استنزاف “موسكو”: توسع العمليات الأوكرانية ضد أهداف حيوية داخل روسيا

profile
  • clock 7 سبتمبر 2023, 5:12:53 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

شنت القوات الأوكرانية، خلال أواخر شهر أغسطس الماضي وأوائل سبتمبر الجاري،  مجموعة من الهجمات عبر الأراضي الروسية باستخدام طائرات بدون طيار. وتعد هذه الهجمات من أكثر العمليات الهجومية الشاملة والمنظمة التي تقوم بها القوات الأوكرانية عبر الأراضي الروسية منذ بدء الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022. وقد تزايدت وتيرة هجمات الطائرات بدون طيار على روسيا بدرجة كبيرة من حيث الحجم والتكرار في الأسابيع الأخيرة؛ حيث استهدفت القوات الأوكرانية عدة مناطق استراتيجية هامة في الداخل الروسي، بما في ذلك العاصمة موسكو، وقد بلغت ذروة هذه الهجمات خلال 31 أغسطس الفائت؛ حيث استهدفت المسيرات الأوكرانية ست مناطق روسية دفعة واحدة، كما تمكنت من تدمير طائرات نقل وإشعال حريق واسع في مطار عسكري روسي واقع بمدينة بسكوف. ويطرح هذا التطور في الاستراتيجية الدفاعية الأوكرانية عدداً من الأسئلة حول الملامح الرئيسية لهذه الاستراتيجية، والدوافع الكامنة وراءها.  

طبيعة الهجمات 

شهدت ساحة المعركة الأوكرانية – الروسية عدداً من التطورات العسكرية الهامة، وهذه التطورات تفرض ضغوطاً هائلة على موقف روسيا، لا سيما مع تزايد الهجمات التي تستهدف مناطق حيوية داخلية. وبوجه عام، يمكن تناول مشهد الهجمات الراهنة ضد روسيا على النحو التالي:

1- تزايد عدد هجمات المسيرات في الداخل الروسي: تعرض المطار القائم في مدينة بسكوف الروسية، التي تقع على بعد 700 كيلومتر من الحدود الأوكرانية، لهجوم بالطائرات بدون طيار في أواخر أغسطس الماضي. ونتيجة لكبر حجم الأضرار الناتجة عن الهجوم، أعلنت السلطات الروسية إلغاء جميع الرحلات الجوية من المطار وإليه لهذا اليوم حتى تتمكن من تقييم الأضرار والصيانة، كما استهدفت الطائرات الأوكرانية بدون طيار منطقة أوريول، التي تقع على بعد نحو 400 كيلومتر من جنوب العاصمة موسكو، وكذلك استهدفت مدينتي ريازان وكالوجا، الواقعتين على بعد 200 كيلومتر جنوب العاصمة الروسية، وأيضاً بريانسك الواقعة على الحدود الأوكرانية. 

وبالإضافة إلى ذلك، أكد عمدة موسكو “سيرجي سوبيانين” عبر موقع التواصل الاجتماعي “تليجرام”، صباح يوم 1 سبتمبر الجاري، نجاح قوات الدفاع الجوي في صد هجوم جديد شنته طائرة بدون طيار أوكرانية بالقرب من ليوبيرتسي الواقعة شرق موسكو،  وأضاف أنه لم تسجل أي إصابات أو أضرار ناتجة عن الهجوم الفاشل، بحسب المعلومات الأولية، مشيراً إلى أن أجهزة الطوارئ انتشرت في الموقع لإحباط أي هجمات مستقبلية. 

2- توعد كييف بضرب المزيد من المواقع العسكرية الروسية: ومع تزايد وتيرة الهجمات، روجت كييف للتقدم الذي أحرزته في تطوير أسلحة هجومية بعيدة المدى للرد على الضربات الجوية الروسية المستمرة منذ فترة طويلة على المدن الأوكرانية؛ فقد كشف تقرير لصحيفة “ديلي ميل البريطانية” أن مسؤولاً أوكرانياً صرح بأن كييف تخطط لضرب موسكو بصواريخ بعيدة المدى تم تطويرها مؤخراً، وأضافت الصحيفة أن أوكرانيا لجأت إلى تطوير صواريخ بعيدة المدى لتعتمد على قدراتها الذاتية لتنفيذ هذه الاستراتيجية عقب اشتراط الحلفاء الغربيين عدم استخدام أوكرانيا الأسلحة التي تقدم إليها في هجمات خارج الأراضي الأوكرانية. 

