- ℃ 11 تركيا
- 28 مارس 2024
مصطفى يوسف اللداوي يكتب: وعدُ بلفور جريمةٌ بريطانيةٌ ومسؤوليةٌ أمميةٌ
مصطفى يوسف اللداوي يكتب: وعدُ بلفور جريمةٌ بريطانيةٌ ومسؤوليةٌ أمميةٌ
- 2 نوفمبر 2021, 4:07:51 م
- 453
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عاماً بعد عامٍ نحيي ذكرى وعد بلفور المشؤوم، ونتوقف عند أبعاده القانونية ومنطلقاته الشرعية ونتائجه الكارثية، ونسلط الضوء على الحقبة التاريخية التي واكبته، والظروف السياسية التي كانت سائدةً إبانه، ونعرض لأوضاع الخلافة الإسلامية المتهالكة، وشؤون الولايات العربية التي كانت متدهورة، وغياب الهوية الفلسطينية المستقلة، التي سهلت ظروفها البائسة وقياداتها الضعيفة، إعلان التصريح وساعدت على تحقيقه، ولولا ذلك ما تمكن اليهود من الوصول إلى فلسطين والاستيطان فيها، وبناء منظوماتهم العسكرية وتشكيلاتهم القيادية، والتضييق على أهل فلسطين، وطرد أغلبهم والحلول مكان من تشرد منهم.
مضى على إصدار تصريح بلفور مائة وأربع سنوات، وما زلنا نذكره ونأبى تجاوزه، وقد مضت السنون وكأنها العمر كله، وألقت بظلالها على العالم بأسره، فضلاً عن العالمين العربي والإسلامي، وتركت آثارها الدامية وواقعها الأليم على الحجر والشجر والبشر في فلسطين، وعلى المقدسات والمقدرات والخيرات، وعلى الشعوب العربية والأمة الإسلامية كلها، وطوت فيها سنةً بعد أخرى، أحلام شعبِ أصيلٍ، وضاعت فيها حقوق وطنٍ عتيدٍ، واغتصبت فيها أقدس أرضٍ وأطهر بقاعٍ، ولعلها غيرت معالم الكون كله لا المنطقة فحسب، وسيبقى التغيير قائماً وميزان العدل مكسوراً، إلى أن يأتي اليوم الذي تكتمل فيه دورة الزمان، ويعود التاريخ إلى نقطة البدء، ويتحقق العدل ويسود السلام، ويستعيد أصحاب الأرض حقوقهم، ويعودون فيه إلى وطنهم.
التصريح الذي أعلن عنه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في نهاية العام 1917، والذي هو في أصله إعلانٌ أو تصريح، أخذ شكل الوعد السياسي المقدس، والالتزام الدولي الثابت، بتمكين اليهود في الأرض الفلسطينية وبناء دولتهم، ورعايتهم ليشتد عودهم ويتحقق أمنهم ويتحصن كيانهم، وتوالت على الوعد قيادات أوروبية ثم الإدارات الأمريكية المتعاقبة بعد ذلك، التي مكنت الكيان الصهيوني وساعدته، وأمدته بالمال والسلاح، والخبرة والتقانة، وسهلت موجات الهجرة اليهودية إليه، وسهلت لحكوماته مصادرة أراضي الفلسطينيين والتوسع الاستيطاني فيها، حتى غدا جيشه الأقوى في المنطقة، والأكثر عدواناً وفساداً.
كانت بريطانيا بجيوشها المنتشرة في كل مكان، وبأساطيلها الحربية التي تجوب البحار القريبة والبعيدة، وبمستعمراتها الضخمة المغروسة في قلب المدن والحواضر، وفي أقصى الشرق الآسيوي والغرب الأمريكي، تسوس العالم وتتحكم مع عددٍ قليل من الدول بمفاصل القرارات الدولية، وقد كانت تدرك عظم ما أقدمت عليه، وفداحة ما أعلنت عنه، وتعرف الجريمة الكبرى التي قامت بها، ولهذا فهي تتحمل كامل المسؤولية التاريخية، السياسية والإنسانية والقانونية، تجاه ما حدث مع الشعب الفلسطيني، وتجاه المصائب التي لحقت به، والخسائر التي مني بها، وأرضه التي احتلت، وحقوقه التي انتهكت، ومقدراته التي أهدرت، وأجياله التي شردت.
رغم مضي أكثر من قرنٍ على الجريمة البريطانية بحق الشعب الفلسطيني، وهي الجريمة التي لم تتوقف فصولها، ولم تقتصر على الوعد، ورغم أن دورها قد تراجع ونفوذها قد تقلص، ولم تعد هي الدولة العظمى التي كانت، ولا سيدة البحار التي سادت، إلا أنها ما زالت واحدة من خمسة دول عظمى في العالم، وما زال لها تأثيرها الكبير ودورها الفاعل في إدارة العالم، لذا فإنه ينبغي عليها أن تتحمل كامل المسؤولية عن جريمتها، وأن تعمل على تصحيحها وتصويبها، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، فهي من خلق هذه الأزمة، وهي من أسس لهذا الصراع، وهي التي زرعت الكيان الصهيوني بيننا، وجعلته كالسرطان في جسد الأمة العربية ينهشها ويفتك بها.
