مناورة صعبة.. أبوظبي توثق علاقاتها مع موسكو رغم التوترات الأمريكية الروسية

profile
  • clock 8 يناير 2022, 8:52:03 ص
  • eye 463
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أظهرت الإمارات قدرة عالية على المناورة السياسية حتى الآن، فقد نجحت في توثيق علاقاتها مع روسيا (خاصة العلاقات التجارية) دون إثارة غضب واشنطن بالرغم من التوترات بين القوتين العظميين.

وفي 8 ديسمبر/كانون الأول، قامت شركة "مبادلة" القابضة التابعة لدولة الإمارات بأكبر استثمار منفرد لها في روسيا حيث استحوذت على 1.9% من شركة "سيبور"، أكبر شركة بتروكيماويات في روسيا. وتعود ملكية 36% من أسهم "سيبور" إلى رئيس مجلس إدارتها "ليونيد ميخلسون" الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة "نوفاتيك"، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في روسيا.

وتعتبر موسكو أن "سيبور" لاعب رئيسي في سوق البتروكيماويات سريعة النمو. وقد أكملت "سيبور" في يوليو/تموز 2021 اندماجها مع شركة خدمات البتروكيماويات الروسية "تايف". ما يجعلها واحدة من أكبر 5 منتجين للبوليمر والمطاط في العالم.

وتمتلك "سيبور" مئات الأصول المنتشرة في جميع أنحاء روسيا وتوسع انتشارها في الخارج بشكل متزايد؛ وقد انضم رئيس الوزراء الفرنسي السابق "فرانسوا فيون" في ديسمبر/كانون الأول إلى مجلس إدارة "سيبور" كمدير مستقل للترويج للمشروع عالميًا والإعداد للاكتتاب العام الأولي الذي طال انتظاره.

ويعد شراء "مبادلة" لحصة في "سيبور" جزءًا صغيرًا من رهان صندوق الاستثمار البالغ 262 مليار دولار على قطاع الطاقة، بالرغم من إعلان الصندوق عن تحول استراتيجي بعيدًا عن الاستثمارات في الطاقة والأصول الأخرى المتعلقة بها.

وتمثل صناعة البتروكيماويات حاليًا 12% من الطلب العالمي على النفط. وبالرغم من التزامات العديد من البلدان بحيادية الكربون، من المتوقع أن تتزايد الحاجة إلى البتروكيماويات بسبب الطلب المتزايد على البلاستيك والمواد الكيميائية الأخرى في الاقتصادات النامية. ومن المقرر أن تشكل تلبية الطلب على البتروكيماويات أكثر من ثلث استهلاك النفط بحلول عام 2030، وما يقرب من النصف بحلول عام 2050. كما يوضح الاستثمار في "سيبور" أيضًا اهتمام "مبادلة" المتزايد بطلب الصين على البتروكيماويات.

وتقوم "سيبور"، بالشراكة مع شركة "سينوباك" الصينية، ببناء مجمع "أمور غاز" الكيميائي، وهو أكبر مجمع بتروكيماويات قائم على الغاز في العالم. ويعد انشاء مجمع الكيماويات الذي تبلغ تكلفته 10 مليارات دولار استجابة روسية للطلب المتزايد بسرعة على البتروكيماويات القائمة على الغاز، ولا سيما في الصين التي تعد أكبر مستورد للبتروكيماويات في العالم. ومن المتوقع أن تمثل الصين 28% من الطلب العالمي على البتروكيماويات بحلول عام 2030.

ومع قرابة مليار دولار من الاستثمارات في عام 2021 وحده، بلغ إجمالي استثمارات "مبادلة" في روسيا الآن 3 مليارات دولار. وكانت "مبادلة" واحدة من أولى شركات الاستثمار الخليجية التي تطأ الأرض الروسية، وقد أدارت مكتبًا في موسكو منذ عام 2010. وفي عام 2013، دخلت "مبادلة" في شراكة مع صندوق الاستثمار المباشر الروسي لمتابعة فرص الاستثمار المشترك داخل روسيا وخارجها.

وجدد الطرفان اتفاق التعاون بينهما في عام 2019 خلال زيارة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إلى الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، لتوسيع مجال تعاونهما ليشمل الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية والسكك الحديدية والزراعة واللوجستيات.

