بسام البدارين يكتب: تحديث الأردن: هل الجمعة «مشمشية»؟

profile
  • clock 23 أغسطس 2023, 6:18:32 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

من الواضح أن برنامج «التحديث السياسي» الذي كسب الرهان جزئيا العام الماضي تأثر وترنح قليلا بمضمون ومنطوق قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن. وسواء شئنا أم أبينا، فقد حمل إقرار القانون الإلكتروني معه حصة لا يستهان بها من «مصداقية» برنامج التحديث الذي حظي بكل التوافقات المؤسسية والوطنية بعد جهد مضن لأكثر من عام.
رصيد التحديث والتعددية الحزبية الآن أقل مما كان عليه الأمر قبل أسابيع وأشهر فقط، وفي الواقع ليس بسبب إصدار قانون لضبط إيقاع الشبكة الرقمية، فتلك خطوة كانت حتمية وضرورية، خلافا لأنها تشغل كل دول العالم ولكن بسبب الطريقة والصيغة وتغيب الخبرة والتسرع والاستعجال، وأيضا بسبب الإصرار في لحظة غضب على إصدار تشريع غاضب.
اعترفنا أم أنكرنا سيجد القطاع الشاب المتحمس من الأردنيين اليوم «ذخيرة مضادة» لإطلاق حريات التعبير وسيجد المشككون بصرف النظر عن خلفياتهم وهوياتهم «مادة دسمة» يبررون فيها التشكيك ويسترسلون فيه على قاعدة.. «ألم نقل لكم أنها جمعة مشمشية فقط».
بالإضافة لذلك، تقلصت المساحات والخيارات الآن، وبدلا من تسهيل الأمور على أجيال المستقبل وبناء خط استراتيجي واضح، أصبح الانضمام للعمل الحزبي الخيار الأصعب، بدلالة أن رموز اللجان الاستشارية الملكية الذين برمجوا وثائق التحديث انقسموا اليوم ما بين «مصدوم» ومعارض للتشريع أو «صامت» يبتسم للكاميرات فقط.
قواعد «اللعب» هذه المرة لم تكن لا محترفة ولا مهنية ولا موفقة، والضرر بالغ، ومن الصعب القول بأن القانون سيتم تعديله لاحقا ثم الادعاء بأن «الواقع الموضوعي سيبتلع المسألة» والمجتمع سيتعود ويهضم.
أثق شخصيا بما يقوله خبير قانوني موسوعي وموثوق، مثل الأستاذ المحامي أيمن أبو شرخ تحت عنوان أن تشريعا ما لتنظيم الاشتباك الرقمي في عالم منصات التواصل اليوم ملف «يشغل الكون» بالواقع، ويحظى بالأولوية عند كل المؤسسات والمجتمعات خلافا لأنه محطة عبور إجبارية لكل شعب أو دولة أو حكومة، ولأن الموضوع بمثل هذه الأهمية كان ينبغي أن يحظى بحوار وطني وبآخر خبير قبل التورط بوضع نصوص على طريقة «غفير يشرب الشاي» وفي الأثناء يبتكر القوانين والتشريعات للأمة أو قبل التورط بصيغة «الحكومة آخر من يعلم».

علينا التوقف عن توقع «نتائج مذهلة» أو حتى مرضية عندما ندير الملفات والأزمات بنفس الأدوات التي أنتجتها أصلا

نحترم القانون بعد عبور خطواته الدستورية وسنلتزم به حيث لا خيارات معاكسة لكن الإقرار الشفاف، بأن عملية التحديث تأثرت من حيث الأهداف والنتائج، هو الحل الموضوعي المنتج لنصيحة وتشخيص وطني لأن الإنكار والترقيع لا يفيدان.
شخصيا أجد صعوبة في تصديق فكرة وجود «طريقة ما» لاستعادة الرصيد المسحوب من مصداقية التحديث جراء ذلك القانون، لكن ثقتي كبيرة بالمؤسسات القيادية وقدرتها، وبضرورة البحث وطنيا عن تلك الطريقة بدلا من الاستسلام للسلبية.
ثمة – بالتأكيد- ما يمكن فعله بدلا من لعن الظلام وإن كانت حزمة المغامرات التشريعية ينبغي لها أن تمنهج وتهدأ قليلا لأن سياسات «تجويف وتجريف» العمل الحزبي والسياسي قبل تدشينه، وحتى قبل أن يبدأ فعلا، تقود الجميع إلى المنطق القديم الذي يعلوه الغبار بعنوان «ارتفاع كلفة وفاتورة الإصلاح».
لأغراض تمرير اتفاقية وادي عربة حرصت المؤسسات السياسية والرسمية لسنوات على «تجريف العمل النقابي والمهني»…ما هي نتيجة ذلك الآن؟
الإجابة لا ينكرها إلا غافل أو موتور فقد تحولت النقابات المهنية العملاقة والخبيرة إلى «ركام» اليوم، وقريبا ستصبح جراء الإلحاح على التحكم فيها فائض عبء استراتيجي على الدولة والنظام والناس.
صناديق النقابات أفلست أو في طريقها للإفلاس، والتدخل في انتخاباتها انتهى إلى انفلات بدلا من سيطرة، والمنفلت بدأ يزعج الدولة ويخترع لها سلسلة تأزيمات اجتماعية فيما اتفاقية وادي عربة نفسها يعبث بها يمين إسرائيل.
الإعلاء من شأن «الولاء المسموم» الأعمى على حساب «المهنية» انتهى بتسميم وإجهاض المؤسسات الصحافية في البلاد، وتحويلها إلى عبء ثقيل بدوره على الإيقاع العام بعد تفريخ حزمة أزمات داخل تلك المؤسسات الأولى تلد الثانية.
السياسة العقيمة تجاه منتج ومنجز اسمه «نقابة المعلمين» انتهت بوجود كتلة بشرية في عمق القطاع العام حجمها اليوم يزيد عن 100 ألف معلم على رصيف الانتظار والصبر والتوهان.
ومجددا نفس أدوات التأزيم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي طلب منها وضع وصفات للتحديث والتمكين. المعيب حقا منهجيا أن يأتيك مسؤول أو موظف ما فيبلغك بأن الدنيا «قمرة وربيع» وكل شيء «عال العال» وفي مكانه، ثم يصدمك بجملة استنكارية بائسة فكرتها «لماذا لم تحقق العملية النجاح المطلوب؟».
علينا التوقف عن توقع «نتائج مذهلة» أو حتى مرضية عندما ندير الملفات والأزمات بنفس الأدوات التي أنتجتها أصلا.
كنا ولا نزال في حالة إصرار على وجود أزمة فصام إداري وأزمة أدوات نعتقد أنها الأساس في السحب من رصيد الدولة عند الناس وسياسة «تجاهل الرأي العام» وآهات الشارع، وإنكار وجود الشعب أصلا والتعامل معه بازدراء وعلى أساس أنه «شعب دلوع ولم يختبر» هي نفسها السياسة التي تؤذي الشرعية والدستور والدولة قبل أي شيء آخر.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)