أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «إستراتيجيات المُجابهة».. المواجهة الايرانية الاسرائيلية في سورية.

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 27 مايو 2023, 11:53:58 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تحديات إقليمية ودولية جمَّة إستحدثتها تداعيات الحرب على سوريا، واستحضرت معها تعقيدات أثرت وتؤثر في رسم ملامح المرحلة المُقبلة، وقد برزت مؤخراً نقاط محورية انطلقت في جزئياتها من نتائج الشأن السوري بشقيه السياسي والعسكري؛ فـ الحقائق التي تحمل معها سيناريوهات قد تكون كارثية المضمون والأهداف، انطلقت من مستقبل الصراع الايراني الاسرائيلي في سورية، بوصف التواجد الإيراني في الجغرافية السورية مُهددا بارزاً لمنطلقات الأمن القومي لإسرائيل؛ كل هذا يأتي في سياق الحرب السورية وأوزارها.

تلوح في أفق الملف السوري، معادلات سياسية ناظمة لخارطة طريق تؤسس لجُملة من الحلول، لكن في ذات التوقيت، تبرز أخطار وتحديات مُستجدة تُترجمها الزيادة المطردة في المواجهات الإقليمية داخل الجغرافية السورية وفي محيطها. وعليه يُمكن اعتبار المواجهات بين إيران وفصائلها في المنطقة، مع اسرائيل وداعميها الإقليميون والدوليون، أهم ما يُهدد الخارطة الإقليمية، حيث أن هذه المواجهات قابلة للتمدد والاتساع، لا سيما أنها ازدادت في الآونة الأخيرة، وتيرة الاستهدافات الاسرائيلية لأهداف سورية وايرانية، قابله رد على مستويات غير مسبوقة. من هنا يبقى باب التساؤلات والهواجس مفتوحاً على مصراعيه، خاصة أن احتمالات التصعيد تبقى في مستويات مرتفعة تطغى على احتمالات التهدئة، وهذا ما يقودنا مباشرة إلى التعمق في ماهية الصراع الإيراني الاسرائيلي، والذي ما زال حتى اللحظة محكوماً بظروف اقليمية ودولية، ومثلها سياسية وعسكرية لم تنضج بعد، لتُهيأ بنضوجها مسرحاً عسكرياً يمتد من طهران مروراً بـ بغداد، ووصولا لدمشق، وحتى حزب الله الفصائل الفلسطينينة.

بين هذا وذاك، يدور سؤال جوهري لدى الكثيرين، يتمحور حول أسباب التصعيد وإسقاطاته على المنطقة بشكل عام، و"محور المقاومة ككل" بشكل خاص، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إسرائيل تقوم بدراسة موازنة لكافة الاحتمالات والسيناريوهات، إنطلاقاً من بُعدين أساسيين:
الأول – نتائج وتداعيات وفواعل الملف السوري، خاصة أن التطورات في الملف السوري، وعودة الإنفتاح الجُزئي على دمشق، ستكون له تداعيات سلبية مؤثرة وبأبعاد استراتيجية قد لا تتبلور نتائجها أو تداعيتها في المدى المنظور، لأن المرتكز الاساسي لـ إسرائيل ينطلق من الدعم الأمريكي، إضافة إلى تعاطف من قبل المحيط الإقليمي لإسرائيل، مع عوامل تُهيأ بمُجملها لإعلان علاقات بصيغة كاملة مع كافة دول الخليج. هذا الأمر قد يلجم إسرائيل بصورة مؤقتة، لكن عوامل الضغط التي تتولد جراء التطورات الإقليمية، وقدرة أعداء إسرائيل على التماهي والتوازن في وجه الثقل السياسي والعسكري للولايات المتحدة، قد يؤدي إلى تصدع عقيدة الطرف الاسرائيلية بوصفها عُمقاً استراتيجياً لإسرائيل.
الثاني - نظرية تأمين العمق الاستراتيجي لإسرائيل؛ فقد شهدت بدايات الخمسينيات من القرن الماضي بلورة عقيدة الأمن الإسرائيلية التي صاغها أول رئيس لحكومة الاحتلال ووزير دفاعها ديفيد بن جورين، وجاءت تلك العقيدة الأمنية لتعزيز قوة الردع وفقًا للظروف الجيوسياسية المتعلقة بضعف العمق الاستراتيجي، وتكوين شراكات مع الدول غير العربية في المنطقة مثل تركيا، إضافة إلى محاولة الوصول إلى الدول الإقليمية العربية المحيطة بـ إسرائيل، عوضًا عن استخدام الحرب الوقائية للدفاع عن أمنها القومي، ونقل المعركة إلى خارج الحدود الإسرائيلية. لكن برزت العديد من المتغيرات الإقليمية التي من شأنها اختبار العقيدة الأمنية الإسرائيلية وعلاقاتها الخارجية، بما يستدعي الوقوف عند حدود هذه العقيدة ومدى نجاحها. وبإسقاط نتائج التطورات الإقليمية على هذه النظرية، نجد أن إسرائيل في مأزق بمستويات صادمة كارثية، وهذا ما دفع بصانع القرار العسكري في اسرائيل، إلى تبني محددات الاستراتيجية العسكرية المرتكزة على استمرار التوترات في المحيط الاقليمي، والاعتماد على ضربات تكتيكية نافذة ضد الخصم، تُحقق تفوقاً استراتيجياً رادعاً.

