Asset Managers: تصاعد الدور الاقتصادي لمديري الأصول عالمياً

profile
  • clock 4 يونيو 2023, 3:34:52 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تزامناً مع نشوب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، برزت إدارة الأصول جزءاً ناشئاً من النظام المالي العالمي؛ حيث اتجهت ميول مديري الأصول نحو مزيد من استثمار الأموال نيابةً عن المستثمرين في مصادر مختلفة، بما في ذلك فرص الاستثمار في التمويل الحكومي من خلال صناديق الثروة السيادية، وأنظمة المعاشات التعاقدية وشركات التأمين، وتمويل القطاع الخاص من خلال شراء الأسهم أو السندات، واحتياجات البنية التحتية التمويلية؛ وذلك بغية تجنب مخاطر بث كافة الاستثمارات في نشاط استثماري معين، مثلما حدث في سوق الإسكان الأمريكية في تلك الفترة، وكذلك من أجل بلوغ الهدف الرئيسي المتمثل في تحقيق عائد مُجدٍ يمكن تقاسمه بين مدير الأصول كمكافأة وبين المستثمر كعائد لهما.

 وخلال فترة زمنية قصيرة، تمكن مجال إدارة الأصول من الهيمنة على القطاع المالي العالمي بشكل ملحوظ، حتى أصبح مديرو الأصول في الوقت الراهن من أقوى المؤسسات التي تعمل على تحويل دفة الاقتصاد العالمي نحو الفرص الاستثمارية الجديدة، بيد أنه على الرغم من امتداد مديري الأصول العميق إلى عدد لا يحصى من الصناعات والمناطق الجغرافية والأقاليم المختلفة، فإن الوعي العام والاعتراف بتلك الجهات الاقتصادية الفاعلة، لا يزال غير متماشٍ مع حجم قدرتها على تشكيل المجتمع الحديث.

يذكر في هذا الصدد أن مصطلح “إدارة الأصول” تحديداً يقصد به الخدمة المالية المقدمة للمستثمرين بغرض إدارة أصولهم، عبر زيادة الأدوات المالية المستثمرة. ومن ثم، فإن مديري الأصول هم بمنزلة شركات هدفها التجاري هو إدارة الأصول، من خلال تجميع مدخرات الأفراد واستثمارها لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربحية في الاقتصاد العالمي، وتنمية القيمة السوقية للموارد، بما يمكن من زيادة عوائد الملكية، بما في ذلك العقارات أو أي أصول أخرى.

أدوار رئيسية

يلعب مديرو الأصول دوراً مهماً في حياة المواطنين والمجتمعات والشركات، وإن كان ذلك الدور يبرز بصورة كبيرة في الاقتصادات الغربية. وفيما يأتي يمكن استعراض أبرز أدوار مديري الأصول عامةً، مع تسليط الضوء على بعض الأمثلة، لمزيد من إيضاح الفكرة.

1– تعزيز الاستثمارات في سوق العقارات: يهتم مديرو الأصول عادةً بالاستثمار وتنمية الأصول في سوق العقارات، باعتبارها ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات؛ حيث يجعلون من مهمتهم الرئيسية كيفية تعظيم قيمة العقار لأغراض الاستثمار، كأن يقوم الأفراد والشركات الخاصة والحكومات بشراء العقارات باعتبار ذلك استراتيجية استثمار، أو أن يقوموا بشراء العقارات وتحسينها وبيعها بغرض الربح، أو تقسيمها وتأجيرها، بيد أن سوق العقارات لا يمكن الجزم بأنها محصنة من المشاكل والأزمات الاقتصادية، بل يجب أن يوضع في الاعتبار الفقاعات العقارية التي يمكن أن تحدث مثلما حدث في سوق الإسكان أثناء الأزمة المالية العالمية.

2– تنمية الاستثمارات في البنية التحتية: تشهد أجزاء مختلفة من العالم استثماراً واسع النطاق في إدارة الأصول في قطاع البنية التحتية منذ عقود؛ بدا ذلك من خلال اهتمام عدد من مديري الأصول حول العالم بتعزيز استثماراتهم في ذلك المجال، كشركة (Macquarie)، وهي مجموعة الخدمات المالية الأسترالية الرائدة، المهتمة بتعزيز إدارة الأصول في قطاع البنية التحتية، فضلاً عن بريطانيا التي تتميز إدارة الأصول فيها بإدراجها أنواعاً عديدةً من الاستثمار في البنية التحتية بصورة موسعة ضمن الأصول، كالاستثمار في مرافق الرعاية والمدارس وإمدادات ومرافق المياه.

