أ.طه الشريف يكتب: قرية بارلي الحدودية بين بلجيكا وهولندا .. شاهدة على سخافة الخلافات العربية.

profile
أ. طه الشريف كاتب مصري
  • clock 11 سبتمبر 2023, 9:33:40 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

شاهدت دون قصد فيلما تسجيليا عن قرية أوروبية تسمي "بارلي"، تتداخل فيها الحدود بين دولتين أوربيتين؛ إحداهما تضع قدماً في دولة، والثانية تضع قدمها في الدولة الأخرى!..

ولقد رأيت من السلاسة والمرونة في تعامل الدولتين (بلجيكا، هولندا) ومعهما المؤسسات المحلية، إضافة للسكان، في التعاطي مع واقعٍ غير مألوف، حتى صارت القرية مَعلما سياحيا يقصده السياح، ليشاهدوا روعة الاتفاق البشري في واقع لا تتوفر فيه غير عناصر الاختلاف!..

وتتداخل المناطق بين الدولتين المتجاورتين، وتسمى الأجزاء البلجيكية "بارلي هيرتوج" وتسمى الأجزاء الهولندية من القرية "بارلي ناسو"، هذا ولم يكتمل ترسيم الحدود بين الدولتين قبل عام 1995، على الرغم من استقلال بلجيكا عن هولندا عام 1831.

ويبلغ عدد سكان البلدتين 9000 نسمة، ولهم الحرية في تسجيل أسمائهم وبياناتهم في أي بلدية من البلديتين، بالإضافة لوجود مركزي شرطة ومكتبي بريد ومركزي إطفاء..إلخ، ولربما شاهدت موظفي البلدتين من رجال الشرطة ومصلحة استخراج الأوراق وغيرهم يعملون في مكتب واحد؛ كلٌ يتبع دولته ويعمل تحت علم بلاده!..

ولكل شطر من القرية عمدة تابع لبلاده، ولربما استخدم سكان أحد البلدتين المتداخلتين الرقم الدولي بينهما في إجراء المكالمات رغم وجود كل منهما ربما في شارع واحد، فالاختلافات في القرية الصغيرة حاضرة إلا في أمر واحد فقط؛ غرف الصرف الصحي والتي لا تخضع لأي حدود سيادية هنا أو هناك!

ومن أعجب ما تراه في قرية بارلي هو وجود الخطوط الفاصلة في شوارع القرية لإعلامك كزائر أو مقيم بأنك في سبيلك للعبور بين حدود الدولتين! ولربما جلست تحتسي القهوة على إحدى مقاهي البلدة لتشاهد الشريط الحدودي يمر بين كراسي وطاولات المقهى! بل وهناك ما هو أشد غرابة من ذلك حينما تطالع أحد المنازل وقد دُوَّن عليها رقمين مختلفين أحدهما تابع لبروكسل والثاني تابع لأمستردام، وليس ذلك وحسب، بل ويوجد لبعض المنازل بابين تدخل من أحدهما داخل الدولة البلجيكية وتخرج من الباب الآخر تحت إدارة الدولة الهولندية!

يحدث كل ذلك دون صدام أبله أو تصعيد ساذج أو كمائن للتفتيش، ولو حدث لهرب السكان ولما حضر السائحون ولما تسامع بها العالم بما يحدث خلال يوميات القرية.

وقد انصرفت بمخيلتي -كعادتي- تلكم التي لا تسمح لي بأن أهنأ بلحظات الاستمتاع وأنا أُنْصتُ بشغف أثناء متابعتي للفيلم التسجيلي، فجاءتني -مخيلتي- مسرعة بلا شفقة! بالصورة الكئيبة لواقعنا العربي السخيف في التعامل مع ملفات الحدود.

ويكفي القارئ مراجعة أي من الأزمات الحدودية داخل وطننا العربي، ليرى كمّ الجمود والتخلف بل والنشنج في التصعيد غير المبرر، وكأنها من الثوابت المستقرة لدينا حيال النزاعات البينية بيننا! ولسوف توقن -أو تكاد- بعد مشاهدة متأنية بأن تلك الأزمات قد صُنعت لتبقى بين الأشقاء!..


وسنأخذ مثالا نتحدث عنه مثل "أزمة الصحراء الغربية" بين الشقيقتين الجزائر والمغرب، نموذجا صارخاً لضيق الأفق عند العرب، ولدى القائمين على صناعة سياستنا الخارجية، ولن يسعفنا المقال للحديث عن بقية الأزمات الحدودية مثل: أزمة الحدود السعودية اليمينة، والحدود البحرية المصرية الليبية، والحدود البرية المصرية السودانية، وكذلك أزمة الحدود البحرينية القطرية، فأزماتنا كثيرة لكنك ستتفق معي أنها تُدار من غرفة عمليات واحدة!

أزمة الحدود البرية بين الجزائر والمغرب.. نموذج على سخافة الخلافات العربية العربية!

سنجد في هذه الأزمة، مع ما بين الشقيقتين من قواسم مشتركة كاللغة والدين والثقافة، في ظل سيطرة الخلافات المصطنعة -أحيانا- ربما للتحالفات الدولية الخاصة بكل دولة على حدة، أو للحسابات السياسية التي لا تلتفت إلا لمصلحة القُطر الواحد، بعض المسارات التي تنتهي بالحرمان من أي فرصة للتوافق والتعاون كما كان في الماضي؛ حينما اشتركت الدولتان في النضال ضد المستعمر الفرنسي، ولربما استفاد المستعمر من الماضي!

النشأة: كانت عام 1963م، حدثت ساعتها مواجهات عسكرية سميت بـ"حرب الرمال" والسبب: محاولات المملكة استرجاع منطقتي تندوف وبشار من الجزائر..

محطات:

- قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في آب/ أغسطس 2021، متهمة الرباط بـ"أعمال عدائية"، وهو ما أزعج المغرب..

- الجزائر توقف تدفق أنابيب الغاز المتجه إلى إسبانيا براً مرورا بالمغرب والاكتفاء بالأنبوب البحري لمدريد!..


- تصاعد التوتر بين الدولتين حينما اتجهت المملكة إلى التطبيع مع الصهاينة في مقابل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية! وقد ترافق ذلك مع إعلان إسبانيا دعمها لخطط المغرب الرامية إلى بسط سيادتها على الإقليم المتنازع عليه..

- وفي المقابل قدمت الجزائر دعمها لـ"جبهة البوليساريو" التي تعمل على استقلال الصحراء الغربية وعدم تمكين المغرب من إرجاعها إليه..

وهكذا دواليك!

ملاحظة: الغياب التام لأي محاولات صادقة لرأب الصدع في ظل حالة من الجمود في الرأي والتشنج في المواقف، وهو إعلان متكرر عن فشل الجامعة العربية على كافة الأصعدة!

خاتمة: سامح الله مخيلتي فقد صرفتني من حالة الاستمتاع بالفيلم التسجيلي عن "بارلي" لتذكرني بالصورة الكئيبة لسخافة الخلافات العربية العربية!

 

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)