يحيى الكبيسي يكتب: في شيطنة الكاظمي!

profile
  • clock 5 مايو 2023, 11:50:44 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بين نهاية كانون الأول 2013، وتموز 2014، فقدت الحكومة العراقية سيطرتها على ما يزيد عن ثلث مساحة العراق، بعد أن ترك عشرات الآلاف من قوات الجيش، مواقعهم وأسلحتهم دون إطلاق طلقة واحدة، وفروا هاربين أمام بضعة مئات من مقاتلي تنظيم الدولة!
تسبب هذا الفرار، الذي حدث في بعض المحافظات، في وقوع ملايين العراقيين تحت حكم تنظيم تكفيري يعتمدُ ما يُعرف في الأدبيات حول السلفية الجهادية.
وعلى إثر ذلك، شكل مجلس النواب لجنة تحقيقية في سقوط الموصل بتاريخ 15 تشرين الثاني 2014، على اعتبار أن مدينة الموصل كانت حجر الدومينو الذي أسقط محافظات كاملة تباعا. وقدمت اللجنة تقريرها إلى المجلس الذي صوت في 17 آب 2015 على قرار إحالته إلى القضاء العراقي!
حمَّل التقرير رئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي، حينها، ومسؤولين سياسيين وقادة عسكريين، مسؤولية سقوط الموصل. يومها قال رئيس مجلس النواب سليم الجبوري أن «لا أحد فوق القانون ومساءلة الشعب… والقضاء سيقتص من المتورطين والمتسببين والمقصرين»! لكن الحقيقة أن كثيرا من المسؤولين كانوا فوق القانون، ومحصنين من مساءلة الشعب! فبعد مرور ما يقرب من ثماني سنوات، لم يوجه القضاء العراقي اتهاما واحدا للمالكي حتى اللحظة، فضلا عن المتهمين الآخرين!
يومها قلنا، بوضوح، إن الفاعلين السياسيين الشيعة، والذين يهيمنون على القضاء عمليا، لن يسمحوا بمحاكمة المالكي، بل ولن يسمحوا بمجرد القبول بالتحقيق معه، لأن ذلك سيكون بالنسبة لهم محاكمة رمزية للحكم الشيعي في العراق، كما أرادوا من محاكمة صدام حسين أن تكون محاكمة للحكم السني للعراق!
بتاريخ يوم 16 آذار 2023 قام عضو مجلس النواب حسين مؤنس (رئيس حركة حقوق، وهو أحد أقطاب الإطار التنسيقي، وقيادي في كتائب حزب الله كما تقول المعلومات) بتحريك شكوى لدى الادعاء العام ضد مصطفى الكاظمي، رئيس مجلس الوزراء السابق، يتهمه فيها بالإهمال الجسيم والتقصير بعدم تقديمه المعلومات الأمنية اللازمة إلى القائد العام للقوات المسلحة في قضية اغتيال أبو مهدي المهندي وقاسم سليماني «وإحداث العديد من الأضرار العمدية بالمال العام فيما يتعلق بالعجلات العائدة لهيئة الحشد الشعبي التي كانت تقلهم»!!
ووفقا للوثائق، فإن رئاسة هيئة الادعاء العام قد أرسلت كتابا إلى محكمة التحقيق المركزية بتاريخ 4 نيسان 2023، تطلب فيه «اتخاذ الإجراءات القانونية بصدد ما جاء بالإخبار»!

لم يكن الكاظمي قادرا على مواجهة هذه الدولة الموازية التي تحظى بدعم سياسي واجتماعي ذي طبيعة طائفية، لكنه، في الوقت نفسه، لم يكن يستطيع «التغاضي» عن أمور كثيرة لأسباب داخلية وإقليمية ودولية

