وطن بلا حقوق اجتماعية .. مصر نموذجاً

profile
مصطفي إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك
  • clock 4 مارس 2021, 1:41:00 ص
  • eye 953
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لكل إنسان حقوق كفلتها له إنسانيته وأقرتها الأمم المتحدة والمواثيق الدولية، وتتنوع هذه الحقوق بين حقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية ومدنية ..وهي حقوق مكفولة ومتأصلة لجميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو مكان إقامتهم، أو نوع جنسهم، أو أصلهم الوطني أو العرقي، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر. . وجميع هذه الحقوق مترابطة ومتآزرة وغير قابلة للتجزئة.

وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عامي 1945 و 1948، على التوالي ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يعتبر أساسا لهذه المجموعة من القوانين. ومنذ ذلك الحين، وسعت الأمم المتحدة قانون حقوق الإنسان تدريجيا ليشمل معايير محددة للنساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة والأقليات والفئات الضعيفة الأخرى، الذين يملكون الحقوق التي تحميهم من التمييز الذي طالما كان شائعا في العديد من المجتمعات ([1]).

ودخل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيز التنفيذ في عام 1976، حيث أصبحت 164 دولة طرفا فيه في نهاية أكتوبر 2016([2])...

وقد سبق لنا مناقشة الحقوق الاقتصادية في مصر وخلصنا فيه إلى غيابها بشكل شبه تام.

ويناقش التقرير التالي الحقوق الاجتماعية للمواطن كما أقرتها العهود والمواثيق والمنظمات الدولية وذلك من خلال المحاور التالية :-

و- الحق في الضمان الاجتماعي :

عالج الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة1948 حق الانسان في الضمان الاجتماعي في المادة الثامنة والعشرون منه ( لكل شخص بصفته عضوا في المجتمع الحق في الضمان الاجتماعي وفي إن تحقق وساطة المجهود القومي والتعاون الدولي وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي لا غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته ) ([3] ) .

كما ورد النص على حق الانسان في الضمان الاجتماعي في المادة التاسعة من العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لسنة 1966 بنص مقتضب جاء فيه ( تقر الدول الاطراف في الاتفاقية الحالية بحق كل فرد في المان الاجتماعي بما في ذلك التامين الاجتماعي ) ([4] ) .

وحددت المادة 18 من الاعلان الامريكي لحقوق الانسان لسنة 1948 شروط استحقاق الضمان الصحي وذلك بنصها على ( لكل شخص الحق في الضمان الاجتماعي الذي يحميه من عواقب البطالة والشيخوخة أو اية اعاقة تنشاء عن اسباب خارج نطاق سيطرته والتي تجعل من المستحيل بالنسبة له بدنيا أو ذهنيا إن يكسب رزقه ) ([5]).

وتناولت المواد 12 و13و14من الميثاق الاجتماعي الأوروبي المعدل لسنة 1996 الحق في الضمان الاجتماعي باحكام في غاية الدقة والاهمية حيث الزمت الدول الاعضاء باقامة أو ادامة نظام للتضامن الاجتماعي والزمتها كذلك بالحفاظ على مستوى ذلك النظام وبمستوى مرض على الاقل وذلك من خلال منح أي شخص المساعدة الكافية وكذلك المساعدة اللازمة في حالة المرض وبشرط إن لايعاني الاشخاص الذين يتلقون مثل هذه الاعانات من تقليص حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أو السياسية أو المدنية لايمتلك الموارد الكافية أو يكون غير قادر على تامين تلك الموارد اما من مجهوداته الخاصة أو من مصادر أخرى وعلى وجه الخصوص عن طريق الاعانات بموجب نظام الضمان الاجتماعي كما نصت هذه المادة على حكم اخر في غاية الاهمية اذ الزمت الدول الاعضاء بمنح هذه المساعدة وكما منصوص عليها فيها إلى مواطني الدول الاوربية متى ما كانوا على اراضيها ([6]).

الحق في الضمان الاجتماعي هو الحق في الحصول على الاستحقاقات، نقداً أو عيناً، والحفاظ عليها دون تمييز، لضمان الحماية من أمور تشمل (أ) غياب الدخل المرتبط بالعمل بسبب المرض، أو العجز، أو الأمومة، أو إصابة تحدث في إطار العمل، أو البطالة، أو الشيخوخة، أو وفاة أحد أفراد الأسرة؛ (ب) ارتفاع تكلفة الوصول إلى الرعاية الصحية؛ (ج) عدم كفاية الدعم الأسري، خاصةً للأطفال والبالغين المعالين – اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ([7]).


العناصر الرئيسية للحق في الضمان الاجتماعي:-


1- التوافر: يقتضي الحق في الضمان الاجتماعي، من أجل تنفيذه، توفير وإقامة نظام، سواء كان يتألف من مخطط واحد أو عدة مخططات، يضمن إتاحة الاستحقاقات المتعلقة بالمخاطر والحالات الطارئة الاجتماعية ذات الصلة ([8]).