وتشمل استثمارات "مبادلة" الأخرى في عام 2021 حوالي 150 مليون دولار في منصة "تليجرام" للتواصل الاجتماعي وحصة 2.9% في "En+ Group" الروسية، التي تمتلك حصة أغلبية في "روسال"، أكبر منتج للألمنيوم في روسيا.

ولا تعد "مبادلة" الكيان الإماراتي الوحيد المنخرط في الاستثمارات الروسية. ففي عام 2019، وقعت "أدنوك"، شركة النفط المملوكة للدولة في الإمارات، اتفاقيات تعاون مع شركات طاقة روسية لاستكشاف الفرص في روسيا والإمارات وأماكن أخرى. وفي يوليو/تموز 2021، وقعت شركة موانئ دبي العالمية ومقرها الإمارات اتفاقية مع شركة "روساتوم" الروسية المملوكة للدولة لتطوير الممر البحري الشمالي.

ووفقًا لبنود الاتفاقية، ستؤسس موانئ دبي العالمية وشركة "روساتوم" مشروعًا مشتركًا للاستثمار في القدرات اللوجستية للشحن عبر الممر البحري الشمالي (شمال روسيا في البحر المتجمد الشمالي).

كما تتزامن استثمارات الإمارات في روسيا مع تزايد المشاركة السياسية للدولة الخليجية مع موسكو. وفي منتصف 2010، أصبحت الإمارات أول دولة خليجية تطور تعاون دفاعي استراتيجي مع روسيا. وقد بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين مع زيارة ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" إلى روسيا في 2018 ثم زيارة "بوتين" إلى الإمارات في 2019. وبلغ حجم التبادل التجاري 4 مليارات دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 21% عن العام السابق.

تعتبر استثمارات الإمارات في الاقتصاد الروسي بمثابة فرصة مناسبة لموسكو أيضًا حيث حُرِمت روسيا من فرص قروض متوسطة وطويلة الأجل من الغرب بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية وتضررت من انخفاض أسعار النفط في عام 2016 ومرة أخرى خلال جائحة "كوفيد-19". لذلك كثفت روسيا من تواصلها مع دول الخليج الغنية، لا سيما السعودية والإمارات.

وبالرغم من الاختلافات في المصالح الجيوسياسية والتنافس المتزايد في سوق النفط، تمكنت روسيا من بناء جسور منفصلة مع كل من الرياض وأبوظبي. ونتيجة لدبلوماسيتها الفعالة، أنشأت روسيا، مع السعودية وبمساعدة الإمارات، عملاقا نفطيا جديدا هو "أوبك+" الذي أصبح منذ ذلك الحين أحد صانعي القرار الرئيسيين في تحديد السعر العالمي للنفط.

ومع انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، وضعت الإمارات أجندة للسياسة الخارجية أكثر واقعية من خلال الظهور كلاعب رئيسي في الديناميكيات الإقليمية.

وتعتبر علاقة أبوظبي بموسكو عنصرًا أساسيًا في سياستها الخارجية الجديدة. وبالرغم أن واشنطن تبدو غير مهتمة بالنشاط الاستثماري الحالي للإمارات في روسيا، إلا أن شهية أبوظبي المتزايدة للاستثمار في روسيا قد تثير الدهشة بين مسؤولي الأمن الأمريكيين في المستقبل.

على وجه الخصوص، يمكن أن يؤدي استثمار الإمارات في المشاريع الاستراتيجية مثل الممر البحري الشمالي ومساهمتها في تحسين الميزة التنافسية لروسيا في الأسواق المختلفة إلى تقويض فعالية عقوبات واشنطن ضد روسيا، ما يثير مخاوف صانعي السياسة الأمريكيين.

وقد يؤدي المزيد من الاستثمار إلى تفاقم المخاوف في أوقات التصعيد السياسي. وقد هددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات إضافية في حال غزو روسيا لأوكرانيا ومن المتوقع ألا تنظر واشنطن بلطف إلى الاستثمارات الإماراتية التي تساعد روسيا على تجاوز العقوبات المفروضة عليها.

المصدر | رؤوف ممادوف | الخليج الدولي

التعليقات (0)