ابراهيم نوار يكتب: الدبلوماسية السعودية تقتحم مسارين متناقضين للتطبيع فهل تنجح في الجمع بينهما؟

profile
  • clock 23 أغسطس 2023, 6:26:59 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

وجدت الدبلوماسية السعودية نفسها تقتحم مسارين متناقضين للتطبيع في وقت واحد، الأول بعد وساطة صينية لتطبيع العلاقات مع طهران، والثاني يجري بوساطة أمريكية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ويبدو للوهلة الأولى أن كل واحد من المسارين، يفرز نتائج نقيضة للآخر؛ فما تزال إسرائيل وإيران تعتبر كل منهما الدولة الأخرى عدوها الأول في المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، فإن كلا منهما تسعى للتقارب مع السعودية بأي ثمن، ومن شأن تطبيع العلاقات السعودية – الإيرانية أن يضعها على مسافة أبعد من التطبيع مع إسرائيل، والعكس صحيح، بل إن التطبيع مع طرف منهما ربما ينفي إمكان التطبيع مع الطرف الآخر، ويعمل كل من الطرفين، إيران وإسرائيل، على تذكير السعودية بهذه الحقيقة. على سبيل المثال، حرص وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في زيارته الأخيرة للسعودية الأسبوع الماضي، على تأكيد أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لكل المنطقة ودول العالم الإسلامي، وأن تأييد إيران لها ليس محلا للتساؤل، وكأنه بذلك يذَكّر السعودية بأن إيران لن تسكت على أي تنازل في الشأن الفلسطيني.
وفي اليوم نفسه حرص وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي كان يلتقي وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون درمر، لبناء تفاهم بشأن تفاصيل اتفاق للتطبيع بين إسرائيل والسعودية، على الاتصال تليفونيا بنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أثناء زيارة عبد اللهيان، لإبلاغه باقتراح الوزير الإسرائيلي، بشأن صيغة اتفاق للتعاون في برنامج السعودية النووي للأغراض السلمية. وكأن بلينكن يوجه رسالة إسرائيلية، بطريق غير مباشر، تفيد بأن مسار التطبيع يعمل بجدية، وأن التضحية به يمكن أن يكلف السعودية خسارة مكاسب تحلم بها. وقد عبر رون درمر بصراحة عن وجهة نظره في مسألة التعاون النووي الأمريكي – السعودي، بالتأكيد على أن إسرائيل ليست ضد هذا التعاون من حيث المبدأ، لكن زعيم المعارضة في الكنيست يائير لبيد رفض مقترح درمر، كما أن ذلك يتعارض مع مبدأ ثابت في السياسة الدفاعية الإسرائيلية يقضي بضرورة احتكار السلاح النووي. وقد تعالت أصوات تنبه إلى أن معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تمنع إيران من تخصيب اليورانيوم لمستوى قريب من درجة الاستخدام العسكري.
وقال الوزير الإسرائيلي إن السعودية، وهي دولة عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي، تستطيع أن تطلب مثل هذا التعاون غدا، مع أي دولة نووية في العالم مثل فرنسا أو الصين، وأن تحصل على ما تريد، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم محليا، طالما كان برنامجها يخضع لمعايير المعاهدة، ولذلك فمن الأفضل أن يكون التعاون مع الولايات المتحدة وليس مع غيرها. وقال درمر إن الشيطان يكمن في التفاصيل. وهو ما يعني أن التفاصيل التي سيتم الاتفاق عليها أهم من عنوان الاتفاق نفسه.
وبالنسبة للسعودية فإن الأمر لا يقتصر على التفاصيل، وإنما يرتبط أيضا بموقف الكونغرس، لأن أي اتفاق في هذا الشأن يجب أن يحصل على موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس، ثم يخضع لسلطة الكونغرس، في مراقبة تنفيذه، مع إمكان مراجعته أو تعليق تنفيذه في حال مخالفة تنفيذ نص من نصوصه، أو اختلاف في تفسيره. ومن ثم فإن أي اتفاق نووي مع الولايات المتحدة سيكون مليئا بالقيود، وخاضعا لجماعات الضغط الصهيونية في الكونغرس.

الرؤية الإيرانية للتطبيع مع السعودية
تتبنى إيران رؤية تربط التطبيع مع السعودية بإقامة نظام جديد للتعاون الإقليمي. وهي رؤية عبر عنها وزير الخارجية، والسفير الإيراني المعين لدى السعودية علي رضا عنايتي. وتتضمن هذه الرؤية ثلاثة محاور رئيسية:
الأول، إن النظام الجديد لمنطقة الخليج يتضمن توسيع صيغة التعاون، لتضم كلا من العراق وإيران مع الدول الست الأعضاء الحاليين في مجلس التعاون الخليجي.
الثاني، أن يصبح التعاون من أجل التنمية، وليس التحالف العسكري هو محور ارتكاز النظام الإقليمي الجديد، بما يقود إلى تطوير المصالح المشتركة والنفع المتبادل.