2- الكفاية: يجب أن تكون الاستحقاقات، نقدية كانت أم عينية، كافية في مقدارها ومدتها بحيث يتمكن كل شخص من إعمال حقوقه في حماية الأسرة ودعمها، وفي مستوى معيشي كاف، وفي الوصول على نحو كاف إلى الرعاية الصحية([9]).


3- القدرة على تحمل التكلفة: إذا كان مخطط الضمان الاجتماعي يقتضي دفع اشتراكات، ينبغي تحديد هذه الاشتراكات مسبقاً. ويجب أن تكون التكاليف والرسوم المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بتقديم الاشتراكات ميسورة التكلفة للجميع وألا تمس بإعمال الحقوق الأخرى التي ينص عليها العهد([10]) .


4- إمكانية الوصول: ينبغي أن يحظى جميع الأشخاص بتغطية نظام الضمان الاجتماعي، وبصفة خاصة الأفراد المنتمين إلى أشد الفئات حرماناً وتهميشاً، دون تمييز على أي أساس من الأسس المحظورة. ويجب أن تكون خدمات الضمان الاجتماعي ميسورة التكلفة، وينبغي أن يُتاح للمستفيدين الوصول الفعلي إليها([11]).


ز-الحق في الحماية المجتمعية :

يرتبط مفهوم الحق بالحماية الاجتماعية بجوهر مبادئ العدالة الاجتماعية وتعتبر الترجمة المباشرة لإعادة توزيع الثروة بشكل عادل من خلال استعمال الانفاق الحكومي لتمويل برامج تضمن للجميع الحق بالأمن الاجتماعي. وتضمن برامج الحماية الاجتماعية للأفراد استدامة حصولهم على الخدمات التي تساعدهم على تأمين مستوى عيش لائق وتحررهم من مخاطر الجوع والعوز وانعدام التغطية الصحية وعدم توفر خدمات تعليمية تمكّنهم من تطوير قدراتهم الشخصية. بالتالي فإن الحق بالحماية الاجتماعية يعتبر أساسياً في ضمان حصول الافراد على حقوقهم الاساسية في الصحة والتعليم والعمل والحياة الكريمة ( [12]) .

والحقوق السابقة المتعلقة بالعمل غير متوفرة في مصر فقد ذكر تقرير الأمم المتحدة عن أهداف الألفية أن 75% من الوظائف التي تم توفيرها بالاقتصاد المصري في الفترة بين 1998 و2008 تعد وظائف غير لائقة، حيث إنه تم توفيرها من خلال القطاع غير الرسمي، وهو عادة غير منتج وذو دخل منخفض ، كما أشار التقرير إلى أن نحو 37% من العاملين في مصر يصنفون في فئة العمالة الموسمية، وهؤلاء مرشحون بنسبة كبيرة للوقوع في براثن الفقر. ([13]).

كما يخفي النظام الحاكم الحالي في مصرالأرقام الحقيقية للبطالة ويعلن بين الحين والآخر أنها تتراوح بين 10و14، لكنها أكثر من ذلك بكثير وتبلغ في أوسط الشباب العماد الأكبر لسوق العمل لأكثر من 38% ([14]).

كما تقع مصر ضمن عشر أسوأ دول في احترام حقوق الإنسان طبقاً للاتحاد الدولي للنقابات العالمية فيما يخص الأجور والضمان الاجتماعي وعمالة الأطفال والحق في الإضراب وقمع الاحتجاجات العمالية واعتقالات جماعية وإساءة للعمال المهاجرين وغياب الإجراءات القانونية الملزمة، بحسب مؤشر المنظمة الدولية ([15]) .

كما يتضمن مشروع قانون العمال المقدم من حكومة النظام الحالي في مصر إلى البرلمان بنوداً تنص على التوسع في الفصل من العمل ولم تلزم صاحب العمل بإعادة العامل المفصول تعسفياً إلى عمله حتى بعدصدور حكم ملزم وبات من القضاء لصالح العامل ([16]).

ح-"حق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة والصرف الصحي:

وهو حق مستمد من الحق في مستوى معيشي لائق ويرتبط ارتباطاً لا انفصام له بالحق في أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية، فضلاً عن الحق في الحياة وفي الكرامة الإنسانية" ([17] ) .

ويتضمن هذا الحق أن تكون إمدادات المياه لكل شخص كافية ومستمرة لتغطية الاستخدامات الشخصية والمنزلية، التي تشمل المياه لأغراض الشرب، وغسل الملابس، وإعداد الطعام، والنظافة الصحية الشخصية والمنزلية ويتعين أن تكون المياه المستخدمة في الأغراض الشخصية والمنزلية مأمونة ومقبولة ، ويجب أن تكون خالية من العناصر التي تشكل تهديداً لصحة الشخص، كما يجب أن يكون الماء مقبولاً من حيث اللون والرائحة والطعم لضمان ألا يلجأ الأفراد إلى بدائل ملوثة قد تبدو أكثر جاذبية( [18]) .

