اسماعيل جمعه الريماوي يكتب: الكيان بين مأزق الداخل و الخارج

profile
  • clock 24 يوليو 2023, 3:55:18 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في ظل هذه الأزمة التي تواجهها حكومة بنيامين نتنياهو  بسبب مسألة الإصلاحات القضائية لا شك أنها ذاهبة في مغامرة سياسة كبيرة فإذا لا بد من العمل  لحكومة يمنيه على تحقيق الحد الأقصى من الحلم الصهيوني بحسب طبعة غابوتنسكي وبيغن،  ولإنقاذ نفسها ولإنقاذ رأس نتنياهو من دخول السجن في دعاوى الرشوة وإساءة الأمانة، بل أيضاً لإعطاء اليمين المتطرف فرصته في تجريب النظرية القائلة إن ما لا ينجح بالقوة ينجح بمزيد من القوة.


في خطواته للإصلاحات القضائية يسعى ائتلاف نتنياهو المحافظ المتشدد الذي انتُخب في ديسمبر الماضي، الى كبح صلاحيات المحكمة العليا التي قامت تاريخياً بعرقلة أهداف يمينية، مثل بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وإعفاء اليهود الأرثوذوكس المتشددين من الخدمة العسكرية. ويريد رئيس الوزراء الإسرائيلي جعل القضاء تابعاً أكثر للجهاز التنفيذي، وهو يستخدم الأغلبية الهزيلة التي يمتلكها ائتلافه لتمرير تشريعات لها آثار وتداعيات كبيرة جداً. وينص قانون تمت الموافقة عليه الأسبوع الماضي على أن الكنيسيت والمجلس الوزاري فقط يمكنهما إعلان رئيس الوزراء غير مؤهل وعزله من المنصب. في حين أن نتنياهو يخضع حالياً لمحاكمة بتهمة الفساد.


الاحتجاجات ضد هذه التغييرات كبرت وتوسعت خلال الأسابيع الأخيرة، جاذبة مئات الآلاف من المحتجين. وعلى نحو لا مناص منه، أثارت المظاهرات تشبيهات مع احتجاجات الربيع العربي لعام 2011، مع إشارات ضمنية إلى أن الإسرائيليين يتعلمون دروساً من آخرين في المنطقة .


ولكن الديمقراطية، ومثلما أظهر الشرق الأوسط مراراً وتكراراً، تتعلق بأكثر من الانتخابات والاحتجاجات، ذلك أنها تتعلق أيضاً بالمؤسسات التي تقاوم الطموحات السلطوية للزعماء ، وهنا أيضاً اجتازت إسرائيل بعض الاختبارات: فمن منظمات المجتمع المدني إلى نقابات الموظفين، خرجت كل أنواع المؤسسات للاحتجاج ضد خطط نتنياهو، كما أغلقت السفارات والقنصليات الإسرائيلية يوم الاثنين الماضي حين انضمت وزارة الخارجية إلى عمال حكوميين آخرين في إضراب عام، ولعل الأكثر لفتاً للانتباه هو أن قطاعات كبيرة من المؤسسة العسكرية عارضت «الإصلاحات» القضائية بشكل صريح حتى وصلت إلى قطاعات حساسه في أجهزة الأمن و المخابرات و قوات الاحتياط التي ترفض الخدمة .  


إلى مجتمع المال والأعمال الإسرائيلي، الأقل اعتماداً على رعاية الدولة من نظيرته العربية، كان أكثر شجاعة وجرأة في رفع صوته ضد أي تعديلات من شأنها إضعاف استقلالية الجهاز القضائي في البلاد ، وتشديده على أن ذلك سيكون سيئاً للأعمال والتجارة، وجد صدى قوياً له بين مؤسسات التصنيف الائتماني التي تحذّر من تأثير سلبي على الاقتصاد،


مضيفة أن تدفقات رؤوس الأموال على قطاع التكنولوجيا الذي يُعد جزءاً أساسياً من الاقتصاد، يمكن أن تصبح هشة بشكل خاص. 