3- تطوير واختبار أوكرانيا لصواريخ جديدة بعيدة المدى: نشر “أوليكسي دانيلوف” سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، مقطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي  في 31 أغسطس الماضي، لنوع جديد من صواريخ كروز التي تقوم أوكرانيا بتطويرها محلياً، وقد جاء الفيديو تحت عنوان “برنامج الصواريخ الخاص”. وقد شكر “دانيلوف” الرئيس الروسي تحت الفيديو؛ لحرصه على إنجاح هذا المشروع. ونشر “زيلينسكي” نفسه رسالة غامضة، هنأ فيها وزارة الصناعات الاستراتيجية لنجاحها في اختبار عدد من الصواريخ البعيدة المدى، التي وصل مداها إلى 700 كيلومتر. ومن الواضح أن هذا يشكل جزءاً هاماً من الاستراتيجية الدفاعية الأوكرانية الجديدة التي تستهدف العمل على نقل المعركة إلى الساحة الروسية، بجانب إتاحة الفرصة للجيش الأوكراني لاختبار عدد من أسلحتها المتطورة الجديدة. 

4- تنويع أوكرانيا في مصادر المسيرات الواردة إليها: اللافت أن أوكرانيا لم تعد معتمدة على المسيرات التركية فقط؛ حيث حصلت من عدة دول غربية – وفي مقدمتها الولايات المتحدة – على مسيرات استخدمتها في هجماتها على روسيا. ومؤخراً، وبالتحديد في 5 سبتمبر الجاري، ذكرت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية: “تبين أن طائرات مسيرة أسترالية تُستخدم بالفعل لضرب أهداف في روسيا”، واتهمت زاخاروفا الحكومة الأسترالية بأنها “تساهم بحماس في الحملة المناهضة لروسيا الموجهة من واشنطن”.

علاوة على ذلك، فإن ثمة خططاً أوكرانية للتوسع في إنتاج المسيرات محلياً؛ ففي نهاية شهر يوليو الماضي، قال رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميجال، إن “بلاده تخطط لزيادة الاستثمارات في تقنية المسيرات بـ10 أضعاف، من 108 ملايين دولار في العام الماضي إلى أكثر من مليار دولار هذا العام”. وبحسب تصريحات “شميجال”، التي نقلتها سكاي نيوز، فإن أوكرانيا “تمتلك ما لا يقل عن 3 أنواع من الطائرات المسيرة الأوكرانية الصنع من نوع (بوبر) و(أوج 22) ونوع ثالث لم يحدد اسمه، استُخدمت جميعها في الهجمات على روسيا خلال الشهور الأخيرة”.

5- التوسع المحتمل للعمليات الاستخباراتية الأوكرانية داخل روسيا: تكشف العمليات الأوكرانية الأخيرة ضد أهداف داخل روسيا عن التوسع المحتمل للعلميات الاستخباراتية الأوكرانية داخل روسيا. وفي هذا الصدد، نشر موقع “”إنتلجنس أونلاين” تقريراً، يوم 5 سبتمبر 2023، أشار إلى تنفيذ المخابرات العسكرية الأوكرانية عملية استطلاعية سرية داخل الأراضي الروسية، مهدت الطريق لشن هجمات بالطائرات المسيرة على موسكو. وبحسب التقرير ذاته، جهزت أوكرانيا طائرات Kamikaze Beaver و(Uj-22) المستخدمة في الهجمات بتقنية قياس القصور الذاتي، بشكل يسمح لها باتباع مسارات طيران محددة مسبقاً بشكل مستقل عن نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)؛ ما يجعلها أقل عرضة للتشويش الروسي.

