هاني بشر يكتب: السينما السياسية التركية وصورة الزعيم

profile
  • clock 19 مايو 2023, 12:34:05 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يلعب الطفل رجب طيب أردوغان في أحد شوارع حي قاسم باشا في إسطنبول، ويشهد مظالم شخصية واجتماعية تتنافى مع طبيعته المثالية، فيحلم بالإصلاح. تمر الأيام ويكبر وينخرط في عضوية حزب الرفاه، ويجلس وسط مجموعة من الناس وسط سوق شعبي، ويتحدث عن اقتباس من الشاعر التركي الراحل محمد عاكف إرسوى قائلا: لكل ليلة مظلمة صباح، ولكل شتاء ربيع. يمضي بعدها إلى أحد الشوارع وسط أعلام وملصقات الحزب قبل أن يستوقفه مسنّ فينحني أردوغان ليقبل يديه في الفيلم التركي "الرئيس" من إخراج هودافيردي يافوز عام 2017.

وقد عرض الفيلم في صالات العرض السينمائية التركية قبيل استفتاء عام 2017 الذي شهد تحولا عن نظام الحكم البرلماني إلى الرئاسي. وتضاربت الأنباء والآراء حول مدى الدعم السياسي الذي قد يكون حظي به الفيلم رغم نفي القائمين عليه أن تكون له أهداف سياسية. وهو أحد الأفلام التي تنخرط بشكل مباشر في القضايا السياسية التركية، وقد تمكن المشاهدون الأتراك حينئذ، في هولندا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا، من مشاهدته رغم أن موقع تقييم الأفلام "آي إم دي بي" (IMDB) أعطاه تقييما منخفضا.

وكان الرئيس التركي محور هذا الفيلم منذ كان صبيا وحتى ترأس بلدية إسطنبول، لكنه (الفيلم) لم يعالج الفترة التي تولى فيها رئاسة الوزراء، وكأنه بذلك تأريخ لجذور أردوغان ونشاطه السياسي والخدمي قبل أن يتولى مقاليد الحكم. لكن الفيلم لعب بشدة على وتر الرئيس ووظف خطبه في سياق الأحداث. والذين يفهمون اللغة التركية سيدركون أن أردوغان لا يلقي خطبا حماسية رنانة فحسب، بل يقدم دراما لغوية مليئة بالشعر والاقتباسات وهو ما أبرزه الفيلم ليرسم صورة زعيم لا مجرد رئيس عادي.

 

ولم يترجم الفيلم إلى لغات أخرى، ولم تتح للجماهير غير الناطقة بالتركية مشاهدته، ولهذا لم يحظ بالشعبية ذاتها التي تحظى بها الدراما التركية. يأتي هذا في سياق تراجع واضح للسينما السياسية التركية لأسباب عديدة سنعرض لها في هذا المقال.

وكان الفيلم المحاولة السينمائية الثانية في تركيا لتجسيد شخصية أردوغان على شاشة السينما بعد فيلم "كود كي أو زد" (Code Name: K O Z) للمخرج التركي جلال شيمين وإنتاج عام 2015، وقد كان من الأفلام النادرة التي تنبأت بمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016، إذ دارت أحداثه حول محاولة اغتيال رئيس الوزراء من قبل جماعة محظورة خارج البلاد، ورغم هذا لم يحقق الفيلم نجاحا كبيرا سينمائيا، ولأسباب غير مفهومة لم يترجم إلى العربية رغم تجسيده لعلاقات سياسية تركية معقدة أصبحت تشكل عناوين الأخبار بعدئذ.

ويبدو أن هذه المحاولات السينمائية جاءت رغبة من القائمين عليها في أن يمضوا بالسينما السياسية التركية إلى الأمام مستفيدين من رمزية الرئيس وموقعه الذي يعد في تركيا أكثر من مجرد منصب سياسي على رأس الدولة، إذ هو حالة اجتماعية محملة بمسؤوليات وتراث، ولذلك كان وصف الزعيم هو الأقرب لهذا المنصب.

