«فورين بوليسي»: لماذا يخسر اليمين المتطرف دائمًا بالرئاسة في فرنسا؟

profile
  • clock 23 أبريل 2022, 12:52:22 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

إن حزب مارين لوبان محكومٌ على أدائه بأنه دون المستوى المطلوب، حتى لو فاز بالانتخابات في نهاية المطاف.

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تحليلًا أعدَّه إميل شابال، متخصص في التاريخ السياسي والفكري لأوروبا، ومايكل سي بيرنت، أستاذ التاريخ في جامعة أبالاتشيان في نورث كارولينا، سلَّطا فيه الضوء على الأسباب الجذرية التي تجعل مارين لوبان تخسر باستمرار في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لا سيما أنها المرة الثانية على التوالي التي تدخل فيها جولة الإعادة للانتخابات.

استهل الكاتبان تحليلهما بالإشارة إلى أن كثيرًا من التغطية الإعلامية حول الانتخابات الرئاسية في فرنسا ركَّزت على المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان. وفي ظل بعض استطلاعات الرأي التي أظهرت أنها تقترب من الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، بعد أن نجحت في اجتياز الجولة الأولى من الانتخابات، هناك مخاوف مبررة، خاصة خارج فرنسا، من أن فوزها بالانتخابات أصبح وشيكًا.

لماذا لم تفز من قبل؟

يقول الكاتبان: لكن هناك طريقة مختلفة لقراءة قصة مارين لوبان. وبدلًا عن التساؤل هل بإمكان مارين الفوز بالانتخابات في جولة الإعادة القادمة أم لا، يجب أن نطرح أولًا سؤالًا أقل وضوحًا: لماذا لم تفز مارين من قبل؟ وعلى أية حال تمكنت الأحزاب اليمنية المتطرفة والمنتسبون إليها من السياسيين مؤخرًا، سواء وحدهم أو بالتحالف مع أحزاب أخرى، من تولي مقاليد الحكم في عدد من الدول الأوروبية مثل النمسا، وإيطاليا، والمجر.

وعلى النقيض من ذلك فشلت مارين وحزبها «التجمع الوطني» في تأكيد وجودهم في أي مستوى من مستويات السياسة الفرنسية. وفي حملات الانتخابات الرئاسية الفرنسية، مُنِيَ كلٌ من مارين ووالدها جان ماري لوبان، بالهزيمة في جولات الإعادة في انتخابات عامي 2017 و2002، بالترتيب ذاته. كما أن حزب «التجمع الوطني» لديه سبعة أعضاء في الجمعية الوطنية الفرنسية (المجلس التشريعي ذو الرتبة الأدنى في مجلس النواب الفرنسي) المكونة من 577 عضوًا، ولا يسيطر على أي من الإدارات الإقليمية القوية في فرنسا، بالإضافة إلى أن الحزب ليس لديه سوى 12 رئيس بلدية من بين أعضائه من إجمالي 35500 رئيس بلدية على مستوى البلاد.

يوضح الكاتبان أن هذا الأمر يثير الدهشة بدرجة أكبر نظرًا لديمومة الحزب وطول عمره. إذ تأسس حزب «الجبهة الوطنية»، كما كان يطلق عليه حتى عام 2018، في عام 1972، مما يجعله أحد أقدم الأحزاب اليمينية المتطرفة وأعرقها في أوروبا. وكان أول إنجاز انتخابي حققه الحزب في أوائل ثمانينات القرن الماضي، أي منذ ما يقرب من 40 عامًا، وفي أجزاء كثيرة من فرنسا، تمكن الحزب عدة مرات من تحقيق نسبة تصويت تتراوح بين 15 و30%. ومع ذلك فإن تأثير الحزب وزعيمته يكاد يكون لا يُذكر على صعيد السياسة الفرنسية خارج الدورات الانتخابية.