كما رجح التقرير أن تكون الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، وخاصةً مديرية المخابرات الرئيسية، قد استخدمت طرق التهريب لنقل الأفراد والمعدات عبر الحدود، وهو أمر بالغ الأهمية للتخطيط لهذه الضربات المعقدة بالطائرات المسيرة، وتم استخدام مسيرات صغيرة متاحة تجارياً لرسم خريطة للطرق التي يمكن للطائرات المسيرة أن تتبعها دون أن تتأثر بالتشويش الروسي.

6- التمهيد لمعركة الربيع القادم: كشفت عدة تقارير عن سعي بعض الدول الغربية إلى تجنيد عدد من المرتزقة؛ لدفعهم للمشاركة في القتال ضد روسيا. وسوف تُشكل هذه المجموعة تحت اسم “الفوج الدولي التطوعي الذي يحارب من أجل أوكرانيا”. وتأتي هذه التقارير في خضم استعداد الطرفين الروسي والأوكراني لمعركة الربيع، التي يتوقع أن تساهم في تغيير مشهد المعركة قبيل إتمامها عامها الثاني.  

حرب ممتدة

أقدمت أوكرانيا خلال الأسابيع الأخيرة على تغيير نهجها العسكري؛ حيث أصبحت أكثر استعداداً لضرب أهداف استراتيجية داخل روسيا بالاعتماد على السلاح الجوي، حتى في ظل تعرضها لهجمات متتالية بالعديد من مدنها. ويطرح هذا التطور العديد من الأسئلة حول الأسباب الدافعة لهذا التغيير التكتيكي في الاستراتيجية الدفاعية الأوكرانية، وحجم مساهمة الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة في دفع كييف لتبني هذه الاستراتيجية. ومن هذا المنطلق، فإن استمرار هذه الهجمات وإمكانية استهداف المزيد من الأهداف الحيوية داخل روسيا يرتبط بعدد من العوامل المتمثلة فيما يلي:

1- سعي أوكرانيا لنقل الحرب إلى الداخل الروسي: تحتفي أوكرانيا بوجه عام بالهجمات العسكرية المباشرة ضد الأراضي الروسية باستخدام الطائرات بدون طيار. وقد أكد مستشار الرئاسة الأوكراني “ميخاليو بوداليك” أن أوكرانيا كثفت ضرباتها مؤخراً على مناطق أوكرانية خاضعة للاحتلال الروسي – على حد وصفه – مع تأكيد أن الهجمات داخل روسيا نفسها ستتضاعف؛ وذلك بفعل مشاركة بعض المتمردين بالداخل الروسي في هذه العمليات؛ وذلك دون توضيح كييف هوية هؤلاء المتمردين. وقد برر الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” لجوء أوكرانيا إلى نقل  الصراع إلى الأراضي الروسية بالقول إن الحرب تعود إلى أراضي روسيا، إلى مراكزها الرمزية وقواعدها العسكرية، وهذه عملية حتمية وطبيعية وعادلة تماماً. 

2- حدود الرد الروسي على الهجمات الأوكرانية: عقب موجة الهجمات الأخيرة على أهداف روسيا، توعد المسؤولون الروس أوكرانيا بتنفيذ هجمات مؤثرة، وكذلك تأكيد قدرة موسكو على صد هجمات أوكرانيا؛ حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن روسيا أسقطت نحو 281 طائرة دون طيار أوكرانية خلال الأسبوع الثالث من شهر أغسطس الماضي، كما صد الجيش أيضاً هجوماً بطائرة مسيرة بالقرب من مدينة سيفاستوبول الساحلية الواقعة في شبة جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إلى أراضيها منذ عام 2014، وتعد أيضاً بمنزلة قاعدة عسكرية هامة للأسطول الروسي في البحر الأسود. 