ظاهرة السينما السياسية التركية

تعد الأفلام التي تصور الرئيس التركي (أي رئيس) جزءا من ظاهرة السينما السياسية التركية، وهي ظاهرة نشيطة منذ الستينيات طرأت عليها تحولات ومتغيرات كثيرة رصدتها الدكتورتان زينب جيتين إيروس وإليف ديمو أوغلو أستاذتا الدراسات السينمائية بجامعة مرمرة التركية بفصل كامل في كتاب جامعة أوكسفورد البريطانية عن السياسة التركية.

وترى إيروس وديمو أوغلو أن القيم النيو ليبرالية قد أثرت بشكل كبير على رؤية السينمائيين والمخرجين للتغيير والسياسة. فقد عززت هذه القيم من الفردانية إلى حد كبير، ولهذا توارت الأفلام التي كانت تحض بشكل مباشر على التغيير الاجتماعي والقيام بنشاط لحساب أفلام أخرى تتحدث عن معاناة الفرد مع الوضع المعيشي. وتزامن هذا مع قمع الحركات العمالية في أعقاب الانقلاب العسكري عام 1980 والتي كان لها مخرجون يساريون ينتجون أفلاما تعكس رؤيتهم. الأمر الذي اختلف بعد هذا الانقلاب العسكري الذي لم يستهدف المتدينين فحسب، بل كان موجها أيضا إلى الحركات اليسارية فأصابها في مقتل على أصعدة مختلفة منها إنتاج الأفلام. لهذا جرف هذا التغيير الهم والشأن العام من السينما لحساب التركيز على القضايا الشخصية والذاتية.

 

تعد الأفلام التي تصور الرئيس التركي (أي رئيس) جزءا من ظاهرة السينما السياسية التركية، وهي ظاهرة نشيطة منذ الستينيات طرأت عليها تحولات ومتغيرات كثيرة

وقد شهدت فترة الثمانينيات أفلاما سياسية قوية ترصد التبعات والآثار الاجتماعية والسياسية لانقلاب عام 1980 مثل فيلم "الطريق" (Yol) للمخرج يلماز كوني إنتاج عام 1982. وقد حظر عرضه في تركيا لمدة 17 عاما بعد إنتاجه رغم حصوله في العام ذاته على جائزة مهرجان كان السينمائي الدولي. ويحكي عن قصة 5 مساجين يحصلون على إذن قانوني بمغادرة السجن لمدة أسبوع. وعندما يعودون إلى بلداتهم يتفاجؤون من كم التحول الكبير الذي طرأ على المجتمع. ويعرض للأوضاع السيئة للأكراد وقتئذ والفوارق الطبقية الشاسعة بين الأحياء التركية المختلفة.

ومع دخول الألفية الجديدة، بدأت موجة جديدة من الأفلام السياسية منها ما يتعرض لجراح الماضي السياسية مثل فيلم "آلام الخريف" للمخرج التركي تومريس جيريليو أوغلو إنتاج عام 2009 والذي يرصد قصة أعمال الشغب التي طالت الأقلية اليونانية في البلاد عام 1955، وهي مأخوذة عن كتاب يحمل الاسم نفسه للوزير السابق يلماز كاراكويونلو.

وغني عن البيان أن الأفلام التي تجسد الرئيس الراحل مصطفى كمال أتاتورك أكثر من أن تحصى، وهي تندرج أيضا تحت تصنيف الأفلام السياسية. لكنها تحظى بخصوصية لأنها تتناول شخصية لا يمكن المساس بها قانونا. وكان آخرها فيلم "أول خطوة-1919" للمخرج عبد الله أوغوز إنتاج 2019، ويروي قصة أتاتورك مع رفاقه أثناء حرب الاستقلال التي بدأت عام 1919 في خضم الحرب العالمية الأولى.

 

كلمات دليلية
التعليقات (0)