وهناك اختبارات أخرى ستأتي – لليقظة والقدرة على التحمل. فحتى في حال وضع الإصلاح القضائي جانباً في الوقت الراهن، فإن نتنياهو سيعود إليه لاحقاً على الأرجح، إما لأسباب تتعلق بحفظ الذات، أو لعرقلة كل الإجراءات القضائية بشأن اتهامات الفساد التي تواجهه، أو تحت ضغط عناصر يمينية متطرفة داخل ائتلافه الحاكم. وحين يحدث ذلك، سيتعين على المتظاهرين والمؤسسات الإسرائيلية أن تُظهر أن حماسها بشأن قضاء مستقل لم يفتر.


ولكن الاختبار الأكبر لأي ديمقراطية هو الحرية لكل المواطنين ، والغائب الأكبر عن المظاهرات هم الفلسطينيون، الذين لديهم أسباب وجيهة ليشعروا بألا ناقة لهم في هذه المعركة ولا جمل. ذلك أن قلة قليلة جداً من أولئك الأفراد الإسرائيليين أو المؤسسات الإسرائيلية التي تتخذ موقفاً معارضاً للإصلاح القضائي سبق لها أن احتجت ضد المظالم التي تُرتكب في حق الفلسطينيين.
وإلى أن يتغير ذلك، لن يستطيع المجتمع الإسرائيلي الداعم للاحتلال و الغارق في العنصرية والانقسام ادعاء أنه يمثّل الديمقراطية «الحقيقية» أكثر من الدولة الإسرائيلية.


أما بنيامين نتنياهو فيجد نفسه في المأزق داخليا و خارجيا ، في واشنطن، يؤكد المؤيدون الليبراليون لإسرائيل على حرص رئيس الوزراء اليميني التي لا هوادة فيها للبقاء في السلطة ، وهو يواجه قضية قانونية جارية تتعلق بتهم فساد متعددة، ويعتقد على نطاق واسع أنه يقوم بهندسة أي إعفاء سياسي يمكن أن يخرجه من ورطته وأصبح يواجه معارضة من مؤيديه من يهود امريكا ومن الكونغرس وفي البيت الأبيض والرئيس بايدن .


إذا فقد نتنياهو السيطرة، فذلك لأن الاضطراب الذي أطلق العنان له هو أكثر بكثير منه. للوصول إلى السلطة، قام بدمج فصائل المستوطنين اليمينية المتطرفة وجعلها في قلب ائتلافه. كما اعتمد بشدة على دعم الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة، التي ترى في الإصلاحات القضائية المقترحة وسيلة رئيسية لدفع مشروعهم الديني إلى المجتمع الإسرائيلي الأوسع. لقد أعطى زخما لأجندة غير ليبرالية يمينية متشددة تكتسب زخما لسنوات.


الاحتجاجات الجماهيرية في تل أبيب ومدن أخرى، والتي غالبا ما يشارك فيها الإسرائيليون الأثرياء والعلمانيون، هي في جزء منها انعكاس للانقسام الأيديولوجي العميق داخل الكيان الإسرائيلي ، يوفي تيروش، نائب عميد القانون في جامعة تل أبيب قال عن إن الخطط التشريعية للحكومة "تكسر التوازن الدقيق للغاية بين التيار الرئيسي في إسرائيل والحريديم الذين أدركوا أنهم يعتمدون على مجتمع ليبرالي ومزدهر مع جيش قوي".


لكن بعض المحللين من اليسار الإسرائيلي يشيرون إلى مجموعة أعمق من القوى تلعب دورها ، يعيش ملايين الفلسطينيين تحت سيطرة عسكرية إسرائيلية بحكم الأمر الواقع، محرومين من العديد من نفس الحقوق الممنوحة لجيرانهم الإسرائيليين. إن مجرد وجودهم يلقي بظلاله على أي نقاشات موضوعية حول ما تمثله الديمقراطية الإسرائيلية، لا سيما عندما تفكر في كيف أن سموتريتش -زعيم مستوطن يميني متطرف تحول إلى عضو قيادي في حكومة نتنياهو يتمتع بسلطات إدارية مدنية على الضفة الغربية المحتلة- أعلن مؤخرا أن الفلسطينيين كشعب لا وجود لهم في الواقع.


وليس من قبيل المصادفة أن تكون الأراضي الفلسطينية والتطلعات السياسية من بين الأشياء الأولى في مرمى نتنياهو وحلفائه اليمينيين المتطرفين وهم يكشفون عن خططهم التشريعية.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)