هلال نصّار يكتب : إنعكاسات الجرائم الإلكترونية على المجتمع ورؤية قانونية

profile
هلال نصّار كاتب وباحث فلسطيني
  • clock 21 مارس 2022, 8:58:52 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

شهد العالم تطوراً كبيراً ونقلة نوعية في كيفية التواصل فيما بين البشر، بدءاً بالوسائل البسيطة وصولاً الى تطور هائل بالتكنولوجيا تمثل في ظهور الحواسيب والأجهزة المحمولة، وانتشار شبكة ضخمة من المعلومات الالكترونية وهي ما تعرف بشبكة الانترنت، الأمر الذي أحدث فارقاً عظيماً في حياة البشرية وحمل فوائد جمة لا تعد ولا تحصى ،

 إذ عمل هذا التطور الهائل على تقريب المسافات وسهولة الاتصال والتواصل بين أشطار العالم وتكوين صداقات ومعارف جديدة خارج نطاق الأسرة، ولكن لا يكاد يخلو شيء من الفجوات وهذا حال ذلك التطور الذي أفضى الى ظهور العديد من المشاكل والتي أصبحت تشكل عائق أمام تحقيق أهداف التطور والتقدم، 

ومن هذه المشاكل الجرائم الإلكترونية؛ بحيث شهدت انتشاراً كبيراً في الواقع البشري نتيجة للتطور الحاصل في وسائل التواصل الاجتماعي والاقبال المتزايد على تلك المواقع التي استهدفت العديد من الفئات المجتمعية كالأطفال والفتيات والمراهقين ورجال الأعمال وغيرهم، وقد أصبحنا في عصر انتشار تكنولوجيا المعلومات أكثر عرضة للوقوع كضحايا للجرائم الإلكترونية، 

فانتشار التكنولوجيا ووسائل الإتصال الحديثة يعد سلاح ذو حدين، لذا يمكن استخدامهم من أجل تسهيل الإتصالات وانتقال الثقافات المختلفة حول العالم وتقريب المسافات بين الدول والحضارات المختلفة، ولكن يمكن أيضاً استخدامهم في التسبب بأضرار جسيمة لأشخاص بعينهم أو مؤسسات كاملة من أجل خدمة أهداف سياسية أو مادية أو شخصية.

 

الجرائم الإلكترونية (المعلوماتية): 

بدأت في الانتشار بشكل واسع في الآونة الأخيرة، وقد اختلف الفقهاء في تعريفها، فهناك من عرفها على أساس موضوع الجريمة وهناك من عرفها على أساس وسيلة ارتكاب الجريمة وعلى أساس الهدف من الجريمة ولها عدة سمات أهمها: أنها جرائم عابرة للدول

، تمارس ضمن إطار الشبكة العنكبوتية، وتُرتكب من طرف مجرم معلوماتي يتسم بالمهارة والمعرفة والذكاء، كما أنها صعبة الإثبات، فقد قسمها الفقه الجنائي الإسلامي وقانون العقوبات إلى جرائم واقعة بواسطة النظام المعلوماتي، وجرائم واقعة على النظام المعلوماتي،

 وقد تعددت وسائل الكشف عن الجرائم الإلكترونية سواء من الناحية الفقهية أو القانونية، وللشريعة الإسلامية دور مهم في مكافحة هذه الظاهرة الإجرامية، فيما لم يتم وضع مفهوم واضح من قبل المشرع لـ الجرائم الإلكترونية وما زال هناك اختلاف حول ماهيتها ولكن يمكن اعتبارها بأنها سلوكيات غير قانونية يقدم على ارتكابها فرد أو مجموعة من الأفراد بواسطة الأجهزة الذكية والمواقع الالكترونية، بهدف تحقيق مكاسب مختلفة،

