هاني بشر يكتب: تجربة التعاون السينمائي بين مصر والسودان

profile
  • clock 4 مايو 2023, 3:45:45 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

جلس المخرج السوداني سعيد حامد في مؤتمر صحفي في أحد فنادق القاهرة عام 2009 ليكشف عن مفاجأة فنية تتعلق بالإعلان عن فيلم جديد بعنوان "الطريق إلى دارفور". وزاد من أهمية الحدث حضور الفنان الراحل عمر الشريف الذي أكد أنه قد يكون أحد النجوم المشاركين في الفيلم.

حضر الحفل عدد كبير من النجوم منهم محمد هنيدي وأشرف عبد الباقي وطلعت زكريا وفتوح أحمد وغيرهم. حينها قطع حامد الطريق على الربط بين الفيلم والأحداث السياسية، معلنا أنه يتناول قضية دارفور من الناحية الإنسانية فقط ولا يتطرق للجوانب السياسية، وأنه إنتاج مصري سوداني إماراتي مشترك.

مضى عام تلو آخر دون أن يرى الفيلم النور لأسباب مجهولة، وحين حاصر الصحفيون سعيد حامد بأسئلتهم حول الفيلم عزا الأمر لتكاليف الإنتاج، وكانت الميزانية المرصودة للفيلم حينئذ تناهز 10 ملايين دولار، إضافة لميزانية مشروع ترجمته لعدة لغات وخطط عرضه في عدة دول.

وبذلك انضم فيلم "الطريق إلى دارفور" إلى قائمة الأفلام الواعدة التي لم تر النور، رغم حالة الاهتمام الإعلامي التي أحاطت الإعلان عنه والتي كان أحد أسبابها أيضا مشاركة ممثلين من مصر والسودان ومن العالم العربي وتشاد وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا. بعدها ركز سعيد حامد جهوده على المسرح والدراما التلفزيونية.

وتعد تجربة المخرج السوداني سعيد حامد إحدى أبرز حالات النجاح في السينما المصرية لمخرجين غير مصريين استطاعوا التعبير عن الروح المصرية. وهي تجربة فردية للتعاون السينمائي بين مصر والسودان، لكن لا أبالغ إذا قلت إنه صنع بصمة مهمة في السينما المصرية خلال مطلع الألفية.

فحامد الذي تجاوز عامه الستين، ولد وتربى في السودان قبل أن ينتقل للقاهرة مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ليدرس السينما ويشق طريقه الفني منتقلا من نجاح لآخر، بادئا من أدنى السلم المهني في صناعة السينما بوظائف في إدارة مواقع التصوير والديكور، قبل أن يصبح مساعد مخرج ثم مخرجا، وتعتبر قصته المهنية قصة كفاح حقيقي توّجت بنجاح باهر.

 

استطاع حامد عبر عدد من الأفلام أن يصوغ علاقة جديدة بين الجنوب والشمال، فقد قدم أهل الصعيد في إطار كوميدي شبابي أصبح من علامات السينما المصرية في العقود الأخيرة، وهو فيلم "صعيدي في الجامعة الأميركية" عام 1998، ورسم خلاله ملامح مثلث العلاقات الاجتماعية المعقدة بين أهل وجه قبلي (الصعيد) وأهل وجه بحري (شمال مصر) والتأثير الغربي عليهما. بعدها صاغ علاقة أخرى في القالب الكوميدي ذاته، ولكن بين أهل جنوب البحر المتوسط وشماله الأوروبي في فيلم "همام في أمستردام" عام 1999.

