ناصر جابي يكتب: صيف الجزائريين بين وهران وجيجل

profile
  • clock 28 أغسطس 2023, 5:14:41 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أثارت تصريحات إمام مسجد القدس في وهران هذه الأيام، في عز موسم السياحة، لغطا إعلاميا كبيرا على مستوى الوسائط الاجتماعية، بعد إثارته في خطبة الجمعة لما سماه بقضية «الدعارة»، التي تمس بعض أحياء مدينة وهران، حسب المعطيات التي تكلم عنها هذا الإمام. وهو يذكر حيا بعينه من الأحياء الجديدة في هذه المدينة الساحلية، التي تعرف تطورا عمرانيا كبيرا، ينم من دون شك عن حيوية اقتصادية ليست غريبة عن هذه المدينة ـ القطب الجهوي التي ارتبطت في تاريخ الجزائر الاقتصادي بالمبادرة الخاصة، حتى عندما كانت الجزائر تعيش في عز تجربتها الاشتراكية.

الجزائر تبقى في حاجة ماسة إلى تنويع اقتصادها، كما بينته نكسة البريكس من خلال مدخل السياحة، التي تملك فيها إمكانيات هائلة لو استغلت بالشكل الجيد

لا يقتصر هذا التميز الذي تعرفه وهران على الجانب الاقتصادي، فهو يمس كذلك الجانب السياحي، بما يحيل إليه من عقليات وإقبال على الحياة يميز أبناء وبنات المنطقة. حولها في ذهن الكثير من الجزائريين إلى «مدينة ماجنة»، يأتيها الناس من كل حدب وصوب لقضاء أوقات ممتعة، غير متوفرة في مدنهم وجهاتهم، لأمر يتعلق بطرق تنشئة اجتماعية مختلفة، تعيشها كل مناطق الجزائر في هذا البلد القارة، الذي تصر العقلية الحاكمة، بمنطقها المركزي- اليعقوبي على تسييره بالشكل والعقلية نفسهما، وكأنها تسيّر قرية صغيرة.. تنوع يرفض الجزائري القبول به والتعامل الإيجابي معه، كأن يتم التعامل معه كعروض سياحية مختلفة لطلب اجتماعي مختلف بدوره، كما يحصل في كل دول العالم التي نجحت في تنويع عروضها بين عائلي وديني وثقافي وترفيهي، لطلب اجتماعي تعرف بالتجربة أنه مختلف.
عرض سياحي يفرض على صاحب القرار الاعتراف بما يميز الجهات من خصائص ثقافية وسلوكية، فردية جماعية واحترامها، يمكن أن يذهب في تخصيص جهات معينة في نوع من السياحة لما لا؟ كما هو حاصل على أرض الواقع في ما يتعلق بغرداية – السياحة الشتوية – مثلا، وجيجل التي تحولت إلى قبلة للعائلات الآتية من المناطق الداخلية بحثا عن سياحة شعبية عائلية «لا تخدش حياء» أبناء البلد المحافظين، تكون بأسعار معقولة في هذا الظرف الاقتصادي الصعب، الذي وصلت آثاره السلبية إلى الطبقة الوسطى بمختلف فئاتها، هي التي كونت لحد الآن الخزان الأساسي لهذا الطلب السياحي، سواء تعلق الأمر بالسوق الداخلية أو الخارجية، التي ما زالت تونس تقاوم داخله، على أن يسمح للمواطنين الذين يريدون أن يكونوا أكثر انطلاقا و»حبا للحياة «بالتوجه نحو جهات أخرى، كما هو حال وهران وعنابة جزئيا، رغم فشل عنابة حتى الآن في أخذ مكانتها السياحية، التي تسمح لها بها إمكانياتها الطبيعية المتنوعة، كأجمل المدن في الجزائر، خارج منطق الرقابة على «بنات القبيلة»، الذي يريد البعض فرضه على سكان هذه الجهات، كما عبر عنه إمام وهران، وهو يتكلم عن بعض السلوكيات الجنسية التي يمكن وصفها بالمتسامحة، ليست مقتصرة على مدينة وهران، فهي عادة ما تكون منتشرة في كل جهات الجزائر بدرجات مختلفة وأشكال متنوعة، رغم ما يلفها من أشكال نفاق اجتماعي، زاد منسوبه في السنوات الأخيرة، وصلت آثاره إلى بعض المتعلمين، الذين عادة ما ينصبون أنفسهم متحدثين باسم الأخلاق الجماعية لجهاتهم وهم يدافعون عن شرف بنات القبيلة