ضمن إطار استراتيجيات المُجابهة، فقد تطورت الاستراتيجية الإسرائيلية بطريقة تتناغم والسياق السياسي والعسكري الناظم للشأن السوري، فقد قامت إسرائيل بجُملة من الإجراءات التي شكلت في مُجملها بُعداً استراتيجياً تكتيكياً؛ كل هذا بهدف إضعاف دمشق، وفي جانب أخر سعت اسرائيل إلى فك ارتباط دمشق بـ إيران، عبر الولوج في آليات تعتمد على اللعب ضمن المصالح المُتناقضة، وتحديداً في الجُزئية المتعلقة بالمصالح الروسية الإيرانية في سورية، حيث سعت إسرائيل إلى الترويج بحدوث خلافات بين حليفي دمشق، كنقطة ارتكاز يُمكن من خلالها جذب روسيا إلى الخطة الاسرائيلية والضغط على دمشق لإخراج إيران من سوريا.

في المقابل، فإن التنسيق الروسي الإسرائيلي وطبيعة العلاقة بين البلدين، لا تحكمه أسقف سورية وإيران، كما أن روسيا تعي جيداً أن من أولويات دمشق وطهران ترسيخ معادلات ردع مُهددة لإسرائيل، وهذا استراتيجياً لا يضر بالمصالح الروسية ضمن منظومة العلاقة مع سوريا وإيران، والتي تمتد حُكماً إلى المصالح الروسية إقليمياً ودولياً.

في وقت سابق من عُمر الحرب السورية، دعمت إسرائيل العديد من الفصائل المسلحة في الجنوب السوري، لكن لم تتمكن إسرائيل من إحداث تغيير جُغرافي بإطار سياسي عسكري في جنوب سورية، لـ تنتقل بعدها إسرائيل إلى تكتيك تضمن بموجبه التعويض عن رهاناتها الفاشلة، والعمل وفق مقتضيات المرحلة التي فَرضت إتباع نمطاً جديداً من الاستراتيجيات، فقد ركزت اسرائيل على جُزئية التواجد الإيراني في سوريا، والعمل بُغية إنهاء هذا التواجد بطريقة إعلامية عسكرية، فالتجييش الإعلامي ضد إيران وقواعدها في سورية، يدخل ضمن النظريات الاستراتيجية الرامية إلى تقليص وإنهاء دور ايران ليس في سورية فحسب، بل تحجيم وتأطير دورها ضمن المحيط الإقليمي لإسرائيل.