على جانب آخر، تهتم شركة (Brookfield Asset Management) الأمريكية هي كذلك – وهي شركة عالمية رائدة في إدارة الأصول، ويخضع لإدارتها نحو 800 مليار دولار من الأصول – بالتعاون مع مطورين ومشغلين أمريكيين بغية الاستثمار في مرافق توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

3– استثمار رؤوس أموال المواطنين في أوروبا: تتمثل المهمة الأساسية لمديري الأصول في أوروبا في استثمار رأس مال المواطنين الأوروبيين ومدخراتهم في النشاط الاقتصادي المنتج؛ ما يسمح للشركات بالنمو من خلال إتاحة الإمكانية للوصول إلى مصادر تمويل جديدة لأعمالهم، وهو ما يمكِّن بدوره الشركات من توفير فرص عمل للمواطنين الأوروبيين، إضافة إلى خدمة عملائهم وموظفيهم بشكل أفضل.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتم إرجاع عائدات تمويل تلك الشركات والمشاريع إلى المدخرين والمتقاعدين الأوروبيين، في شكل زيادة في رأس المال أو توزيعات الأرباح، بما يسمح لهم بتحقيق أهدافهم المالية، كدفع تكاليف تعليم أطفالهم أو تمويل التقاعد.

4– الاهتمام بالاستثمار في الصناديق: على عكس الاستشارات المالية أو الاستثمارية، فإن إدارة الأصول لا تقدم فقط اقتراحات استثمارية في شكل خدمة استشارية، بل تتولى مهمة اتخاذ قرارات الاستثمار وتنفيذها بشكل مستقل؛ حيث يعمل مديرو الأصول على تولي مهمة إدارة أصول المستثمرين المؤسسين، والمقصود بها جهات الاستثمار المؤسسي، كصناديق التقاعد وشركات التأمين والبنوك والمؤسسات الخيرية أو الحكومية، أو أصول المستثمرين من القطاع الخاص.

كما يقوممديرو الأصول باستخدام صناديق الاستثمار بشكل خاص باعتبارها منتجات، وتنقسم إلى صناديق خاصة للمستثمرين المؤسسيين وصناديق الاستثمار المشتركة للمستثمرين من المؤسسات من القطاع الخاص. ولعل من أكثر مديري الأصول اهتماماً بالاستثمار في الصناديق، أولئك الموجودون في ألمانيا والنمسا؛ حيث يمثل الصندوق الخاص ميزة خاصة في السوقين الألمانية والنمساوية، مصحوباً بمزايا الميزانية العمومية للمستثمرين المؤسسيين.

5– تصدر السوق الأمريكية نشاط مديري الأصول: يدير مديرو الأصول أكثر من 100 تريليون يورو على مستوى العالم وفق إحصائيات لعام 2021، وتمثل سوق الولايات المتحدة السوق الكبرى، بحصة تبلغ نحو 50%، تليها أوروبا بحصة تزيد قليلاً عن 30%، فيما يتناقص حجم السوق في آسيا؛ حيث لا يزال صغيراً جدّاً، بالنسبة إلى السوق الغربية، بيد أن نمو سوق مديري الأصول في آسيا يبلغ ما نسبته 12%، وهو بذلك معدل نمو أعلى مما هو عليه في أوروبا.

على جانب آخر،تتميز صناعة إدارة الأصول بتركيز قوي في السوق العالمية؛ فبينما تعمل أكثر من 4 آلاف شركة في هذا القطاع في أوروبا وحدها، تمتلك أكبر عشر شركات في جميع أنحاء العالم أكثر من 35% من جميع الأصول الخاضعة لمديري الأصول.

6– الاستدامة في إدارة الأصول في جميع أنحاء العالم: قد يكون أحد أكثر الاتجاهات شيوعاً في إدارة الأصول لعدة سنوات موضوع الاستدامة؛ حيث يهتم مديرو الأصول بتوجيه التدفقات النقدية للمستثمرين إلى استثمارات مستدامة كوسطاء ماليين، مع تحقيق معدل نمو سنوي يزيد عن 60%. ولعل ذلك التوجه العالمي نحو الاستثمارات المستدامة قد اكتسب زخماً كبيراً في أوروبا التي تبلغ حصتها السوقية نحو 80% من جميع الأصول المدارة بشكل مستدام؛ ما أهلها للعب دور خاص كمحرك للاستدامة.