من شأن تطبيع العلاقات السعودية – الإيرانية أن يضعها على مسافة أبعد من التطبيع مع إسرائيل، والعكس صحيح، بل إن التطبيع مع طرف منهما ربما ينفي إمكان التطبيع مع الطرف الآخر

أما المحور الثالث فإنه يقضي بوجوب أن يعتمد النظام الجديد على مقومات من داخله، مع رفض التدخل الخارجي. وفي هذا السياق ترفض إيران وجود «النظام الصهيوني» أي إسرائيل، في داخل النظام المقترح، وتعتبره التهديد الرئيسي للسلام الإقليمي والعالمي.
هذه الرؤية تتضمن المنطلقات الرئيسية للمشروع الإيراني بشأن تطبيع العلاقات مع السعودية. وهي رؤية تتناقض تماما مع الرؤية الإسرائيلية – الأمريكية للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، وإذا كانت طهران تريد من خلال التطبيع أن تصبح الرياض طرفا في الحرب على إسرائيل، فإن تل أبيب تريد من خلال التطبيع أن تصبح الرياض طرفا في حربها ضد طهران! لكن الرؤية الإيرانية، تتضمن الكثير من نواحي القصور، منها على سبيل المثال الدفع بأن العلاقات الثنائية هي الأساس في التطبيع، بما لا يسمح لأي من الطرفين بالتدخل في علاقات الطرف الثاني بدولة ثالثة. وقد تم تطوير هذه القاعدة لوضع قيد على أي طلب سعودي من إيران بالتدخل في القضية اليمنية. وقد صاغ السفير الإيراني المعين لدى السعودية هذا الموقف بوضوح في ثلاث نقاط خلال حديث أجرته معه وكالة «تسنيم» المقربة من الحرس الثوري الإيراني، نشرته في أول الشهر الحالي. السفير علي رضا عنايتي قال إن القضية اليمنية مسألة داخلية، على اليمنيين أن يحلوها في ما بينهم بأنفسهم، وأشار إلى أن العمانيين يقومون بدور نشيط في الوساطة بين أطراف الأزمة. النقطة الثانية هي أن إيران تؤيد وقف إطلاق النار وتمديد الهدنة بين أطراف الأزمة، وإنهاء الحصار المفروض على اليمن من الخارج. أما النقطة الثالثة فإنها تتعلق بضرورة إتاحة المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية وغيرها لكل الشعب اليمني. وتنكر إيران أنها تقدم مساعدات عسكرية لجماعة الحوثي، أو ما يسمى تنظيم «أنصار الله» في اليمن. هذا الموقف الذي بلورته طهران يتضمن رسالة موجهة إلى السعودية، بأنها لن تمارس دورا في إنهاء الأزمة اليمنية على الحدود السعودية. هذا الموقف من وجهة نظرنا هو موقف تفاوضي ماكر، يهدف إلى فتح الباب لفصل طويل من المساومات السياسية الإقليمية.

ماذا تريد السعودية من التطبيع مع طهران؟
سعت السعودية إلى وفاق إقليمي مع إيران منذ نهاية الحرب العراقية – الإيرانية، بهدف خلق حالة من الهدوء تساعد على تطوير التعاون في ما بينهما، لاسيما وأن من مصلحة كل دول الخليج التعاون المشترك لضمان أمن المنطقة، وحسن استغلال مواردها لمصلحة شعوبها، بدلا من تبديد هذه الموارد في الإنفاق على التسلح والحروب. المحاولة الأخيرة في هذا الاتجاه تمت في إطار ترتيبات مع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، لخلق وفاق إقليمي في المنطقة، على التوازي مع التوصل إلى الاتفاق النووي بين القوى الرئيسية في العالم وإيران، الذي تم التوصل إليه عام 2015. ورغم ذلك فإن العلاقات السعودية – الإيرانية انقطعت عام 2016، أي في العام التالي لتوقيع الاتفاق، بعدما تعرضت السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد لاعتداءات وعمليات تخريب بواسطة جماعات إيرانية متطرفة. وما تزال في طهران حتى الآن قوى تسعى إلى تخريب عملية التطبيع مع الرياض. وفي هذا السياق فإن إثارة خلاف بشأن تقسيم حقل الدرة البحري للغاز الذي يقدر الاحتياطي التجاري القابل للاستغلال فيه بحوالي 200 مليار متر مكعب، ويقع في منطقة متنازع عليها بين السعودية والكويت، مثّل عرضا من أعراض محاولات تخريب تطبيع العلاقات وإرباك محاولات إقامة وفاق إقليمي. وتستهدف الدبلوماسية السعودية من تطبيع العلاقات مع إيران تحقيق ثلاثة مكاسب رئيسية. المكسب الأول هو خلق مناخ لعلاقات طبيعية تسهم في وقاية المنطقة من زيادة حدة التهديدات، بما يوفر قنوات عادية للاتصال والحوار وتجنب التصعيد، وسرعة حل المشكلات الطارئة. المكسب الثاني هو الحد من النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان والعراق، بإقامة علاقات أقوى مع أطراف متنوعة في هذه البلدان، تساعد على تقليل حدة الاستقطاب السياسي والمذهبي فيها. المكسب الثالث هو التعاون مع إيران في القضايا الثنائية المشتركة كافة على أساس مبادئ حسن الجوار والتعاون المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وربما نضيف إلى تلك المكاسب أيضا إمكان أن تسهم إيران في تخفيف حدة الصراع وتسوية الأزمة في اليمن. ومع ذلك فإن تعارض مساري التطبيع مع كل من إيران وإسرائيل يضع الدبلوماسية السعودية أمام معضلة كبرى، تتطلب قدرا كبيرا من المهارة في إدارة المفاوضات. كما أن تعارض المسارين يضع المنطقة كلها في مواجهة تحديات تاريخية تتعلق بإعادة تشكيل مفهوم وبنية العلاقات الإقليمية، وهو ما يتطلب قدرا كبيرا من التنازلات، لتسهيل انتقال المنطقة من مرحلة الصراع إلى مرحلة التعاون.


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)