 ويكون ذلك عن طريق ابتزاز الضحية وتهديدها وتخريب صورتها أمام المجتمع الواقعي والافتراضي، أما بحسب وجهة نظر المجتمع الدولي فقد اعتبر الجريمة الالكترونية بأنها ممارسات وأعمال تتعلق بجهاز الحاسوب تسعى لتحقيق مكاسب مادية أو شخصية أو التسبب بضرر، وأطلق عليها آخرون هي فعل يتسبب بضرر جسيم للأفراد أو الجماعات أو المؤسسات، بهدف ابتزاز الضحية وتشويه سمعته من أجل تحقيق مكاسب مادية أو خدمة أهداف سياسية باستخدام الحاسوب ووسائل الإتصال الحديثة مثل الإنترنت،

 فتكون الجرائم المعلوماتية بهدف سرقة معلومات واستخدامها من أجل التسبب بأذى نفسي ومادي جسيم للضحية، أو إفشاء أسرار أمنية هامة تخص مؤسسات هامة بالدولة أو بيانات وحسابات خاصة بالبنوك والأشخاص، 

حيث تتشابه الجريمة الإلكترونية مع الجريمة العادية في عناصرها من حيث وجود الجاني والضحية وفعل الجريمة، ولكن تختلف عن الجريمة العادية باختلاف البيئات والوسائل المستخدمة، فالجريمة الإلكترونية يمكن أن تتم دون وجود الشخص مرتكب الجريمة في مكان الحدث، كما أن الوسيلة المستخدمة هي التكنولوجيا الحديثة ووسائل الإتصال والشبكات المعلوماتية، ويقصد بها أي فعل يرتكب متضمنا استخدام وسيلة أو نظام أو شبكة الكترونية بطريقة غير مشروعة تخالف أحكام القانون،

 والجريمة الالكترونية المكتملة الأركان فيها جانٍ ومجني عليه وأداة للجريمة وتتفق مع أركان الجريمة التقليدية في الركن القانوني المعنوي والمادي، وتتجلى خطورتها في سهولة ارتكابها وتنفيذها واخفاءها في دقائق معدودة، لذلك تعتبر من أخطر جرائم العصر كونها ذات تطور مستمر وتعد من الجرائم العابرة للحدود، بالإضافة لأنها ذات تأثير يؤدي الى انعكاسات وأضرار على المجتمع في مختلف جوانبه، ومن الممكن أن تكون سبباً لارتكاب جرائم أخرى.

 

مخاطرها على المجتمع : 
تشكل الجرائم الالكترونية وباء ينهش ويفتك بأمن وسلامة المجتمع، ويلحق به العديد من المخاطر والأضرار لعل من أهمها: 
هدم بناء الأسرة وتفككها من خلال ارتكاب نوع معين من الجرائم بحق أحد أفراد الأسرة، بالإضافة إلى الإساءة بسمعة الأفراد واظهارهم بصورة غير لائقة أمام المجتمع والمحيط من حولهم،

 كما أن من المخاطر أيضاً التسبب بالأضرار الاقتصادية للدولة من خلال تدمير النظام الاقتصادي عن طريق التطفل على خصوصيات الدولة وعلى الأموال العامة، كما وأنها تشكل خطراً على سيادة الدولة فمن الممكن أن تؤدي الى حدوث انقلابات سياسية وارتكاب أعمال إرهابية، وبما أن وسيلة التواصل والتسلية والترفيه أصبحت عن طريق التكنولوجيا فإن انتشار تلك الجرائم من شأنه تنشئة جيل فاسد لا يعطي أي اعتبارات لمبادئ الأخلاق والإنسانية،

 كذلك التسبب بأضرار نفسية للضحية قد تؤدي به للتفكير بإهدار حياته نتيجة خوفه من الابتزاز، ومن الممكن أن يتم إهدار روح الضحية من قبل المجرم ذاته عند عجزه عن تنفيذ تهديداته، أو قيامه بنشر الأخبار الكاذبة وتضليل الناس عن الحقائق، ونشر معلومات مُخلة بالنظام العام والآداب، كذلك إلحاق ضرر بالذمة المالية للشخص ضحية التهديد نتيجة اقدامه على دفع مبالغ ضخمة مقابل التخلص من التهديدات. 