التي ما زالت حاضرة في دواخلهم. في جزائر بدأت في توفير قاعدة سياحية وجزء من متطلباتها في السنوات الأخيرة – فنادق طرق سريعة ومطارات ـ في انتظار أمور أخرى أهم، كثقافة الاستقبال والمهنية التي يفترض حضورها بين حرفيي هذه المهن السياحية، التي ما زالت غائبة عند الكثير من الجزائريين الذين تعودوا لسنوات العيش منغلقين على بعضهم بعضا. عرض سياحي مختلف ومتنوع حسب المدن والجهات، يمكن أن يتم التفكير فيه وتلبيته في إطار نوع من اللامركزية ـ يجب البحث عن النسخة الجزائرية لها – تبقى الجزائر في حاجة ماسة إليها كأسلوب تسيير يشمل الميدان الاقتصادي والإداري، زيادة بالطبع على السياحي، بعد أن تبين بالملموس فشل أسلوب التسيير المركزي اليعقوبي في هذا البلد القارة الذي حارت نخبه السياسية في تسييره. ومنحه المكانة التي تليق به على المستوى الدولي، كما بينه بشكل لا لبس فيه الأسبوع الماضي، قرار رفض قبول الجزائر في منظمة البريكس، من قبل دول تحسب صديقة للجزائر، بكم الإحباط الذي تركه القرار على مستوى الرأي العام الوطني، يمكن بسهولة تصور تبعاته السياسية – على المديين القصير والمتوسط -على شرعية حكامنا الذين سوقوا إعلاميا لانخراط الجزائر في هذا التجمع السياسي – الاقتصادي كأمر مفروغ منه وقابل للتحقيق قبل نهاية السنة، عكس ما آلت إليه الأمور في نهاية المطاف.
الجزائر تبقى في حاجة ماسة إلى تنويع اقتصادها، كما بينته نكسة البريكس من خلال مدخل السياحة، التي تملك فيها إمكانيات هائلة لو استغلت بالشكل الجيد، ليس أقلها التنوع الطبيعي والمكانة الجغرافية التي يمكن أن تحول الجزائر إلى وجهة أولى للسياح طول فصول السنة، في الصيف والشتاء لتوفر السياحة الجبلية والصحراوية، ولقربها من السوق الاوروبية، كما هو سائد في الحالة المغربية والتونسية القريبة التي يمكن للجزائر أن تتكامل – وتتنافس معهما في اتجاه خلق سوق سياحية مغاربية كبيرة يتعرف فيها أكثر أبناء المنطقة على بعضهم بعضا.
ليبقى الأهم من الجوانب الاقتصادية في موضوع السياحة الذي يهم الجزائر والجزائريين هذه الأيام أكثر، ذلك الانفتاح الذي يفرضه هذا القطاع على سلوكيات المواطنين والمواطنات، وهم ينفتحون على العالم ويتعرفون على أبناء الشعوب الأخرى التي فقدوا التواصل معها لمدة طويلة، من دون أن يفقدوا ما يميزهم كثقافة واعتزاز بالنفس وكرم، يسمح لبلدهم بالاستفادة من مصادر جديدة للقوة الناعمة تبقى الجزائر في حاجة إلى بنائها من جديد، كما هو حاصل في حالات دولية ناجحة، عن طريق منح دور أكبر للإعلام الجزائري الحر والمستقل، بما يفترضه من حريات فردية وجماعية يتمتع بها الجزائريون على الأرض، عكس ما هو حاصل في الوقت الحالي، تكون داعمة لحياة ثقافية وعلمية نشيطة، كبديل عن مصادر القوة الناعمة التي اعتمدت الجزائر لمدة طويلة عليها على غرار ثورة التحرير والدور التحرري الذي لعبته الجزائر بعد الاستقلال، ما يحيل حتما إلى الدور الذي يجب أن تضطلع به النخب الفكرية والسياسية في تجديد العقيدة الوطنية والمؤسسات السياسية المعبرة عنها، التي تآكلت شرعيتها مع الوقت وأصبحت أكثر محافظة وانغلاقا، كما بينه بشكل جلي خطاب إمام مسجد القدس بمدينة وهران – مثال فقط – وهو يطالب بمراقبة سلوك الجزائريين والجزائريات في تفاصيل حياتهم اليومية، في هذا الصيف الحار الذي فشلت فيه الجزائر في دخول نادي دول البريكس.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)