رامي أبو زبيدة يكتب: كيف يمكن ان تستمر وتتواصل مقاومة الضفة

profile
رامي أبو زبيدة كاتب وباحث بالشأن العسكري والامني
  • clock 2 أكتوبر 2021, 7:34:39 م
  • eye 7706
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تشكل "المقاومة الفردية" رقما صعبا وهاجسا مخيفا لدى القادة الصهاينة، حيث فشل الاحتلال في توقعها أو الحد منها نظرا لعدم اتخاذها الطابع المنظم والهرمي في تشكيل الخلايا سواء اجتماعات أو تنسيق وخلافه والتي من الممكن إحباطها، وقد برزت عمليات المقاومة الفردية في ظل حالة التراجع التي تشهدها المقاومة المسلَّحة المنظَّمة ضد الاحتلال الصهيوني نتيجة عوامل عدة؛ أبرزها التشديدات الصهيونية، وجدار الفصل العنصري، وضرب الخلايا، ومطاردة عناصر المقاومة النشطة عبر التنسيق الأمني المشترك مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية والتي تعتبر العائق الاكبر نحو تنظيم وتطوير عمليات المقاومة.

منفذو العمليات الفردية وجوه جديدة لشباب المقاومة لا يألفها الاحتلال، ولا تستطيع أجهزته الأمنية رصد أحاديثها، هذه العمليات يمكن لأي شاب فلسطيني ان يحدد هدفه ويقرر أن يثأر من الاحتلال وجرائمه في تدنيس الأقصى وتهويد الضفة المحتلة، لذا يفاجئون الاحتلال باستهداف جنوده ومستوطنيه بما أمكنهم من إمكانات بسيطة.

منفذو عمليات المقاومة يضربون العدو من حيث لا يحتسب او يتوقع فليس بالإمكان رصد خططهم البعيدة عن كل وسائل التكنولوجيا أو العمل المنظم أو حتى التنبؤ بسلوكهم الآتي على حين غرّة من ثغرة أمنية تمنحهم فرصةً للنجاح وامتلاك زمام المفاجأة.

المطلوب المراكمة على ما سبق من فعل مقاوم، فيوم عن يوم وعملية بعد عملية يستمد منفذو العمليات قدراً أكبر من الشجاعة، يستفيدون من الأخطاء السابقة ويفكرون بطرق ووسائل جديدة دون أن يتمكن أمن الاحتلال من رصد خططهم، لأنه ليس بمقدور الاحتلال الولوج بين الشخص ونفسه وهم لا يشركون أحداً معهم في التخطيط، وهو ما يشكل عقبة حقيقية تشل عامل التوقع والتنبؤ بل وسياسة "الضربة الاستباقية" التي ينتهجونها.


كما يجب أن يُعتنى بمنفذي العمليات بعد الانسحاب، فيؤمن لهم كل شروط مساعدته على عدم الوقوع بيد العدو وعلى الخصوص التخلص من كاميرات التصوير المنتشرة في شوارع الضفة الغربية، وذلك لإبقاء زمام المبادرة بيدهم، وهذا يتطلب أن نكون عوناً وعيناً لهم وعدم الوقوع في الحملات التي يشنها العدو بحثاً عنهم، مما يقتضي تعاوناً وثيقاً من قبل الشعب مع أبنائه الشجعان

وواجب حركات المقاومة استثمار هذه العمليات المتصاعدة وتوظيفها بشكل مناسب يسهم باسترجاع دورها الى صدارة العمل المقاوم والبناء عليها وتشييد كيان مقاوم يقف على أسس صلبةٍ لا تهتز ولا تتزعزع لو أحسنا أفراداً وتنظيمات فهمه والتعامل معه.

الفعل المقاوم الفردي فتح الباب أمام مرحلة جديدة في الكفاح الفلسطيني المهم، علينا المراكمة على هذه العمليات الفردية، فإن تراكميتها ستقود إلى ثورة وليس إلى انتفاضة لو تم تحصينها وأحسن البناء عليها، والانتقال بها إلى مرحلة قادمة نحو الخلاص من الاحتلال، فالمقاومة الفردية تعيق تقدم العدو، وليس شرطًا أن تهزمه، لكنها تعطي لفصائل المقاومة فرصة التقاط الأنفاس لتقاتل مجددًا من يصمد ويستمر ويحافظ على الأمل في هذا الوقت المأزوم هي المقاومة الفردية الواعية المجدية.