الموقف القانوني : 
من المعروف بأن القوانين والتشريعات وجدت أساساً لتوفير جو من الأمن والاستقرار والسيادة، والمشرع يضع القوانين التي تلائم المجتمع ويضع حلاً للمشكلات والمعيقات فيه، وهذا حال المشرع الفلسطيني فهو لم يتجاهل عظم وخطر موضوع الجرائم الإلكترونية وإنما كان على مدركاً خطورة هذه الجريمة على النظام العام وعلى المجتمع الفلسطيني وقام بمحاولات عدة للحد منها، ولم يغفل عنها وبالتالي تنطبق الأحكام الواردة في القرار بقانون على كافة أشكال الجرائم الإلكترونية التي تم النص عليها وعلى جميع المشاركين في ارتكابها، 

بالإضافة الى أفراد جهة في أجهزة الشرطة وقوى الأمن من مأموري الضبط القضائي تختص بملاحقة الجرائم الإلكترونية والتي أطلق عليها مسمى "وحدة الجرائم الإلكترونية" والتي تبقى بشكل دائم متأهبة لاستقبال أية شكاوي أو طلبات من أفراد تعرضوا لمثل هذه الجرائم وتتساعد معها النيابة العامة والتي أوكلت لنفسها مهمة التصدي لتلك الجرائم، 

إضافة إلى قانون الاتصالات الفلسطيني رقم (3) لسنة 1996 الذي قام بتبيان بعض أحكام الجرائم الإلكترونية في بعض نصوصه، وبخصوص الدعاوي التي تُرفع عن جرائم الابتزاز والتهديد أو أية جريمة الكترونية فيتم النظر والبت فيها أمام المحاكم النظامية العادية، أما على الصعيد الدولي فأيضاً لم يتم إهمال الجريمة الإلكترونية نظراً لشدة خطورتها على كافة الأطراف والفئات والدول بحيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً لمكافحة استخدام التكنولوجيا لأغراض وأهداف إجرامية.

الأهداف المبتغاة من ارتكاب هذه الجرائم : 
مما لا شك فيه بأن أي شخص قد يكون عُرضة للوقوع ضحية لتلك الجرائم وضحية للمجرمين المعلوماتيين الذي يستخدمون وسائل شتى لإيقاع الشخص ضحية لهم ساعين لتحقيق أهداف متعددة، تتمثل في:


طبيعة هؤلاء الأشخاص الداخلية القائمة على التطفل على حسابات الآخرين وسرقة معلوماتهم بطرق غير مشروعة ودون إذنهم.


تحقيق الربح المادي من خلال ابتزاز الآخرين والحصول على مقابل مادي منهم أو من خلال سرقة الحسابات البنكية والاستحواذ عليها ولعل هذا الهدف هو أهم ما يسعى إليه المجرم بحيث أن بعضهم يعتبرون بأن ممارستهم لتلك الجريمة يُشكل دخل مادي لهم كما وأنه أصبح هناك شركات توظف الأشخاص للقيام بعمليات الابتزاز والتزوير والاحتيال والسرقة من وراء شاشات الحاسوب ودون معرفة هويتهم.


التشهير بسمعة أشخاص قد يكون المجرم على علاقة ليست بجيدة به، فيدفعه بغضه الشديد الى استغلال منصات التواصل الاجتماعي للتشهير به والقاء الاتهامات الباطلة بحقه وقدحه وذمه.


لذا من الممكن أن يلجأ بعض الأشخاص إلى ممارسة نوع من أنواع الجرائم تلك بغرض التسلية بحسب معتقده للحصول على معلومات سرية وهامة قد تتعلق بأفراد أو بشركات أو وزارات واستخدامها كأداة للابتزاز لتحقيق مطالب معينة، أو محاولة للبحث عن الذات والحصول على التقدير ظناً من مرتكبيها بأن اقدامهم على ارتكاب تلك الجرائم يؤدي إلى زيادة شهرتهم وظهورهم.