والفضيحة هنا كيف يمكن للمدعي العام قبول «الإخبار» عن جريمة معلومة وقعت قبل أكثر من ثلاث سنوات (تم الاغتيال بتاريخ 3 كانون الثاني 2020) وهو يعلم تماما أن ثمة لجنة قضائية مشتركة عراقية ـ إيرانية مشكلة للتحقيق في اغتيال المهندس/ سليماني، كانت قد بدأت اجتماعاتها في تشرين الثاني 2021! وأن بيانا صدر عن مجلس القضاء الأعلى في 10 كانون الثاني 2023 يقول إن «القضاء سيتخذ الإجراءات القانونية بحق كل من يثبت عليه دليل الاشتراك في هذه الجريمة»!
والفضيحة الثانية تكمن في طلب المدعي العام «اتخاذ الإجراءات القانونية» بشان الكلام المرسل الوارد في الشكوى، عن إسناد جريمة «الإهمال الجسيم « لرئيس جهاز مخابرات، دون معرفة الوسيلة التي عرف فيها مقدم الشكوى بهكذا معلومات أمنية يُفترض أنها سرية!
لا يمكن فهم هذه الفضائح القانونية سوى في سياق المنهجية التي اعتمدها الإطار التنسيقي في شيطنة الكاظمي، والتي بدأت حتى قبل تركه موقعه في رئاسة مجلس الوزراء!
فكتائب حزب الله قالت في بيان لها نشر في آذار 2020 إنها تملك معلومات عن «تورط رئيس المخابرات في الاغتيال واحدى الرئاسات كانت تعلم»! كما اتهمه الناطق الرسمي للكتائب أبو علي العسكري (والذي تشير بعض المعلومات إلى أنه هو النائب حسين مؤنس نفسه) في تغريدة له في تموز 2020 ب «تسهيل قتل سليماني والمهندس»!
وقد اعترضت الكتائب حين وافقت القوى الشيعية مجتمعة، وبضوء أخضر إيراني لا يمكن لأي رئيس وزراء عراقي أن يمر بدونه، على ترشيح مصطفى الكاظمي رئيسا لمجلس الوزراء في نيسان 2020، وانتقدت في بيان لها هذا «الإجماع على ترشيح شخصية «مشبوهة» كما قالوا في البيان!
ولا يمكن فهم هذا التناقض بين موقف إيران المعلن بقبول ترشيح الكاظمي، وفي الوقت نفسه السماح لأحد أدواتها في العراق بإصدار هكذا بيان، إلا في سياق اللعبة المزدوجة التي تمارسها ايران في العراق، والتي بدأت حتى قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، من خلال دفع قوى المعارضة العراقية المحسوبة عليها، إلى التعاون مع «الشيطان الأكبر» واستلام أموال مباشرة منه، واستمرت بعد الاحتلال من خلال دفع الفاعلين السياسيين الشيعة للتعاون مع الأمريكان لضمان الهيمنة على القرار السياسي، وفي الوقت نفسه تسليح قوى شيعية أخرى تقاتل ضد الأمريكان!
لقد أشرنا في كتابات سابقة أن استقالة عادل عبد المهدي بعيد حركة الاحتجاج التي اندلعت في تشرين الأول في العام 2019 ،كشفت انقساما شيعيا غير مسبوق، وأن هذا الأمر اضطر ايران والفاعلين السياسيين الشيعة إلى القبول بالكاظمي بوصفه مرشحَ تسوية، على مضض. واعتقد كلاهما أن رئيس مجلس وزراء لا يملك أي قوة داخل مجلس النواب، سوف يكون مجرد «غطاء» للاستمرار ببناء الدولة الموازية التي قررت ايران إنشاءها لحلفائها ووكلائها في العراق، عسكريا واقتصاديا!
وقد عبر قيس الخزعلي عن ذلك بصراحة عندما طلب من الكاظمي حرفيا أن «يغلّس» عن هذه الدولة الموازية!
لم يكن الكاظمي قادرا على مواجهة هذه الدولة الموازية التي تحظى بدعم سياسي واجتماعي ذي طبيعة طائفية، لكنه، في الوقت نفسه، لم يكن يستطيع «التغاضي» عن أمور كثيرة لأسباب داخلية وإقليمية ودولية أيضا، وعدم التغافل هذا هو الذي دفع الأطراف الشيعية إلى شيطنته، والهدف من استثمار هذه الشيطنة اليوم هو ترسيخ فكرة أنه على كل مسؤول عراقي، مهما بلغ موقعه، أن يتعلم «التغليس» والتغاضي وإلا تحول إلى هدف للشيطنة!
من المعروف أن الدولة الموازية في العراق لا تملك قرارا ذاتيا، وأن قرارها إيراني بحت، وأن إيران تمارس دائما دورا مزدوجا لخدمة مصالحها في هذا البلد، وهذا يعني، عمليا، أن شيطنة الكاظمي، مهما اشتطت، ستخضع للشروط المحلية والإقليمية والدولية نفسها التي دفعت إيران، في البداية، للقبول به رئيسا للوزراء عام 2020، وأن الدور الذي يقوم به المشيطنون أنفسهم، بما فيه مؤسسة القضاء، لا يعدو كونه لعبة مسيطرا عليها أيضا!

كاتب عراقي

كلمات دليلية
التعليقات (0)