في ظلال وعد بلفور السوداوية القاتمة، ينبغي التوقف عن البكاء والعويل، والكف عن لطم الخدود وشق الجيوب، والعمل بصورة جديةٍ على رفع دعوةٍ أمام المحكمة الدولية ضد دولة بريطانيا، واتهامها بالمسؤولية المباشرة عن جريمة تشريد الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه، ومطالبتها بالاعتراف بجريمتها، والإقرار بمسؤوليتها، وتقديم الاعتذار الفعلي للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية، وذلك بالتراجع عن وعد بلفور، واعتباره وعداً باطلاً، وتصريحاً غير مسؤول، والتعهد بالعمل أمام المجتمع الدولي كله، وتحت قبة مؤسساته الدولية، لإلغاء كافة الاستحقاقات التي تلت هذا الوعد واستفادت منه.
لا يكفي أن نقف ونعد السنوات، ونضيف عاماً جديداً بعد آخر إلى الذكرى الأليمة، بل ينبغي التحرك وفق رؤية واضحة، وخطة محكمة، وبرنامج عمل دقيق، بالتعاون مع خبراء قانونيين دوليين، ومحامين كبار، ومستشارين ذوي خبرة وكفاءة، للعمل على محاصرة بريطانيا وحشرها، وتحميلها المسؤولية الكاملة، وإجبارها على بذل أقصى الجهود على كل المستويات الدولية، وممارسة الضغط على الحكومات الإسرائيلية، لوضع حدٍ نهائي لمعاناة الشعب الفلسطيني، ووقف الجرح النازف في حياة أجياله ومستقبل بلاده، وأظنها قادرة على لعب هذا الدور، فضلاً عن أنها ملزمة به، في ظل مسلسل الاعتذارات التي تشهدها الأنظمة الاستعمارية القديمة، لصالح شعوب البلاد التي احتلتها، وأجرمت في حقها قتلاً واعتقالاً، وتخريباً وتدميراً لأوطانهم.
علينا أن نفتح كل الجبهات ضد العدو الصهيوني، وأن نعود به إلى الوراء، ونحشره في المربعات الأولى التي نشأ فيها واعتمد عليها، ونستغل السياسة والقانون، والمجتمع الدولي والأمم المتحدة، ونتقدم أمام محاكمهم الوطنية وهيئاتهم الدولية، بشكاوى ضد سياسة بلادهم، التي أفضت إلى ارتكاب هذه الجريمة النكراء، وسكتت عن الوعد الباطل والتصريح الآثم، ونجبر المجتمع الدولي الذي احتضن الكيان الصهيوني ورعاه، وتكفل به وحماه، واعترف به وتبناه، أن يعيد النظر في مسؤوليته، ويتحمل نتائج قراراته، ويصحح الأخطاء التي وقع فيها، فهو مسؤول مسؤولية مباشرة بصمته أو قبوله، وبتآمره أو مشاركته، عن نكبة الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه.
كلمات دليلية
التعليقات (0)
إقرأ أيضا
أحدث الموضوعات
خميس, 28 مارس 2024
أيرلندا تتداخل مع دعوى جنوب أفريقيا ضد الاحتلال بمحكمة العدل الدولية خميس, 28 مارس 2024
لا بديل عن المساعدات البرية.. أكثر من 1.1 مليون شخص في غزة يواجهون المجاعة الأكثر قراءة
جمعة, 08 أكتوبر 2021
مصادر: إبراهيم منير يتخذ قرار بإيقاف ٦ من الشورى العام سبت, 18 سبتمبر 2021
د. أيمن منصور ندا يكتب : عندما تلقيت اتصالاً من الرئيس السيسي خميس, 30 سبتمبر 2021
طارق مهني يكتب : بزنس المعارضة - سبوبة الزنازين اثنين, 01 نوفمبر 2021
تقرير : كيف ساهم " أبو دية " عبر أذرعه المالية في تدجين المعارضة المصرية بالخارج جمعة, 28 مايو 2021
تعرف على مدينة المقاومة تحت أرض غزة ودورها في معركة سيف القدس المطبخ
خميس, 14 مارس 2024
حلويات رمضان.. طريقة عمل حلوى الدقيق التركية.. فيديو خميس, 14 مارس 2024
خطوة بخطوة.. طريقة عمل شوربة يايلا التركية مع الشيف أران بكماز.. فيديو ثلاثاء, 12 مارس 2024
من بقايا الطعام.. طريقة عمل شوربة إيزوجلين التركية الشهية (فيديو)