ويجب تأمين الوصول المادي إلى مرافق المياه والصرف الصحي وضمان أن تكون تلك المرافق على مسافة مأمونة في متناول جميع القطاعات السكانية، مع أخذ احتياجات الفئات الخاصة بعين الاعتبار، ومنها المعوقون والنساء والأطفال والمسنون، ويجب أن تكون تكلفة خدمات المياه في متناول الجميع.. وينبغي ألا يُحرم أي فرد أو جماعة من الحصول على مياه الشرب المأمونة بسبب العجز عن دفع تكلفتها ([19]).

وفي السنوات الأخيرة شهدت مصر شحاً شديدا في المياه سواء لأغارض الزراعة والري أو مياه الشرب، وتواجه مصرعجزا مائيا يقدر بسبعة ب مليارات متر مكعب سنويا . . كما حذرت الامم المتحدة من نفاذ المياه في مصر بحلول عام 2025 ([20]).

ويرى الباحث أن الرقم السابق أقل من التقديرات الصحيحة بكثير لأنه طبقاً للإحصاءات فإن موارد مصر من المياه تقدر حالياً بـ65مليار متر مكعب بما يعادل 650ألف متر مكعب لكل نسمة وهو اقل من المعدل العالمي المقدر بألف مترمكعب للفرد الواحد ، وهو ما يعني أن مصر تعاني نقصاً في المياه يقدر بـ35مليار متر مكعب ، وقد تناول الباحث تلك القضية بالتفصيل في ورقة بحثية متخصصة في ملف المياه ([21]) .

 الخلاصة :

خلص التقرير إلى ان الحقوق الاجتماعية للإنسان لا تقل أو لا تختلف عن الحقوق المدنية والسياسية اختلافاً جوهرياً، وقد ساوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بين كل تلك الحقوق ، ورغم ميل اقتصادات السوق في الغرب إلى التركيز والاهتمام بقدر أكبر بالحقوق المدنية والسياسية بينما قامت الاقتصادات المخططة مركزياً في الكتلة الشرقية بالتركيز على أهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. . لكن هذا الفصل الصارم قد هُجر منذ ذلك الحين وحدثت عودة إلى البنية الأصلية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. وفي العقود الأخيرة، دُمجت جميع الحقوق في معاهدات حقوق الإنسان المعقودة مثل اتفاقية حقوق الطفل أو اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

وأظهرت الدراسة غياب معظم إن لم يكن كل تلك الحقوق عن مصر تحت حكم النظام الحالي " نظام انقلاب 3 يوليو" ، استدلالاً بالأرقام والإحصاءات والدراسات والتصريحات المعلنة من المؤسسات التابعة للنظام الحالي ، ويضاف إلى ماسبق اعتراف قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بنقص أو غياب الحقوق الاقتصادية للإنسان المتمثلة في الحصول على وظيفة مناسبة وتعليم جيد وسكن ملائم أثناء رده على انتقادات العالم الغربي على تدني أو انهيار حقوق الإنسان المدنية والسياسية في مصر ، والعصف بالمعارضين ، وهو مايعني غياب مفهوم حقوق الإنسان بشقيه السياسي وكذلك الاقتصادي والاجتماعي في مصر تحت إدارة انقلاب الثالث من يوليو .


)-موقع الأمم المتحدة.. حقوق الإنسان الرابط [1]

)-المصدر السابق ذاته [2]

) محمد ثامر.. حق الانسان في الضمان الاجتماعي .. الحوار المتمدن الرابط [3]

)- المصدر السابق [4]

) –المصدر 27[5]

) المصدر 27[6]

) الأمم المتحدة . حقوق الإنسان مكتب المفوض السامي .. مجموعة أدوات الحق في الضمان الاجتماعي  الرابط[7]

[8] )- المصدر السابق

[9] )- المصدر رقم35

[10] )- المصدر رقم 35

[11] )- المصدر رقم 35

منظمة لعمل الدولية .. الحق في الحماية المجتمعية من اغلامتيازات إلى الحق الرابط ([12]

)-تقري الأمم المتحدة عن الأهداف الإنمائية للألفية .. الرابط [13]

[14] )- ارتفاع البطالة بين الشباب إلى 38.3% العربي الجديد بتاريخ 12أغسطس 2018 الرابط

[15] )- مصر ضمن عشر أسوأ عشر دول في احترام حقوق العمال .. موقع التحرير بتاريخ 13يوينو2018 الرابط

[16] )- مشروع الحكومة لقانون العمل يتضمن التوسع في الفصل من العمل .. فاطمة رمضان .. موقع مدى مصر بتاريخ 17فبراير 2019 الرابط

) الأمم المتحدة ..مفوضية حقوق الإنسان مكتب المفوض السامي .. الرابط[17]

[18] )- المصدر السابق ذاته

[19] )- موقع الأمم المتحدة ..العقد الدولي للعمل .. الماء من أجل الحياة ..الرابط

[20] )-أزمة المياه في مصر .. موقع إيكومينا ..الرابط

[21] )- مصطفى إبراهيم .. مصر وتحدياتها الاستراتيجية .سد النهضة نموذجاً ..المعهد المصري للدراسات ..الرابط

كلمات دليلية
التعليقات (0)