نبيل عمرو يكتب: ثبات الشعارات وتبدل ‏المهمات والحسابات

profile
نبيل عمرو كاتب وسياسي فلسطيني
  • clock 26 يناير 2022, 10:50:11 ص
  • eye 366
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ما تزال منظمة التحرير ‏محتفظة بشعارها الذي ولد ‏معها وهو ثلاثي المعاني ‏والدلالات.‏

وحدة وطنية.. تعبئة قومية.. ‏تحرير.‏

ولقد تأسست المنظمة ‏وشعارها حين كانت الضفة ‏الغربية وغزة متحررة من ‏الاحتلال، وكان المنطلق ‏آنذاك القدس. ‏

بعد رحلة شاقة وطويلة ‏تكرست منظمة التحرير ‏كقيادة لا تنازع للكفاح ‏الوطني الفلسطيني السياسي ‏والمسلح، وأضحت ذات ‏مكانة راسخة في حياة ‏الفلسطينيين، لدرجة ان ‏سميت بالوطن المعنوي ‏المؤدي الى الوطن الحقيقي، ‏أي الدولة الفلسطينية المستقلة ‏على جميع الأراضي التي ‏احتلت في العام 1967.‏

وفي مجال الشعار ما تزال ‏القوى السياسية الفلسطينية ‏المسماة بالفصائل كبيرها ‏وصغيرها تجمع على ‏مكانتها، وان اختلفت على ‏شروط الانضمام اليها، الا ‏ان منظمة التحرير من حيث ‏المهام تغيرت جذريا فهي من ‏قام بالاعتراف الثمين ‏بإسرائيل قبل ان تطأ اقدامها ‏مترا واحدا من الأراضي ‏المفترض ان تقيم دولتها ‏عليها، واذا ما دققنا في ‏الواقع العملي للمنظمة ‏ودورها كجسم تمثيلي قيادي ‏فإننا نراها قد احتجبت وراء ‏السلطة، ولم يعد لها من دور ‏سوى دعوتها حسب الطلب ‏لصيانة شرعيتها وشرعية ‏المستظلين بها.‏

الانفصام الظاهر بين ‏الشعارات القديمة التي ما ‏تزال متداولة كتراث أثري، ‏وبين الواقع الجديد الذي ‏تناقض فيه الشعارات ‏حسابات المصالح، هذا ‏الانفصام افرز احباطا شاملا ‏في المجتمع الفلسطيني كما ‏أدى الى تقلص الرهانات ‏والمطالبات، وهذا الواقع يجد ‏كثيرين يستثمرون فيه وفق ‏اجنداتهم ومصالحهم ‏الخاصة، ولكنه لم يجد بعد ‏من يستثمر جديا في اجتراح ‏حلول له. ‏


اما السلطة التي قالت ‏شعاراتها الأولى والتي ما ‏تزال مرفوعة انها الممر ‏المؤقت المؤدي الى الدولة، ‏وحدد لهذا الممر في ‏الاتفاقات الورقية خمس ‏سنوات، الا انها الان ظلت ‏باقية ليس وفق شعاراتها ‏وأدبياتها الأولى، وانما ‏ككيان متنازع عليه وتحت ‏عنوانه جرى تبدل جوهري ‏في المهام، فهي تجاهد ‏بصعوبة للاحتفاظ بما أسست ‏من اجله ولم يعد لها من ‏وظيفة تؤديها ابعد من رعاية ‏جزئية دائمة التعثر لمصالح ‏اهل الضفة ورعاية متعثرة ‏أكثر لمصالح اهل غزة. اما ‏الطريق الذي فتح لتجسيد ‏مقولة انها مقدمة للدولة ‏المستقلة فقد اغلق تماما ‏صحيح انه يجري حديث ‏عنه ولكن من يصدق.‏

اما الفصائل التي رغم كل ‏المتغيرات التي حدثت فيها ‏ومن حولها فلن تغير حرفا ‏واحدا من مسمياتها ‏وشعاراتها غير انها في واقع ‏الامر اندمجت موضوعيا في ‏ما يعاكس الشعار.‏

الفصائل التي كانت زمن ‏ازدهار منظمة التحرير ‏تتسابق على تقديم كل ما من ‏شأنه الحفاظ عليها ومنع ‏الانشقاقات من ان تصيب ‏جسمها وتنهي دورها، هي ‏الان ملتحقة موضوعيا ‏بالانقسام الرئيس الذي ‏عنوانه العام والمتداول فتح ‏وحماس، او غزة ورام الله،

شعار الفصائل الذي لا يغادر ‏البيانات واليافطات ‏والمؤتمرات هو الوحدة ‏الوطنية ووحدة منظمة ‏التحرير كاطار جبهوي ‏جامع، اما الواقع فيقول ‏عكس ذلك تماما، وانظروا ‏الى حال آخر مجلس وطني ‏عقد في رام الله ، وانظروا ‏الى المجلس المركزي الذي ‏ان انعقد هذه الأيام فلن يكون ‏رسالة وحدوية وانظروا الى ‏حال المنظمة في الشتات ‏حيث الشعار ما زال مرفوعا ‏باعتبارها الممثل الشرعي ‏الوحيد يقابله في الواقع ‏تمزقات وتمحورات تجسد ‏ابتعادا كاملا عن الوحدة ‏بالصورة التي كانت عليها ‏زمن الثورة والمنفى.‏

‏ ومع ان هذا التحليل يبدو ‏جارحا للنفوس والضمائر ‏وحتى ابسط المسلمات ‏الوطنية، الا انه يجسد ‏الحقيقة المجردة دون وجود ‏أي منطق لنفيها ويعزز هذا ‏أن أحدا من اللاعبين في ‏فرق الطبقة السياسية على ‏مختلف مسمياتها ليس لديه ‏من اجتهاد جدي مقنع ‏للمعالجة ذلك ان فاقد الشيء ‏لا يعطيه.‏

الانفصام الظاهر بين ‏الشعارات القديمة التي ما ‏تزال متداولة كتراث أثري، ‏وبين الواقع الجديد الذي ‏تناقض فيه الشعارات ‏حسابات المصالح، هذا ‏الانفصام افرز احباطا شاملا ‏في المجتمع الفلسطيني كما ‏أدى الى تقلص الرهانات ‏والمطالبات، وهذا الواقع يجد ‏كثيرين يستثمرون فيه وفق ‏اجنداتهم ومصالحهم ‏الخاصة، ولكنه لم يجد بعد ‏من يستثمر جديا في اجتراح ‏حلول له. ‏

التعليقات (0)