وفي 3 سبتمبر الجاري، أعلن الجيش الروسي، أنه قصف بالمسيرات ميناء ريني الأوكراني المطل على نهر الدانوب، قرب الحدود مع رومانيا. وأفاد الجيش بأنه “خلال الليل، نفذ الجيش الروسي ضربة بمجموعة مسيرات استهدفت منشآت لتخزين الوقود تستخدم لإمداد معدات عسكرية تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية في ميناء ريني في منطقة أوديسا.. تم ضرب جميع الأهداف المحددة”.

اللافت أن جزءاً من الهجمات الروسية كان يستهدف تحجيم المسيرات الأوكرانية، وكذلك عملية إنتاجها داخل أوكرانيا؛ ففي 19 أغسطس الماضي، على سبيل المثال، استهدفت روسيا بصاروخ من طراز “إسكندر-إم” تجمعاً لمشغلي الطائرات المسيرة الأوكرانية في تشيرنيهيف.

3- مدى الاستياء الداخلي في روسيا من مسار الحرب: لقد دفع التطور العسكري في مسار الحرب الأوكرانية، وتنامي الضغوط على موسكو، العديد من المحللين للحديث عن دخول الصراع الروسي الأوكراني مرحلة جديدة، تسعى كييف من خلالها إلى استجلاب المزيد من العداء والرفض المحلي الروسي للعملية العسكرية، والترويج بأن الحرب الحالية لا تخدم مصالح أحد سوى الرئيس الروسي “بوتين”.  

ما قد يعقد الموقف الروسي أن يتنامى الاستياء داخل صفوف الجيش الروسي. وبعيداً عن التمرد الأخير لقوات فاجنر، فإن وكالة “رويترز”، أفادت في تقرير لها يوم 5 سبتمبر 2023، باعتراض جهاز الأمن الأوكراني مقتطفات من 17 مكالمة هاتفية أجراها جنود روس يقاتلون في أوكرانيا في أوائل يوليو الماضي، وكانوا يشكون من نقص الأسلحة والذخيرة وضعف التدريب والخسائر الفادحة، إضافة إلى إرسال وحشد قوات إلى الخطوط الأمامية، على الرغم من التأكيدات العامة بعكس ذلك. ووفقاً للوكالة، يتهم بعض الجنود في المكالمات رؤساءهم والقيادة العليا للجيش بإخفاء خسائر القوات عن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”.

4- نجاح خطط اختراق خطوط الدفاع الروسية الأولى والثانية: صرحت نائبة وزير الدفاع الأوكراني “حنا ماليار”، في 28 أغسطس 2023، بأن القوات الأوكرانية اخترقت خط الدفاع الأول الروسي في عدد من المناطق، مع تأكيدها رعاية القيادة العسكرية الأوكرانية هجوماً منظماً في عدة اتجاهات بالداخل الروسي. ودعم تصريحاتها المتحدث باسم البيت الأبيض “جون كيربي”؛ حيث قال في مؤتمر صحفي في يوم الجمعة الموافق الأول من سبتمبر الجاري، إن القوات الأوكرانية قد حققت تقدماً ملحوظاً في هجومها المضاد خلال الـ72 ساعة الماضية، كما أكد تمكن كييف من اختراقات عدد من دفاعات الخط الثاني الروسية.  

5– الغموض حول طبيعة الدور الغربي في تحركات كييف: أكد عدد من المسؤولين الغربيين رفضهم القاطع استخدام الأسلحة المقدمة إلى أوكرانيا من قبلهم في عملياتها العسكرية الموجهة ضد الأراضي الروسية؛ وذلك مع تأكيد امتلاك أوكرانيا الحق الكامل في تنفيذ مثل هذه الهجمات على أهداف عسكرية روسية داخلية بالاعتماد على أسلحتها الخاصة، إلا أن الجانب الروسي يرفض بشكل قاطع هذه الرواية الغربية؛ حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” إن أوكرانيا تعتمد على المساعدات الأجنبية لتنفيذ ضرباتها العسكرية ضد الأراضي الروسية. وقد بررت “زاخاروفا” هذا الطرح بالقول إن الطائرات المسيرة الأوكرانية لا تمتلك القدرة على الطيران لمسافات طويلة؛ هذا بجانب حاجة كييف إلى معلومات مدروسة بعناية من الأقمار الصناعية الغربية لتنفيذ ضرباتها بهذا القدر من الدقة والفاعلية.  

