يوم الإفراج.. كريم يونس (يطلب "العدس) بنكهة أمه

profile
  • clock 3 يناير 2023, 9:09:35 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أخيرا، بعد أربعين عاما من الانتظار سيكون الخميس المقبل موعد الأسير كريم يونس -66 عاما- مع الحرية، سيعانق أشقاءه كثيرا دون قيد، وسيذهب إلى قبر والديه لقراءة الفاتحة، وسيرى أناسا عرفهم أطفالا وغدوا كبارا، سيقف على ناصية الشارع في قريته "عارة" – الواقعة في المثلث الشمالي-، وسيسمع لاسم "كريم" وهو يتردد كثيرا في قريته تيمنا به.
منذ شهور يجهز أشقاؤه البيت الذي سيعيش فيه مع زوجه التي سيختارها ليبني معها عائلة حلم بها كثيرا وهو داخل زنزانته، وآثر أشقاؤه أن يحتوي بيته على مقتنيات شخصية لوالديه لاتزال رائحتهما عالقة فيها، منها نظارة والده الذي غيبه الموت في الذكرى الثلاثين لأسر كريم.
أما شقيقاته فقد طلب منهن أن يزين له مائدة بسيطة فيها أطباق شعبية اعتاد على تناولها من يد أمه، وبقي ينتظر حتى تصنعها له، لكن قدر الله اختار أن ترحل قبل الإفراج عنه بشهور.
وبصوت متلهف يحكي "نديم" شقيق "كريم" عن استعداده وأشقائه للحظة الإفراج عن أخيهم، ويقول "للرسالة نت": جهزنا مساحة كبيرة مقابل البيت لاستقبال الزوار من القرى والبلدات المجاورة (..) نتمنى ألا يخذلنا الاحتلال ويؤخر لحظة الإفراج عنه حتى يستطيع زيارة قبر والديه".
وبضحكة ملؤها الأمل يضيف: "بعد الانتهاء من استقبال المهنئين سنترك لشقيقي البطل فرصة لاختيار شريكة حياته التي سيؤسس معها عائلة".
ويروي أن "كريم" كثيرا ما كان يحلم عند تحرره أن يفترش الأرض ويرقد بجانب والدتي تقص عليه مواقف وأحداثا كثيرة لم يعشها برفقتهم، وتعد له أكلات بسيطة كالعدس المجروش والفول الأخضر، والجبنة البلدية، معلقا: مرة أخرى طلب من شقيقاتي إعداد طبق العدس ليأكله بعد التحرر لكن على طريقة والدتنا، وهناك قوالب من الجبنة البيضاء لا تزال محفوظة كما صنعتها أمي قبل وفاتها.
ويستذكر نديم حين كانت والدته تخزن على مرور سنوات، الفواكه الموسمية والأكل الذي لا يتوفر طيلة السنة، مثل الرُمان والأفوكادو وفطائر الزعتر، كانت تضعها جانبًا من أجل كريم، ويقول: "كانت دائمًا تتحدث عن لحظة العناق مع كريم، وعن اللحظات التي سنقضيها سوية، لكن قضاء الله أقوى وأكبر من الجميع، وربنا أخذ أمانته قبل خروج كريم من السجن".
أما عن اسم "كريم" يقول نديم: "في كل مكان من القرية هناك كريم فالجيران ومعارفنا جميعهم سمى أبناءه تيمنا باسم شقيقي".
وأضاف يونس: "طوال الوقت كنت ألتقي كريماً من خلف الزجاج أو القضبان، لكن هذه المرة سيكون هذا اللقاء مختلفا، سيكون دون زجاج وقضبان، سأشعر بتفاصيل شقيقي، خاصة بعد غياب دام 40 عامًا، فمن الصعب أن أتخيل كيف سيكون اللقاء حقيقةً، لكن كل شيء في وقته حلو".