اعتبر كثيرون سعيد حامد أحد من دشنوا ظاهرة السينما النظيفة، ورغم أن المصطلح جدلي في الوسط السينمائي ولا يتبناه حامد ولم يروج له إعلاميا، فإنه ظل حقيقيا من الناحية الواقعية

تجنب حامد التطرق المباشر لقضايا سياسية في أفلامه، لكنه حام حولها وحول تأثيراتها الاجتماعية، ففي فيلم "طباخ الرئيس" عام 2008 التقط أهم نقطتين تقعان في هرم الاهتمامات المصرية، وهما الرئيس والطعام، ومزج بينهما بطريقة مدهشة. وفي فيلم "جاءنا البيان التالي" عام 2001 قدّم عالم الفضائيات الإخبارية الذي كان صاعدا وقتها، وتطرق لقضايا الشيشان وفلسطين بشكل كوميدي وعميق.

وتندرج هذه الأفلام بشكل عام تحت عنوان "السينما النظيفة"، أي السينما الخالية من مشاهد عري وقبلات وألفاظ تخدش للحياء. واعتبر كثيرون سعيد حامد أحد من دشنوا هذه الظاهرة السينمائية -أعني السينما النظيفة-، ورغم أن المصطلح جدلي في الوسط السينمائي ولا يتبناه حامد أو يروج له إعلاميا، فإنه ظل حقيقيا من الناحية الواقعية.

التعاون السينمائي بين مصر والسودان

لم يحصل سعيد حامد على الجنسية المصرية حتى الآن رغم إقامته أكثر من 40 عاما في البلاد، وقبل عدة سنوات أُعفي من شروط الإقامة فقط. ورغم هذا، فهو من الداعين بقوة للتعاون السينمائي ليس بين مصر والسودان فحسب، بل بين مصر والدول الأفريقية.

وفي عام 2015، أطلق مع مجموعة فنانين من مصر والسودان في الخرطوم "مبادرة أبناء النيل" لتعزيز التعاون التراثي والثقافي والمعرفي بين البلدين. وأعرب حامد وقتها عن أن أمله بأن تتمخض المبادرة عن أفلام وثائقية عن القارة الأفريقية تعكس فنونها وثقافتها. وحينها، جرى استقبال الوفد المصري الزائر للخرطوم استقبالا رسميا وشعبيا كبيرا. ولكن -للأسف- لم يحدث أبعد من ذلك.

 

وبهذا فمن الناحية الرسمية، لا يوجد إطار للتعاون السينمائي بين مصر والسودان. فلكلا البلدين مؤسسات ثقافية وسينمائية مستقلة، وإن كانت هناك محاولات للتعاون على صعيد الإنتاج والتوزيع؛ فقبل 3 أعوام تقريبا دشن مسؤولون سودانيون إعادة افتتاح دار عرض سينمائي -بعد إغلاقها 30 عاما- بفيلم مصري هو "أبلة طمطم" للمخرج المصري علي إدريس من إنتاج عام 2018.

أما من الناحية العملية، وكما هي العادة، فقد تجاوز العاملون في القطاع السينمائي الأطر الرسمية، وانخرط كثير من المنتجين والمخرجين وحتى محرري الصور (المونتيرين) في مشروعات أفلام مشتركة، حقق كثيرٌ منها نجاحا كبيرا.

ومن أبرز الممثلين السودانيين في السينما المصرية كان الراحل إبراهيم خان، ومن أبرز الأعمال التي جمعت فرقي عمل مصري وسوداني كان فيلم "رحلة عيون" للمخرج السوداني أنور هاشم عام 1983 وشارك فيه من مصر سمية الألفي والراحل أمين الهنيدي، وتدور قصته حول شابين من السودان وصلا القاهرة للدراسة، أحدهما يعيش ظروفا اقتصادية صعبة لكنه يكافح فيحقق نجاحا، والآخر ميسور الحال لكنه فاشل. ومن أمثلة الأفلام المصرية الحديثة فيلم "ستموت في العشرين" إخراج أمجد أبو العلا عام 2019، وشارك في إنتاجه المنتج المصري حسام علوان وشركة فيلم كلينك المصرية.

 

 

كلمات دليلية
التعليقات (0)