فيما تتخلف مرتبة الولايات المتحدة وآسيا كثيراً عن أوروبا بنسبتي 13% و4% على التوالي، وهو ذلك الأمر الذي يرجع إلى حد كبير إلى جدول الأعمال التنظيمي الأوروبي الطموح، والمبادرات ذات الصلة، مثل لائحة الإفصاح عن التمويل المستدام SFDR التابع لمفوضية الاتحاد الأوروبي، الذي يتضمن التزامات الإفصاح بشأن الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية الإلزامية لمديري الأصول، وغيرهم من المشاركين في الأسواق المالية، والذي دخل حيز النفاذ اعتباراً من 10 مارس 2021.

7– دعم الائتمانات الخاصة في الهند وإدارة الأصول البديلة: ثمة توجه واضح في الهند يركز على الاستثمار في الأصول البديلة؛ إذ يراهن (Kotak Investment Advisors) أكبر لاعب هندي في صناعة إدارة الأصول البديلة الناشئة على الائتمان الخاص؛ وذلك بعد أن صنعت اسمها في الصناديق العقارية؛ لذا تستهدف تلك الشركة تجاوز العقارات والأصول المتعثرة إلى الائتمان الخاص، على أمل المضي قدماً في موجة الاستثمار في رأس المال الخاص وصناديق المعاشات التقاعدية. وبحسب سريني سرينواسان العضو المنتدب لـ(Kotak Investment Advisors)، إحدى أذرع بنك (Kotak Mahindra) الذي يدير أصولاً بقيمة 8.8 مليار دولار، فإن طبيعة الفرص أمام الشركة تتمثل في المزيد من عمليات الاندماج والاستحواذ، والتمويل الموجه نحو النمو.

ويُذكَر في هذا الصدد، أن الاستثمارات البديلة تشمل مجموعة واسعة من الأصول، بما في ذلك الأسهم الخاصة والديون الخاصة والبنية التحتية والعقارات ورأس المال الاستثماري والموارد الطبيعية، وأن استثمارات الائتمان الخاصة بلغت في الهند في عام 2022 نحو 12% من إجمالي استثمارات الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري الهندي البالغة 56 مليار دولار، ارتفاعاً من 3% في عام 2021، وفقاً لبيانات Ernst & Young ‏إرنست ويونج إحدى أكبر الشركات المهنية في العالم.

متطلبات رئيسية

في خضم الهيكل الاقتصادي العالمي الراهن، وطبيعة التطورات المناخية والاقتصادية والجيوسياسية المتسارعة، فإن هناك عدداً من المتطلبات الرئيسية التي يجب أن يضعها مديرو الأصول في عين اعتبارهم، بما يسهم في المزيد من تعزيز أدوراهم في الاقتصاد العالمي، وتعزيز مسؤوليتهم الاجتماعية كذلك. وتتمثل أبرز هذه المتطلبات فيما يلي:

1– تعزيز المرونة في التعامل مع الاضطرابات المتسارعة: في مواجهة الاضطراب المتسارع في الاقتصاد العالمي في إطار الأزمات المتعددة والمتتالية والمتلاحقة التي شهدها على مدار السنوات الثلاث الماضية، وانخفاض هوامش الربح باعتبار ذلك من أبرز تبعاتها، فإن شركات إدارة الأصول تحتاج إلى تحسين الأداء بأسلوب استراتيجي، وتحقيق أقصى قدر من النمو، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال اتباع نهج التخطيط والمرونة الاستراتيجية القادرة على التنقل جذريّاً وبمرونة في مختلف مجالات الاستثمار، بما يُجنِّبها مخاطر الاعتماد على اتجاه استثماري واحد، قد يتعرَّض في أي وقت للخسارة نتيجة وقوع أحداث مفاجئة وغير متوقعة.

بيد أن الخروج من التقلبات الحالية يمكن أن يخلق بدوره تهديدات جديدة، وفرصاً مثيرة للاستثمار في الوقت ذاته، تجعل من ديناميكيات أسواق الاستثمار مختلفة تماماً عن أسواق الماضي، بما يفرض ضرورة مواكبة مديري الأصول كافة التغيرات الحادثة في الأسواق، والتكيُّف معها والانتقال من نشاط استثماري إلى نشاط استثماري آخر بمرونة وسلاسة.