ما تفسير هذا الإخفاق؟

يُشير كاتبا المقال إلى أن مارين وأتباع حزبها لديهم إجابة واحدة على هذا السؤال: ألا وهي النظام الانتخابي. وبحسب ما يرون، فإن النظام الانتخابي المكون من جولتين لمعظم الانتخابات الفرنسية يُقلص من قوتهم على نحو مصطنع. ويشيرون بحماس إلى نجاحهم النسبي المُحرَز في الانتخابات الأوروبية، التي تُحدَّد من خلال نظام نسبي معتمد على القائمة ومكون من جولة واحدة، على أنه مثال على كيفية أداء الحزب إذا كانت العملية الانتخابية تعكس نسب التصويت بدقة.

ويوجد شيء من الحقيقة في هذا الادعاء. لقد تأسس نظام الحكم الجمهوري الحالي في فرنسا بموجب دستور الجمهورية الخامسة في عام 1958، في وقتٍ كانت تموج فيه البلاد في مشكلاتٍ عديدة، منها تورطها في حرب استعمارية عنيفة في الجزائر ومواجهتها لخطر الانقلاب العسكري اليميني المتطرف. كما كان الحزب الشيوعي الفرنسي وقتئذ قوة سياسية كبرى. وأُنشِئ النظام الانتخابي المكون من دورتين انتخابيتين، الذي يعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر، لمحاصرة التطرف السياسي وإبعاده.

وأبرز الكاتبان أنه بعد ذلك تمكنت أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط من السيطرة على مقاليد السياسة الفرنسية، في الفترة من أوائل الثمانينات، عندما أصبح حزب «الجبهة الوطنية» له تأثير انتخابي للمرة الأولى، وبين عام 2017. وكان ثمة تواطؤ بين هذه الأحزاب برفض تشكيل تحالفات مع اليمين المتطرف، على اعتبار أن هذا الأمر محاولة من تلك الأحزاب للدفاع عن مبادئ الجمهورية الفرنسية (أي الديمقراطية) ضد الحزب، الذي عادى النظام الجمهوري عبر التاريخ، وعُرف تجمع هذه الأحزاب باسم «الجبهة الجمهورية»، وأكَّدت على القضاء على الأحزاب والمرشحين اليمينيين المتطرفين إلى حد كبير في الجولة الأولى من الانتخابات.

انتشار أفكار اليمين المتطرف

يستدرك الكاتبان قائلين: ومع ذلك هناك ما هو أكثر من فشل «التجمع الوطني» بسبب النظام الانتخابي. وفي كثير من الأحيان، بدا الحزب نفسه على أنه أكثر قليلًا من مجرد وسيلة لتحقيق الطموحات الشخصية والفوز في الصراعات الداخلية لعائلة لوبان. وأشهرها ما حدث في عام 2015، عندما طردت مارين والدها من الحزب الذي أسسه، وانشقت ماريون ماريشال، ابنة شقيقة مارين لوبان، عن الحزب في الدورة الانتخابية للعام الجاري ودعمت المرشح اليميني المتطرف المنافس إيريك زمور.

زادت هذه النزعات والاتجاهات بسبب الهيكل الحزبي الضعيف. ولم يسعَ الحزب تقريبًا لاستقطاب النشطاء والاحتفاظ بهم، كما لم يكن هناك كثير من المشاركات مع المجتمع المدني. وفي الوقت الذي أصبح فيه الحزب يمتلك حاليًا بعضًا من الخبرة في الإدارة المحلية والبلدية، فإن هذا لم يؤتِ ثماره حتى الآن بتجهيز عدد من الكوادر الحزبية المخلصة. وبدلًا عن ذلك أدَّت سلطة مارين لوبان المطلقة إلى انتشار الفساد الموثَّق على نطاق واسع، مثل اختلاس الأموال والمحسوبية.

