واشنطن وبكّين... إلى مواجهة بحريّة؟

profile
  • clock 16 سبتمبر 2021, 6:24:12 م
  • eye 653
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أعلنت واشنطن، الساعية لتعزيز تحالفاتها في كلّ الاتجاهات للتصدّي لبكين، تشكيل تحالف أمني إستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يضمّ كلا من الولايات المتّحدة وبريطانيا وأستراليا. ويؤكد قرار أستراليا امتلاك غواصات نووية بالشراكة معهما، بموجب التحالُف الجديد، تصاعد قوة بحرية صينية باتت متواجدة بشكل متزايد في المحيط الهادىء.

وأتى الإعلان عن المعاهدة الأمنية الجديدة المسمّاة "أوكوس" خلال قمة افتراضية استضافها الرئيس الأميركي، جو بايدن في البيت الأبيض، أمس الأربعاء، وشارك فيها عبر الفيديو كلّ من رئيسي الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، والأسترالي سكوت موريسون.

والثمرة الأولى لهذا التحالف ستكون حصول أستراليا على أسطول من الغواصات التي تعمل بالدفع النووي، وهو ما قاد كانبيرا لإلغاء طلبية ضخمة أبرمتها مع باريس لشراء غواصات فرنسية الصنع.

وقال رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، إنّ "أول مبادرة كبيرة في إطار ’أوكوس’ ستكون حصول أستراليا على أسطول غواصات تعمل بالدفع النووي". ويمثّل هذا الإعلان نقطة تحوّل إستراتيجي، ولا سيّما وأنّها المرة الأولى التي ستشاطر فيها الولايات المتحدة مثل هذه التقنية الحسّاسة مع دولة أخرى غير بريطانيا.

وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إنّ "الدولة الوحيدة التي شاركت الولايات المتحدة معها هذا النوع من تكنولوجيا الدفع النووي هي بريطانيا" وذلك منذ 1958.

وأعلن موريسون، اليوم الخميس أنّ بلاده فسخت العقد الذي أبرمته مع فرنسا في 2016، لشراء غواصات تقليدية لأنّها تفضّل أن تبني بمساعدة من الولايات المتحدة وبريطانيا غواصات تعمل بالدفع النووي.

وقال موريسون للصحافيين في كانبيرا، إنّ "القرار الذي اتّخذناه بعدم إكمال الطريق مع الغواصات من فئة أتّاك وسلوك هذه الطريق الأخرى ليس تغييرا في الرأي، إنّه تغيير في الاحتياجات".


وكان يفترض أن تجدد أستراليا إمكاناتها عبر حيازة 12 غواصة تقليدية من صنع فرنسي علما أنها تملك ست غواصات من طراز "كولينز" تعمل محركاتها بالديزل والكهرباء. وهي من صنع السويد ودخلت قيد التشغيل في منتصف التسعينات.

وعبر فسخها هذا العقد، اختارت هذه الدولة زيادة قدراتها بشكل إضافي: لأن الدفع النووي يتيح قدرة تحرك أكبر للغواصة.

خيبة فرنسيّة

وما هي إلا دقائق حتى أبدت مجموعة "نافال غروب" الفرنسية للصناعات الدفاعية "خيبة أمل كبرى" إزاء الإعلان الأسترالي.

وقالت المجموعة في بيان، إنّ "الكومنولث الأسترالي لم يرغب في الانخراط في المرحلة التالية من البرنامج، وهو أمر يمثّل خيبة أمل كبرى لنافال غروب التي قدّمت لأستراليا غواصة تقليدية ذات تفوّق إقليمي وأداء استثنائي".

وحاول بايدن مواساة فرنسا بتأكيده إثر القمّة أنّ الولايات المتّحدة "تتطلّع للعمل بشكل وثيق مع فرنسا وشركاء رئيسيين آخرين" في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.

وقال بايدن إنّ "فرنسا بالخصوص لديها وجود مهمّ في منطقة الأطلسي-الهندي وهي شريك وحليف أساسي".

من جهته قال رئيس الوزراء البريطاني، الذي حقّق بهذا التحالف نصرا دبلوماسيا كبيرا لإستراتيجيته الرامية لتجنيب بلاده عزلة دولية بعدما خرجت من الاتحاد الأوروبي، إنّ المعاهدة "ستربط بين المملكة المتّحدة وأستراليا والولايات المتحدة بشكل وثيق أكثر، ممّا يعكس مستوى الثقة بيننا وعمق صداقتنا".

وإثر القمّة الثلاثية قال بيان مشترك إنّه "بالاستناد إلى تاريخنا المشترك كديمقراطيات بَحريّة، فإنّنا نلتزم بطموح مشترك دعم أستراليا في الحصول على غواصات تعمل بالدفع النووي".

وأوضح البيان أنّ ما ستحصل عليه أستراليا هو غواصات تعمل بالدفع النووي وليس مزوّدة بالسلاح النووي.

ووفقا للمسؤول الكبير في البيت الأبيض، فإنّ "هذا قرار أساسي وجوهري. هذا قرار سيُلزم أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا لأجيال".

لا ذكر للصين...

ولم يأت أيّ من القادة الثلاثة على ذكر الصين ولا فعل كذلك بيانهم المشترك الذي اكتفى بالإشارة إلى "السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، لكن ممّا لا شكّ فيه أنّ التحالف الجديد يهدف قبل كلّ شيء إلى مواجهة الطموحات الإقليمية لبكين.