2– مراجعة الاستراتيجيات الاستثمارية وتبني أفكار أكثر ديناميكيةً: يحتاج مديرو الأصول إلى مراجعة استراتيجياتهم الاستثمارية في ضوء الحقائق الاقتصادية الجديدة، ودراسة المخاطر الحالية والمستقبلية، وتقييم مدى صلاحية استراتيجيتهم للظروف المستجدة، والسعي على الجانب الآخر إلى خلق فرص إدارة نشطة، وزيادة الاهتمام بالاستثمارات البديلة، بما يسهم بدوره في زيادة قاعدة عملائهم.

كما أن بالإمكان تعزيز الاهتمام بتوظيف الابتكار والتكنولوجيا في إدارة الأصو،ل كالحوسبة الكمومية وميتافيرس metaverse وويب ثري Web 3.0؛ وذلك عبر الاستفادة من موجة البيانات الكبيرة والهائلة في الوصول إلى بيانات تفصيلية وموسعة عن الأسواق، فضلاً عن الاهتمام بالاتجاهات الاستثمارية الجديدة، كالاستثمار في الهيدروجين الأخضر والاندماج النووي.

3– اتباع نهج هيكلي لإدارة التكاليف: في مواجهة بيئة التشغيل الصعبة بشكل متزايد، أصبحت إدارة التكاليف مسألة في غاية الأهمية لمديري الأصول؛ من أجل تعزيز الأداء وتحقيق التمايز؛ فبالنسبة إلى معظم الشركات، تعتبر التخفيضات الرئيسية في التكلفة هي الأولوية القصوى، بيد أن غالبية شركات مديري الأصول تحتاج بدرجة أكبر إلى إجراء تغييرات هيكلية لتحقيق المستوى الضروري من المدخرات، خاصةً في ظل تعرُّض الشركات التي تفتقر إلى الحجم أو المصدر الواضح للتمايز، لضغوط شديدة.

لذا يحتاجالعديد من مديري الأصول الجمع بين نهج هيكلي لإدارة التكاليف مع انتهاج عملية أوسع للتجديد الاستراتيجي، وإعادة النظر في نماذج أعمالها والتفكير في التغييرات الأساسية، كالخروج من أسواق النطاق الفرعي إلى أسواق جديدة، أو تحقيق مزيد من الدخل من خلال وظائف الدعم والاستشارات المتعلقة بإدارة المخاطر.

تحديات جوهرية

إجمالاً.. رغم أهمية دور مديري الأصول في الاقتصاد العالمي، الذي يتضح بصورة أكبر في ظل حالة الاقتصاد العالمي المضطرب، فإنه لا يزال هناك عدم فهم للدور الواسع الذي تلعبه شركات إدارة الأصول في العديد من الجوانب الحياتية؛ حيث تمارس دوراً في غاية الأهمية ممثلاً في إدارة الأموال نيابةً عن المستثمرين المؤسسيين، مثل أنظمة التقاعد؛ لا من خلال شراء وبيع الأسهم والسندات فحسب، بل يتم استثمار الكثير من رأس المال الذي يديرونه في “أصول حقيقية”، كمساكن الإيجار وشبكات المياه والنقل وغيرها من البنى التحتية الأساسية.

بيد أن ذلك النوع من الشركات يقابل بعض الانتقادات في الاقتصادات الغربية، كتلك الانتقادات التي استمرت خلال العامين الماضيين مراراً وتكراراً، من جانب لجان الكونجرس بشأن ممارسات أصحاب العقارات السكنية من شركات مديري الأصول؛ حيث يُرى أن تلك الشركة تسيطر على مناطق سكنية بعينها، وتبتلع الكثير من العقارات المتاحة لمجموعة عائلات أو عائلة الواحدة، بالإضافة إلى سكن الطلاب ومجتمعات المنازل المتنقلة ومساكن كبار السن.

على جانب آخر، تُنتقد شركات إدارة الأصول في بريطانيا المستثمرة في البنية التحتية، بأن ثمة تحدياً يغلب على عمل مديري الأصول في بريطانيا، بين محاولة تعظيم الدخل الذي يُديرونه، وبين تقليل تكاليف التشغيل ورأس المال في الوقت نفسه، بما يُحدث في كثير من الأحيان نوعاً من الخلل، كأن تأتي كفة على حساب الأخرى.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)