وعطفاً على جُزئية التواجد الإيراني في سورية، فقد كثفت اسرائيل من اعتداءاتها على مواقع الجيش السوري ومناطق تواجد القوات الايرانية، وهذا يأتي ضمن استراتيجية اللعب في الوقت المُتعلق بالعمل على استمرارية الحرب، وقد بدا واضحاً أن انتقال اسرائيل بين الاستراتيجيات والعمل على صوغ معادلات اشتباك جديدة، إنما تسعى إلى ضمان تفوقها على الصُعد السياسية والعسكرية والأمنية، مع توظيف هذا التفوق في المسار التفاوضي ضمن أي مناسبة تسمح بالجلوس على طاولة المفاوضات، أو يمكن من خلال ذلك لـ واشنطن أن تستثمر التفوق الاسرائيلي في الضغط على روسيا وسورية وإيران. وبالتالي تُعتبر هذه الاستراتيجية الاسرائيلية نمطاً من افساح المجال للدبلوماسية، مع الإدراك الكامل بأن بنية الكيان الاسرائيلي لا يمكن لها أن تحتمل حرباً طويلة.

تحت عنوان "الاستعداد لمواجهة بين إسرائيل وإيران في سورية"، كتب إهود يعاري في معهد واشنطن لسياسات لشرق الأدنى، " تسير إسرائيل وإيران نحو تصادم في المستقبل القريب. وبالفعل، يبدو أن صداماً مسلحاً قد يتوسّع إلى ما هو أبعد من الأراضي السورية أمراً محتّماً تقريباً. وعلى وجه الخصوص، إن الحرس الثوري الإيراني مصمم على تحويل سوريا إلى منصة حرب مستقبلية ضد إسرائيل، التي أقسم قادتها على منع ما يصفونه غالباً بتضييق الخناق على إسرائيل"، وخلُص يعاري في نهاية مقالته إلى نتيجة مُفادها أن " الأهم من هذا كله، ومن أجل منع اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران، التي يمكن أن تتوسّع بسهولة لتطال لبنان وغزة، يتعين على الولايات المتحدة أن تقدم دعمها لحملة إسرائيلية مستمرة لتدمير - عند الضرورة والإمكان - المنشآت الإيرانية في سورية، ورفع تكاليف جهود الحرس الثوري الإيراني بشكل مستمر إلى الحدّ الذي يدفع بكل من طهران ودمشق إلى إعادة النظر في إمكانية تطبيق مشروع سليماني".

في مقابل الاستراتيجيات الاسرائيلية وتشعباتها، فقد بات واضحاً أن الشرق الأوسط يرزح تحت نظريات القوة وموازنة الحضور والتأثير سياسياً وعسكرياً، وهذا حقيقة ما تمَّسك به إيران من العراق مروراً بسورية وفلسطين وصولا إلى حزب الله. فقد اعتمدت إيران على تفعيل منطق القوة والتأثير في مجابهة الاستراتيجيات الاسرائيلية، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن محور واشنطن دائما ما يملك أوراق ضغط يمكن استثمارها والتلويح بها عند أي منعطف استراتيجي. وعليه فإن الحضور الايراني في سوريا، والتوافقات حياله سورياً وروسياً، يدخل في إطار تحقيق الموازنات واستراتيجيات المُجابهة، خاصة مع استمرار التواجد الأمريكي والتركي في سوريا، حيث ان هذه الاستراتيجية تُحقق قوة فاعلة ومؤثرة في مجابهة الاستراتيجيات الأمريكية الاسرائيلية التركية التي لا تنفصل إطلاقاً عن وحدة المضمون والأهداف، مع اختلاف بسيط يتم استثماره، لجهة بقاء اللاعب التركي ضمن الأهداف الاستراتيجية لروسيا، وتوظيفه في سياق الحلول السورية والإقليمية.

خلاصة القول، سورية وروسيا وإيران، تمكنوا جُزىياً من مجابهة الاستراتيجيات الاسرائيلية في سوريا، وكذا الأمريكية منها، وهذا في العمق يفتح بات التساؤلات والمواجهات معاً، إضافة إلى التكهنات والهواجس حول مستقبل هذه الاستراتيجيات، والتي لن تخلو إطلاقاً من بُعدٍ عسكري، كما أن السيناريوهات المتوقعة التي تأتي في سياق استراتيجيات المجابهة بين إيران واسرائيل، سيكون لها تداعيات إقليمية جمة ستُرسم بموجبها ملامح المرحلة المقبلة في سورية والمنطقة.
 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)