وعلاوةً على ذلك، وبينما نجحت مارين وحزبها «التجمع الوطني» في تشكيل ملامح النقاش السياسي، فإن قدرتهم على فعل ذلك تنتهي إلى هذا الحد فحسب. ولاحظ عديدٌ من المعلقين الانتشار الحتمي لأفكار اليمين المتطرف في التيار العام للسياسة الفرنسية منذ الثمانينات. بل إن السياسيين اليساريين كرروا أحيانًا أفكارًا لليمين المتطرف حول مسائل مثل الهجرة، والمواطنة، والإسلام والتفضيل الوطني. وأصبح ما يشاع بشأن تعميم أفكار مارين وحزبها في التيار السياسي حقيقة قوية.

تظهر استطلاعات الرأي، التي أجريت على المدى الطويل، أن الدعم لسياسات «التجمع الوطني» تصل إلى حد 30٪، وهو ما يتماشى مع النتيجة التي حققتها مارين وزمور مجتمعَيْن في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة هذا العام. وسوف تواجه مارين مشكلة اجتياز هذا الحاجز، لأسباب ليس أقلها أنها شخصية معروفة سياسيًّا، على عكس الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، أو الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو.

كيف أصبحت مارين لوبان أكثر قبولًا؟

يؤكد الكاتبان على أن المسلك الذي تسلكه مارين وحزبها، الذي يعد حركة سياسية معتمدة بقوة على الطبقية إلى حد التذكير بسياسات حقبة سابقة، يُعد دليلًا على رسوخ مارين العميق في السياسة الفرنسية. وفي ثمانينات القرن الماضي كان ناخبو الحزب ينتمون إلى مجموعة متنوعة نسبيًّا من الفئات ذات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المختلفة. وفي الوقت الراهن، يستقطب الحزب مزيدًا من جمهور الطبقة العاملة الأقل تعليمًا، والتي تتضمن وظائف قطاع الخدمات ذات الجودة المنخفضة تمامًا، مثل عمال المصانع.

ولا يمكن النظر إلى السياسة الطبقية لـ«التجمع الوطني» في حد ذاتها على أنها عقبة. وفي حقيقة الأمر ترجع النتيجة الاستثنائية التي حققتها مارين في الجولة الأولى من انتخابات هذا العام إلى الطريقة التي استغلت بها القلق الشعبي بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة، إلا أن النجاح في السياسات الديمقراطية يعتمد على تشكيل تحالفات واسعة. ولم يحقق الحزب سوى قليل من النجاحات لجذب مزيد من النخب الأكثر تعليمًا وتحضرًا وإيمانًا بالعولمة في البلاد. وفي حين أن توجُّه الحزب الطبقي يضمن مكانته بصفته حزبًا كبيرًا، لا يبدو من الواضح على الإطلاق أن هذا التوجُّه سيكون كافيًا لتحقيق الفوز في الانتخابات.

ويلفت الكاتبان إلى أنه لا يعني أي من هذا أن فوز مارين بالانتخابات الرئاسية مستحيل. إذ يبدو جليًّا أن السياسات الفرنسية شهدت بعض التطورات المهمة التي جعلت مارين أكثر قبولًا. وفوق ذلك كله طُمِست معالم أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط الكبرى في فرنسا، مع تأكيد الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة هذا العام على موت تلك الأحزاب. ولذلك فإن إستراتيجية الجبهة الجمهورية باتت أقل فاعلية بكثير، حتى لو كانت تعيد تشكيل نفسها في مظهر جديد حول مختلف الأحزاب والمرشحين من اليسار، وجميعهم أطلقوا دعوات واضحة لـ«منع» مارين من الوصول إلى الجولة الثانية.