6- تسريع وتيرة تطوير الصناعة العسكرية المحلية الأوكرانية: صرح الرئيس الأوكراني مراراً وتكراراً بأن الأسلحة الغربية لن تستخدم في أي أغراض عسكرية خارج الحدود الأوكرانية، وأن الهجمات التي تحدث الآن تعتمد بشكل موسع على الطائرات المسيرة المحلية الصنع، والقدرات العسكرية الأوكرانية المطورة محلياً، وقد أكد هذا الأمر مؤخراً مستشار مكتب الرئيس “ميخايلو بودولياك”؛ حيث قال إن أوكرانيا تلتزم بشكل صارم بعدم استخدام أسلحة شركائها لضرب الأراضي الروسية. وبدلاً من ذلك، تمضي أوكرانيا قدماً في تطوير صناعة الأسلحة المحلية؛ وذلك بدءاً من قذائف المدفعية من عيار 155 ملم، إلى الطائرات بدون طيار التي تمتلك القدرة على التحليق لمسافات بعيدة؛ هذا بجانب العمل على تطوير نوع جديد محلي من الصواريخ الطويلة المدى.

كما استثمرت أوكرانيا بكثافة في تطوير الطائرات البحرية بدون طيار، التي تمتلك القدرة على حمل متفجرات يصل وزنها إلى 400 كيلوجرام. وتمتلك هذه المتفجرات القدرة على ثقب السفن الحربية الضخمة، ويمكن أن تسافر أيضاً لمئات الكيلومترات لتنفيذ ضرباتها النوعية. وتوفر هذه الطائرات البحرية بدون طيار المستخدمة ضد سفن الشحن العسكرية والتجارية الروسية في البحر الأسود، تفوقاً نوعياً هاماً للقوات الأوكرانية، بينما تساهم في تعقيد الحسابات الروسية. ونتيجة لذلك، قامت بعض السفن الحربية الروسية في البحر الأسود بتركيب مدافع رشاشة على أسطحها لتقليل الضرر القادم من مثل هذه الطائرات. 

7- تعاطي كييف مع الهجمات كأداة لضمان استمرار الدعم الغربي: كما تشير بعض التقارير إلى أن أوكرانيا تستخدم هذه الضربات لتؤكد لحلفائها في واشنطن وبروكسل أن خطة الهجوم العسكري الأوكرانية ضد روسيا لم تفشل بعد، وأنها قادرة على تحقيق نتائج إيجابية في هذه الحرب، والوصول إلى العمق الاستراتيجي الروسي، وهو ما سيعطي مبرراً كافياً لهذه الحكومات لاستمرار تقديم المزيد من الدعم المالي والعسكري لكييف؛ هذا بالإضافة إلى حاجة الدول الغربية إلى دلائل ملموسة على الأرض لتحقيق الجيش الأوكراني ولو قدراً ضئيلاً من النصر، خاصة مع تعرض الحكومات الغربية للكثير من الضغوط من قبل الرأي العام الداخلي، واقتراب انعقاد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. 

في النهاية تؤكد المعطيات على الأرض، والسياق العالمي والداخلي الذي تمر به عدد من الدول الغربية، أن الربيع القادم سيشهد تسارعاً في مستوى العمليات العسكرية الروسية والأوكرانية، مع إقدام كل طرف على اختبار استراتيجيات دفاعية وهجومية جديدة. ومن هذا المنطلق، يظل احتمال استمرار الهجمات ضد موسكو، ومهاجمة المزيد من الأهداف الحيوية داخل روسيا، قائماً وقابلاً للتحقق، لا سيما أن كييف توظف هذه الهجمات باعتبارها أداة لاستنزاف موسكو وتوجيه انتباهها إلى تأمين الداخل، ومن ثم السماح بتحركات أكبر للقوات الأوكرانية داخل أراضي أوكرانيا الخاضعة للسيطرة الروسية.


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)