ولطالما كرّر الرئيس الأميركي منذ انتخابه القول إنّه ينوي على غرار سلفه دونالد ترامب، مواجهة الصين، ولكن بطريقة مختلفة تماما عن التي اعتمدها الملياردير الجمهوري والتي اتّسمت بمواجهة مباشرة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

وقال بايدن الأربعاء، إنّه يريد "الاستثمار في أكبر مصدر لقوتنا ألا وهو تحالفاتنا"، وإنّه يريد "تطويرها لمواجهة تهديدات اليوم والغد بشكل أفضل".

وعلى غرار آخرين، تعبر أستراليا عن قلقها من تزايد قوة البحرية الصينية؛ ففي نهاية 2020، كانت الصين تملك ما مجموعه 350 سفينة قتالية وغواصة مقارنة مع 297 سفينة لكل الأسطول العالمي للولايات المتحدة، بحسب مكتب الاستخبارات البحرية الأميركي.

وتوقع المكتب أن الصين ستمتلك 400 سفينة في 2025 و425 في عام 2030.

وتملك بكين خصوصا ست غواصات نووية يمكنها إطلاق صواريخ نووية، و40 غواصة هجومية بينها ست غواصات نووية بحسب "ميليتاري بالانس".

من جهتها، يمكن لواشنطن أن تعتمد على 21 غواصة هجومية وثماني غواصات نووية حاملة لصواريخ نووية، مركزها في المحيط الهادىء، وخصوصا في بيرل هاربور بحسب البحرية الأميركية.

وإذا كانت الولايات المتحدة تنشر في المنطقة 5 من حاملات طائراتها الإحدى عشرة، فإن الصين بدأت ببناء ثالث حاملة طائرات وما زالت تبني مزيدًا من المدمرات.

وبين عامي 2015 و 2019، بنت الورش البحرية الصينية 132 سفينة مقابل 68 للولايات المتحدة و48 للهند و29 لليابان و17 لفرنسا و9 لأستراليا و4 (بينها حاملتا طائرات) لبريطانيا بحسب دراسة أعدتها مؤسسة جاينز المتخصصة السنة الماضية.

وخلال أربع سنوات، كان لدى الصين ما يعادل الأسطول الفرنسي بحسب رئيس هيئة أركان البحرية الفرنسية، بيار فاندييه الذي شدد على "الجهد البحري الصيني التاريخي" الذي يشكل "أكثر من 55% من موازنة الدفاع الصينية".

وهذه الحماسة الصينية الفائقة لها تداعيات على مجمل المنطقة ما دفع بالعديد من الدول إلى اعتماد إستراتيجية تهدف إلى منع القوة الصينية من الانتشار بالقرب من سواحلها. وهذا يمر خصوصا عبر شراء غواصات.

وهكذا امتلكت فيتنام ست غواصات من صنع روسي وماليزيا اثنتين، فيما طلبت أندونيسيا ست غواصات من كوريا الجنوبية وتفكر الفيليبين في بناء أسطول من الغواصات. تحتج الصين على سيادة كل هذه الدول على قسم من بحر الصين الجنوبي.

وفي أماكن أخرى في المحيط الهادىء، تمتلك اليابان 23 غواصة وكوريا الجنوبية 18 غواصة وسنغافورة 2 وروسيا 12 غواصة.

أوروبا وواشنطن؛ نهج إقصائيّ؟

في سياق متّصل، كشف متحدّث باسم الاتحاد الأوروبي، أن التكتل، لم يتبلّغ مسبقا بالشراكة العسكرية الجديدة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، ما يثير مخاوف في أوروبا من نهج إقصائي لدى واشنطن.

وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، بيتر ستانو إن "الاتحاد الأوروبي لم يتبلّغ بشأن هذا المشروع أو هذه المبادرة، ونحن على تواصل مع الشركاء هؤلاء لمعرفة المزيد".

وتابع: "وبالطبع سيتعيّن علينا أن نناقش هذا الأمر ضمن الاتحاد الأوروبي مع دولنا الأعضاء لإجراء تقييم للتداعيات".

من جهتها، شدّدت المتحدثة دانا سبينانت على أن التحالف الجديد "لن تكون له تداعيات" على العلاقات مع الدول الثلاث.


ويسعى التكتل إلى ترسيخ علاقاته في المنطقة التي يعتبرها "ذات أهمية إستراتيجية كبرى لمصالح الاتحاد الأوروبي"، ففي نيسان/ أبريل قالت بروكسل إن الإستراتيجية يمكن أن تتضمن تعزيز الوجود البحري الأوروبي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وأبدى كثر في أوروبا استياءهم إزاء الطريقة التي انسحبت فيها الولايات المتحدة من أفغانستان، وقد اتّهم معارضو هذه الخطوة بايدن بأنه همّش حلفاءه في قراره هذا.

إدانة صينيّة

من جانلها، ندّدت الصين، اليوم الخميس، بالصفقة التي وصفتها بأنها "غير مسؤولة إطلاقا" بين الولايات المتحدة وأستراليا بشأن حصول الأخيرة على غواصات أميركية ذات دفع نووي، في إطار شراكة جديدة بين البلدين تضمّ أيضا بريطانيا.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان أمام الصحافة إن "التعاون بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في مجال الغواصات النووية يزعزع بشكل خطير السلام والاستقرار الاقليميين، ويكثّف سباق التسلح ويقوّض الجهود الدولية نحو عدم انتشار الأسلحة النووية".

واتّهم الدول الثلاث بالتصرف وفق "ذهنية الحرب الباردة" وباستخدام الأسلحة النووية لأغراض جيوسياسية.


وفي وقت تشهد العلاقات بين بكين وكانبيرا منذ عام ونصف العام، توترا شديدا، اعتبر المتحدث أن حصول كانبيرا على غواصات أميركية يتعارض مع التزامات أستراليا في ما يخص عدم انتشار الأسلحة النووية.

عرب 48


التعليقات (0)