ومع ذلك فإن السياسات الاستقطابية والشخصية للرئيس الحالي أنتجت آفاقًا لوجود جبهة موازية مناهضة لماكرون. وتُعد هذه الديناميكية مهمة بصفة خاصة فيما يتعلق بفهم تفضيلات هؤلاء الذين صوَّتوا لمرشح اليسار المتطرف جان لوك ميلينشون. وعلى الرغم من أن ميلينشون نفسه أعلن بوضوح أن مؤيديه لا ينبغي أن يمنحوا صوتًا واحدًا لمارين، فمن المحتمل أن ينقسم أنصاره بين الجبهة الجمهورية والجبهة المناهضة لماكرون، بينما يفضل كثيرٌ منهم البقاء في المنزل. وثمة عاقبة غير مقصودة لهذا الأمر تتمثل في أن إستراتيجيات الجولة الثانية التي اتبعتها مارين وماكرون متشابهة إلى حد كبير؛ إذ يحاول كلاهما مغازلة اليسار دون فقدان دعم اليمين. 

أداء «التجمع الوطني»

يشدد الكاتبان على أنه على الرغم من ذلك ينبغي على مارين التغلب على أحد أكبر العوائق أمام جميع الحركات السياسية الفرنسية الراديكالية لكي تفوز في الانتخابات: الخوف الشديد من اندلاع اضطراب اجتماعي وسياسي في البلاد. وبينما لا تزال فرنسا تُعد مجتمعًا مشهورًا بالسياسات الخلافية والراديكالية، وربما يعزو ذلك إلى هذا التاريخ، فإنه نادرًا ما شهدت فرنسا خلال القرن العشرين تغييرًا سياسيًّا كبيرًا من خلال صناديق الاقتراع.

ولم ينتخب الفرنسيون أبدًا حكومة يمينية متطرفة، بل حتى المرات التي اختار فيها الفرنسيون الاشتراكيين، الذي يصفون أنفسهم بذلك، كانت قليلة ومتباعدة (في أعوام 1936، و1981، و2012). وعلى الرغم من ارتفاع الاستياء الشعبي من السياسات غالبًا، وقد وصل إلى ذروته في الوقت الحالي، يمكن القول إن قابلية الفرنسيين للسياسات المدمرة أضعف بكثير مما كانت عليه في غيرها من الأنظمة الديمقراطية. ولم تنجح الكوميديا التراجيدية التي شاهدناها في (البريكست)؛ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة. في تشجيع الشعب الفرنسي على خوض تجارب مماثلة.

وفي نهاية المطاف، حتى لو فازت مارين بالانتخابات الرئاسية بطريقة ما في جولة الإعادة المزمع إجراؤها يوم 24 أبريل (نيسان)، ينبغي ألا يفترض أحد أنها تستطيع أن تحذو حذو قادة مثل فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري، والذين تمكنوا من فرض أجندتهم من جانب واحد. وعندما فاز برئاسة فرنسا عام 1981 فرانسوا ميتران وهو اشتراكي التزم بـ«القطيعة مع الرأسمالية»، وضم عددًا من الشيوعيين إلى حكومته. استشعر كثير من المراقبين القلق، لكنه في غضون عامين تبنى إجراءات تقشفية وأوقف إصلاحاته.

ويختتم الكاتبان تحليلهما بالقول: قد تواجه مارين مشكلات مماثلة مع خطتها لاقتراح استفتاء لإدخال مبدأ «التفضيل الوطني»، الذي من شأنه أن يمنح مزايا اجتماعية للمواطنين في المقام الأول، ويمكن للناخبين أن يرفضوه، تمامًا كما حدث مع المعاهدة الدستورية الأوروبية في عام 2005 على الرغم من دعم الحكومة لها. كما أن جدول أعمال مارين التشريعي سيعتمد على أداء «التجمع الوطني» في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في يونيو (حزيران)، وهو أمر غير مؤكد على الإطلاق. وعلى غرار ما واجهه ميتران من قبل، فقد تواجه خطة مارين لزيادة الإنفاق الاجتماعي رفضًا مُنهِكًا لأسواق السندات الدولية.

ولذلك، وفي حين أنه من المهم أن يُصبح «التجمع الوطني» حزبًا كبيرًا، فإن هذا لا يعني أنه سيكون محصَّنًا من التعرض لبعض التقلبات التي يمكن أن تُعرقل أية حركة سياسية، حتى تلك الأقل إثارة للجدل.

التعليقات (0)