نتنياهو فقد سحره الدولي مع دخول بايدن البيت الأبيض

profile
رامي أبو زبيدة كاتب وباحث بالشأن العسكري والامني
  • clock 20 مارس 2021, 7:51:41 م
  • eye 743
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في مقال للمراسل العسكري الإسرائيلي ألون بن دافيد في "معاريف العبرية" جاء فيه، حُسم شيء ما، هذا الاسبوع، في المعركة الناشئة والمتصاعدة التي بيننا وبين إيران، وهي معركة تجري منذ الآن، في الجو، في البحر، في مجال السايبر، ووحده البعد الجغرافي يمنع انزلاقها في البر أيضا. في هذه المعركة تستند إسرائيل كثيرا الى الشركاء، وفي هذا الاسبوع بالذات، نجح رئيس الوزراء في أن يركل بقدم فظة شريكنا الاستراتيجي الاهم في المنطقة: المملكة الاردنية، وصديقتنا الجديدة: الامارات. كلاهما لم يبقيا صامتين فردا الركلة، والسعوديون هم ايضا أضافوا قدمهم الى الاحتفال.

كان هنا ظاهرا حدثان لم يكن اي سبب يجعلهما يصلان الى الازمة: زيارة نتنياهو الى الامارات، التي مهد لها رئيس «الموساد»، يوسي كوهن، بعمل جم، رغم التزامن السياسي الحساس، وزيارة الأمير الاردني، الحسين بن عبد الله، الى القدس، والتي هي الاخرى كان خطط لها مسبقا. أخطأ المستوى المهني، الذي تحفز نتنياهو ليزبد عليه من غروره القابل للاشتعال، وأصبحت الحادثتان معا وصفة انتهت بالانفجار.

كان الاماراتيون على علم جيد بالتوقيت الحساس للزيارة عشية الانتخابات، ولكن كوهن أرسل كي يمارس عليهم كل سحره، وهم، الذين يتحلون بالكياسة، استجابوا. تقررت زيارة بحد أدني في ابو ظبي – احتفال قصير، لقاء، وفرصة التقاط صور. وفي اثناء الاعداد للزيارة التي خطط لها، الخميس الماضي، لاحت مشكلة مع السعودية ليس واضحا حتى الآن، ما هو مصدرها: على مدى بضعة ايام لم تتلق الطواقم التي سافرت الى الامارات كي تعد الزيارة الاذن بالطيران في المجال الجوي السعودي. ومنعا للمشاكل تقرر ان يسافر نتنياهو الى عمان في طائرة إسرائيلية وينتقل هناك الى طائرة يبعثها الاماراتيون له.

وبالتوازي، كان يفترض أن تجري زيارة الامير الاردني الى القدس. وادار جهاز الامن العام «الشاباك» المسؤول عن حراسة الضيف المشاورات مع الاردنيين حول ترتيبات الحراسة. في البداية، طلب القصر ان يصل الأمير برفقة عشرات الحراس ممن يحمل بعضهم سلاحا طويلا. وتمكن جهاز «الشاباك» من تلطيف حدة الطلب وتخفيض عدد الحراس ونوع السلاح الذي سيحملونه.

كما طلب الأمير الخروج من النطاق المغلق للحرم وزيارة الكنائس في القدس، ما حول عملية حراسته وجعلها أكثر تعقيدا بكثير. تخوف رئيس «الشاباك»، نداف ارغمان، من تكرار الحادثة التي كانت للرئيس الفرنسي، جاك شيراك، مع الحراس الإسرائيليين، فعارض، ربما لم يفهم بأنه يدوس للأردنيين على دمل ملتهب ومنتفخ برواسب تراكمت ضد نتنياهو. انفجر الاردنيون غضبا والغوا زيارة الامير.

في الليلة بين الاربعاء والخميس، تبين أنهم اتخذوا رد فعل: فقد رفضوا الاذن لرحلة الطائرة الاماراتية، التي كانت تنتظر نتنياهو في عمان. في الثالثة فجرا، أيقظوا رئيس «الشاباك» لحديث فيديو عاجل مع الجهات التي أعدت زيارة رئيس الوزراء الى الامارات في محاولة لإصلاح الضرر، ولكن الاردنيين اغلقوا الهواتف ورفضوا تلقي المكالمات من نظرائهم الإسرائيليين. أطلعت هذه المحافل نتنياهو على آخر التطورات وهو الذي كان يفترض أن يسافر في السابعة صباحا، ولكن في هذه الاثناء أصيبت عقيلته بوعكة صحية، وبدلا من أن يسافر الى ابو ظبي سافر نتنياهو معها الى «هداسا».