يبدو واضحاً الآن أن الفعل المقاوم بالضفة الغربية، يستمر ويتواصل بخصائص ووسائل مختلفة عما سبق من انتفاضات، حيث يتعزز عمل المقاومة بالضفة من خلال عمليات المقاومة الفردية الغير المنظّمة أو غير الموجّه مباشرة من قيادة بعينها، لكنها في تطور متصاعد.


هذا التطور يصحبه توجيه مكثف بالخبرات الأمنية والعسكرية من المقاومة الفلسطينية بغزة عبر منابرها الاعلامية والعديد من الطرق هذا التوجيه مدروساً بمتطلبات المرحلة ونواقصها فمن شأن هذا التوجيه أن يرفع من كفاءة المقاوم الفرد، ومن حسّه الأمني ووعيه العسكري، وحسن اختياره للأهداف، وصولاً إلى التطور من الخلية الفرد إلى الخلية المكونة من عدة أفراد وهذا بدأ في العمليات الأخيرة، حتى وهي تنطلق بدوافع ذاتية ودون توجيه مباشر من فصيل معيّن.

كما تشكل المقاومة الشعبية المستمرة لأهالي بيتا واستلهامهم فكرة الإرباك الليلي من التجربة التي انتهجتها مسيرات العودة في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة ردا على جرائمه وعدوانه المستمر ضد أبناء الشعب الفلسطيني، حالة كفاحية متقدمة ورادعة، بعنصريها البشري والمادي وبأدواتها الملائمة، تشكل بمجموعها تهديدا وخطرا على حياة المستوطنين وأمنهم، فعندما يحس المستوطن أن حياته وأسرته باتت في مرمى الخطر والموت، تجبره على ان يعيد حساباته، وربما تلجم ممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.

لذلك استمرار الفعل الشعبي النضالي لأهالي بيتا وانتقاله لبؤر استيطانية أخرى على امتداد الضفة الغربية يشكل ردعًا فعالاً لجموع المستوطنين، وتهديدًا جدياً لمجمل دور الفعل الاستيطاني ضمن المشروع الصهيوني، وكل فعل شعبي فلسطيني مبادر بالضفة الغربية يعد مقاومة فعالة في مواجهة المشروع الصهيوني

مطلوب المراكمة على ما سبق وان تتشكل في كل مدينة وقرية عدة خلايا صغيرة منفصلة بعيدة عن التسلسل الهرمي التنظيمي، حيث ستشكّل ضامناً لاستمرار المقاومة بمقاومة فاعلة تضرب أهدافاً محددة ومجدية، ولن يشكل انكشاف أحدها أو بعضها انهياراً لبقية الخلايا والمجموعات.


إن تواصل تنفيذ العمليات الفردية وكل اشكال المقاومة يؤكد على نجاحها من جهة، وعلى غضب كبير يعتصر الفلسطيني من جهة أخرى، وبخاصة جيل الشباب منه جراء ما يحدث في القدس والضفة، فمسؤولية الدفاع عن الأقصى مسؤولية فردية وجماعية؛ وأمام الاعتداءات التي يراها شباب ورجال الضفة بأعينهم من قبل قطعان المستوطنين على الأقصى، وتغول الاحتلال وقتله المستمر للأبرياء الأمر الذي دفع ويدفع بأبناء فلسطين أن يقاوموا هذا المحتل بما توفر من إمكانيات فردية بسيطة، كالسكين، والساطور، والسيارة، والقنابل الحارقة، والأكواع المتفجرة.

بالختام صحيح ان الفعل المقاوم الفردي شكل ومازال في هذه المرحلة فعلاً مقاوماً مؤثراً وفعالاً ، لكن بالرغم من قدرة العمليات الفردية على ترك أثر كبير على المجتمع الصهيوني وقدرتها على التحرر من سطوة التنسيق الأمني والملاحقة الصهيونية، فإن عمليات المقاومة الفردية وإن خرجت من رحم الحاجة للرد على جرائم العدو وغطرسته، إلا أنه ينبغي الآن البحث وتفعيل أساليب مقاومة أخرى، لأنه لا ينبغي أن تكون هذه العمليات الأداة التي تمارس وحدها في ظل هذا العدوان البربري وحالة التحفز والجاهزية للقتل التي تمارس ضد أبناء الشعب الفلسطيني.

التعليقات (0)