طرق مكافحة الجرائم الإلكترونية والحد من انتشارها :
مكافحة هذه الجرائم تتمثل بشكل أساسي باستخدام وسائل التأمين والحماية للأجهزة المستخدمة وعدم التعامل مع أي شخص مجهول الهوية على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، وعدم فتح مواقع أو روابط مشكوك بأمرها، والتجنب قدر الإمكان من نشر المعلومات الشخصية واليوميات الخاصة على تلك المنصات المختلفة، بالإضافة الى نشر التوعية وعقد الندوات والدورات حول خطورة الجرائم الإلكترونية وحول آلية التصرف في مثل هذه المواقف،

 أما في حالة وقوع الشخص ضحية للجريمة فأهم ما يجب فعله هو الاحتفاظ بأدلة التهديد والابتزاز سواء أكانت لقطة شاشة للمحادثات المتبادلة ما بين الجاني والضحية أو التسجيلات الصوتية أو أي شيء يخص الجريمة، إضافة إلى حجب أي وسيلة تواصل مع الجاني وعدم مساومته أو التجاوب معه أو الرضوخ لطلباته وتهديداته، والتوجه بشكل مباشر دون أية مخاوف إلى تقديم شكوى في الشرطة أو وحدة مكافحة الجرائم وطلب مساعدتهم.


توعية الأشخاص بكل مكان عن أسباب حدوث الجرائم المعلوماتية وكيفية تنفيذها، فالإعلام له دور هام في توعية المواطنين عن مدى خطورة الجرائم الإلكترونية، كما يجب الإشارة أيضاً إلى كيفية التعامل معها والحماية منها.


تجنب نشر أي صور شخصية أو معلومات شخصية على مواقع التواصل الإجتماعي أو أي مواقع أخرى، وذلك حتى لا تتعرض للسرقة ومن ثم الإبتزاز من قبل مرتكبي الجرائم الإلكترونية.
عدم كشف كلمات المرور لأي حساب سواء كان حساب مصرفي أو بطاقة ائتمان أو حساب على موقع معين بالإنترنت، كما يجب أيضاً تغييرها باستمرار لضمان عدم وقوعها الأيدي الخاطئة.


تجنب استخدام أي برامج مجهولة المصدر، كما يجب تجنب ادخال أي أكواد أو كلمات مرور مجهولة تجنباً للتعرض للقرصنة وسرقة الحسابات المستخدمة.


تجنب فتح أي رسائل إلكترونية مجهولة، وذلك حتى لا يتم اختراق نظام الحاسوب لديك وسرقة كل ما عليه من مععلومات شخصية وحسابات وكلمات المرورو الخاصة بك.
تثبيت برامج حماية من الفيروسات والإختراقات من أجل الحفاظ على سلامة الجهاز المستخدم وسرية ما به من معلومات.


وضع قوانين عقوبات رادعة لمرتكبي الجرائم المعلوماتية، وذلك للحد من انتشارها، وتطوير طرق ووسائل لتتبع مرتكبي الجرائم الإلكترونية بشكل دقيق والإمساك بهم. 
هناك أيضا بعض البرامج التى تساعد بشكل كبير فى الحفاظ على البيانات والمعلومات من الاختراق والسرقة , لأنها من شئنها  أن تحمى وتراقب تدفق البيانات داخل الشركات وفرض الرقابة والحماية الكاملة على أماكن تخزينها.

الخلاصة/ هذه الجريمة كبيرة ومتفشية في المجتمعات وتكاد تشكل ظاهرة دولية وعالمية خطيرة، من هنا أعلنت جهات رسمية بقطاع غزة عن عقدها المؤتمر العلمي الدولي الأول بعنوان/ "الجريمة الإلكترونية ..

 المخاطر وسُبل المواجهة القانونية"، خلال الأيام المقبلة، هذا ومن جانبها، أعلنت دائرة الجرائم الالكترونية بغزة: "أنها تستقبل قرابة 500 شكوى شهرياً، بمعدل 200% نسبة زيادة الجرائم الإلكترونية خلال 2022" مما يدلل على زيادة مستوى الجريمة واتساع حلقتها وارتفاع نسبة خطورتها سواء من جانب الاحتلال الصهيوني لمحاولات التجنيد والاسقاط أو فضاء الخبث الإلكتروني الواسع والمجهول


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)