قشة واحدة أكثر مما ينبغي

رد الفعل الاردني على الخلاف حول ترتيبات الحراسة كان بالفعل عديم التوازن. فمع قليل من الحكمة والحساسية من الطرفين كان يمكن حل المسألة دون الوصول الى الانفجار، ولكن رئيس الوزراء سارع لاتهامهم من على كل منصة ممكنة. في الاونة الاخيرة، اضاف مزيدا من الزيت الى الشعلة وتبجح بأن «الاردنيين يحتاجوننا أكثر مما نحتاجهم». لعل هذا كان صحيحا في الماضي، اما اليوم فإن التداخل بيننا وبين الاردنيين متبادل تماما.

إسرائيل والاردن هما شريكان استراتيجيان وثيقان، مثلما في قول بنجامين فرانكلن: إذا لم يكونا متعلقين الواحد بالآخر فسيكونان معلقين الواحد الى جانب الآخر. معظم الإسرائيليين على غير علم بعمق الحميمية التي بيننا وبين الاردنيين، وعلى ما يبدو ايضا لن يعرفوها ابدا. فالحدود الامنية الشرقية لإسرائيل لم تعد منذ زمن بعيد نهر الاردن، بل حدود المملكة الهاشمية التي خلفها تعتمل موبئات الشرق الاوسط، من الحرس الثوري وحتى «داعش».

وعليه فإن لإسرائيل مصلحة عليا في الحفاظ على استقرار المملكة. اذا سقط الاردن فسنضطر لأن نلتقي عن كثب كل هذه الجهات على طول 309 كم من حدودنا الشرقية. إسرائيل تعمل بتعاون عسكري مع المملكة.

يدعي السوريون بأن سلاح الجو الإسرائيلي يستخدم الاردن كرواق جوي للطيران شرقا، وكل من يعرف الجغرافيا يمكنه أن يتخيل كيف يمكن للاراضي الاردنية أن تشكل خشبة قفز لإسرائيل الى التهديدات في الشرق. بعد يومين من ترشيح المحادثات، بدأ الاردنيون يستجيبون لتوجهات رجال وزارة الخارجية والدفاع ممن سعوا لاطفاء الحريق. ولتجربتهم في الاهانات من نتنياهو، اوضح رجال القصر الملكي الهاشمي بأن قنوات العمل المشتركة لن تتضرر. ولكن عندها توجه نتنياهو لتخريب العلاقات مع الشريك الجديد: الامارات.

بينما كان يحاول ان يعيد تنسيق الزيارة الى ابو ظبي، جند رئيس الوزراء الاماراتيين لدعايته الانتخابية وأعلن بأنهم يعتزمون استثمار 10 مليارات دولار في إسرائيل، او 40 مليار شيكل على حد قوله (واضح أن نتنياهو لم يطلع منذ زمن بعيد على سعر الدولار). وكانت هذه بالنسبة للإماراتيين قشة واحدة أكثر مما ينبغي، فأصدروا بياناً اديبا يوضح بأنهم ليسوا طرفا ولا أداة في معركتنا الانتخابية. وفي القنوات الخاصة اوضحوا بأن نتنياهو لن يستقبل عندهم قبل الانتخابات وكذا القمة مع إسرائيل والسودان التي خططوا لاستضافتها في نيسان معلقة حتى اشعار آخر.

يبدو أن نتنياهو لم يستوعب ان سحره الدولي تبدد مع دخول بايدن البيت الابيض. فبعد أربع سنوات كان يعد فيها كمن يحمل كل المفاتيح للعاصمة الأميركية، فإن نتنياهو بعد ترامب لم يعد «مستوى اعلى»، بل وحده، في مستواه الخاص. «هكذا ينقضي المجد»، كما كانوا يقولون في الفاتيكان في احتفال تعيين البابا الجديد، وفي هذه الاثناء يشعل راهب امام البابا الوافد قطعة قماش تتآكل كتذكير بأن الانسان بالإجمال هو ايضا مؤقت ومتآكل. في محيط نتنياهو لا يوجد، اليوم، اي راهب يمنحه درس التواضع هذا.


التعليقات (0)