقبل المجهول الي صرت فيه، إلى لقاء آخر جميل أوكرانيا”

تجربة سمر هي حكاية كثير من الفلسطينيين ومعاناتهم المصحوبة بالخوف والقلق والحقائب المحزومة التي تنتظر بجوار باب البيت، والمستقبل المخيف في ظل هذا التوحش وما نعيشه من تمييز وعنصرية وازدواجية المعايير.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)