من هو كريم يونس ؟

ولد في 24 ديسمبر 1956، هو أسير من فلسطينيي الداخل، وتحديدًا من قرية عارة، قام جيش الاحتلال (الإسرائيلي) بأسره وهو على مقاعد الدراسة بتاريخ 1 حزيران/ يونيو 1983، ولايزال مُعتقلاً حتى اليوم.
يُعتبر حاليًا أقدم أسير فلسطيني في السجون والمعتقلات (الإسرائيلية)، وأقدم أسير في العالم أيضًا، ومن المقرر أن تفرج (إسرائيل) عنه في يوم 5 يناير 2023 بعد انتهاء محكوميته البالغة 40 عامًا في سجونها.
وجهت له تهم بحيازة أسلحة محظورة وتهريبها للمقاومة الفلسطينية، والانتماء لمنظمة محظورة (حركة فتح)، وقتل جندي (إسرائيلي).
حوكم بدايةً بالإعدام شنقًا، ثم خفف للسجن المؤبد لفترة مفتوحة، ليستقر الحكم عليه بتحديد الفترة بأربعين عامًا.
رسالته الأخيرة من الزنزانة؟
من سجن "هداريم" أرسل "كريم" رسالة إلى شعبه قبيل تحرره بساعات يقول فيها: "ها أنا أوشك أن أغادر زنزانتي المظلمة، التي تعلمتُ فيها ألا أخشى الظلام، وفيها تعلمتُ ألا أشعرَ بالغربة أو بالوحدة، لأنني بين إخوتي إخوة القيد والمعاناة، إخوة جمعنا قسمٌ واحد وعهدٌ واحد.
وتابع: "أغادر زنزانتي، ولطالما تمنيتُ أن أغادرها منتزعًا حريتي برفقةِ إخوة الدّرب، ورفاق النّضال، متخيلًا استقبالا يعبر عن نصرٍ وإنجازٍ كبير، لكني أجد نفسي غير راغب، أحاول أن أتجنب آلام الفراق، ومعاناة لحظات الوداع لإخوةٍ ظننتُ أني سأكمل العمرَ بصحبتهم، وهم حتمًا ثوابت في حياتي كالجبال، وكلما اقتربت ساعة خروجي أشعر بالخيبةِ وبالعجزِ، خصوصًا حين أنظر في عيون أحدهم وبعضهم قد تجاوز الثلاثة عقود.
وأضاف في رسالته: "سأترك زنزانتي، وأغادر لكن روحي باقيةٌ مع القابضينَ على الجمرِ المحافظين على جذوةِ النضال الفلسطيني برمته، مع الذين لم ولن ينكسروا، لكن سنواتِ أعمارهم تنزلق من تحتهم، ومن فوقهم، ومن أمامهم، ومن خلفهم، وهم لا زالوا يطمحون بأن يروا شمس الحرّيّة لما تبقى من أعمارهم، وقبل أن تصاب رغبتهم بالحياة بالتكلف والانحدار".

وقال: "سأترك زنزانتي رافعًا قبعتي لجيل لا شك أنه لا يشبه جيلي، جيل من الشّباب الناشط والناشطات الذين يتصدرون المشهد، في السنوات الأخيرة، جيل من الواضح أنهم أقوى وأجرأ، وأشجع والأجدر لاستلام الراية، كيف لا وهم المطلعون على الحكاية والحافظون لكل الرواية، والحريصون على تنفيذ الوصايا، وصايا شعبنا المشتت المشرد، بانتزاع حقه بالعودة وتقرير المصير، فطوبى لهذا الجيل الصاعد رغم أجواء التهافت.
وتابع:"سأتركُ زنزانتي، بعد أيام قليلة، والرهبة تجتاحني باقتراب عالم لا يشبه عالمي، وها أنا أقترب من لحظةٍ لا بد لي فيها إلا أن أمر على قديم جروحي، وقديم ذكرياتي، لحظة أستطيع فيها أن أبتسم في وجه صورتي القديمة، دون أن أشعر بالندم، أو بالخذلان، ودون أن اضطر لأن أبرهنَ البديهيّ الذي عشتهُ، وعايشته على مدار أربعين عامًا، علني أستطيع أن أتأقلمَ مع مرآتي الجديدة، وأنا عائد لأنشد مع أبناء شعبي في كل مكان نشيد بلادي نشيد الفدائي…..نشيد العودة والتّحرير.

كلمات دليلية
التعليقات (0)