الشرق الأوسط من الربيع العربي إلى محور الدول الفاشلة

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 29 أبريل 2021, 9:48:09 م
  • eye 935
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بقلم أنتوني كورسمان  , ترجمة : محمد الصاوي


في دراسة لمستشار وزارة الدفاع الأمريكية الأسبق الشرق الأوسط من الربيع العربي إلى محور الدول الفاشلة   "فشل" معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أخطر من تهديدات إيران والإرهاب



 

كل الأمال التي عقدت بعد الأحداث الكبري علي الإصلاح تحولت إلي سراب 

الدراسة أكدت أن أمريكا وأوروبا دول فاشلة وكذلك الصين وروسيا

 التقارير المعاصرة تخرج بنتائج خاطئة لاعتمادها على إحصائيات وتقارير كاذبة تقدمها الدول الفاشلة 

الجزائر وتونس ومصر وليبيا وكذلك العراق وسوريا واليمن من فشل إلي فشل بسبب تفشي الفساد وسيطرة العسكر والحروب 


نشر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) دراسـة (24 أغسطس 2020) بعنوان: الشرق الأوسط: من “الربيع العربي” إلى “محور الدول الفاشلة” ، أشار فيها الباحث كوردسمان إلى أن الآمال التي كانت معقودة في منطقة الشرق الأوسط عقب اتفاقية كامب ديفيد ، قد تلاشت، وأن أجواء التفاؤل التي صاحبت انتهاء حرب الخليج الأولى (1991) والعام الأول من الربيع العربي (2011) قد أصبحت بعيدة المنال، حيث سارت دول المنطقة في اتجاه خاطئ وتدهور حال الشرق الأوسط بطريقة تخطت الصراعات التقليدية بين الأديان والإيديولوجيات والنخب الحاكمة إلى أزمات أكثر عمقاً.


أشار كوردسمان إلى أن خطر تحول معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى دول فاشلة يتخطى المهددات التي تمثلها كل من: إيران والجماعات الإرهابية والاحتقان الطائفي، إذ إن هذه الدول قد أخفقت في تبني إصلاحات مدنية واقتصادية، ولم تتمكن من معالجة؛ تفشي الفساد، وضعف كفاءة السياسات الوطنية ومشاكل الحوكمة، بحيث أصبحت تلك الإخفاقات جزءاً من مشهد إقليمي تتفاقم مشاكله نتيجة التدهور الاقتصادي وتنامي البطالة وانخفاض أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا.


الأسباب الحقيقية للفشل


ونبه كوردسمان إلى أن الحديث عن مظاهر الفشل في الشرق الأوسط لا يعني أن الأقاليم الأخرى أفضل حالاً، فوفقاً للمعايير المستخدمة تصنف الولايات المتحدة ذاتها على أنها دولة فاشلة من الفئة (أ-ب) نتيجة إخفاقها في تحقيق أية نتائج ناجعة من وراء حروبها الطويلة التي خاضتها، ونتيجة سياساتها العنصرية وإخفاقها في استخدام ثرائها لتحقيق المساواة الاقتصادية ومعالجة مظاهر الفقر المتنامي.

وكذلك الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي حصل على تصنيف سيء بسبب تراكم إخفاقاته، ناهيك عن تدهور كل من الصين وروسيا في دركات الاستبداد، ما يدفع لتصنيفهما في مستوى (د).


أما في الشرق الأوسط فإن الوقت قد حان للنظر إلى ما وراء الإرهاب وسياسات إيران المتشددة، ومعالجة المهددات الأكثر إلحاحاً على المستوى الإنساني في كل من: العراق، وليبيا، والصومال، والسودان، وسوريا واليمن وغيرها من الدول.


ففي مقابل تركيز معظم الـدراسـات المعاصرة على مخاطر التطرف والسياسات الإيرانية والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؛ يمكن ملاحظة تجاهل عوامل أكثر إلحاحاً كالتمييز على أسـس قبلية وطائفية وعرقية، والتدهور الاقتصادي، وانتهاج العنف الرسمي، والسلوك الخاطئ لحكومات المنطقة إزاء مشاكلها الداخلية، وتعلقها بالآمال الزائفة، وغياب سياسات الإصلاح الفعلي، فضلًا عن تجاهل المخاطر الناجمة عن تفشي الفساد، وسوء توزيع الثروة، واستحواذ نخب ضيقة على موارد تلك الدول ومقدراتها.


... ونتيجة لذلك؛ فإن العديد من التقارير المعاصرة تخرج بنتائج خاطئة جراء اعتمادها على إحصائيات وتقارير مسيسة تقدمها السلطات الرسمية في الدول الفاشلة في مجالات النمو الاقتصادي ومستويات البطالة والصحة والتعليم والخدمات الحكومية، والتي تتجاهل الأسباب الحقيقية للتدهور الاقتصادي كاعتماد غالبية السكان على عدد محدود من الموظفين، وتفشي البطالة في صفوف الشباب، ولامبالاة حكومات المنطقة إزاء الآثار السلبية الناجمة عن النمو السكاني والتوسع الحضري، حيث تشير تقديرات مكتب الإحصاء الأمريكي إلى ارتفاع عدد سكان المنطقة من 112.7 مليون عام 1950 إلى 411.4 مليون عام 2000، وتوقعت وصول العدد إلى 598.9 مليون عام 2029.


... وبالإضافة إلى الحروب المتتالية والاضطرابات السياسية وتنامي أعـداد اللاجئين والنازحين؛ تعاني معظم دول المنطقة من؛ تنامي مظاهر الاستبداد، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتفاوت الكبير في توزيع الدخل، وشيوع الانقسامات الدينية والعرقية، وتفشي النزاعات الإقليمية، وسباق التسلح، وتدفق اللاجئين، وارتفاع معدلات الفساد، وغياب سياسات تحديث الاقتصاد وتبني سياسات الانفتاح، والفشل في التعامل مع الضغط السكاني (خاصة في قطاع الشباب)، وتقلص فرص العمل، بحيث تبدو أغلب دول المنطقة غير قادرة على مساعدة نفسها نتيجة اعتمادها المفرط على المساعدات الخارجية التي تسهم في إطالة أمد الأزمات بدلاً من حلها.


تدهور دول “الربيع العربي”

 

اعتمدت الدراسة على مصادر أولية تتمثل في: تقارير التنمية العربية للأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، وتصنيفات البنك الدولي “للحوكمة وسهولة ممارسة الأعمال التجارية”، وبيانات منظمة الشفافية الدولية، وبنك العمل، ومعلومات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وقاعدة البيانات الدولية لمكتب الإحصاء الأمريكي.


وفي استعراضه للأوضاع التي آلت إليها جمهوريات “الربيع العربي”؛ رأى الباحث أن العقد الماضي قد مثل تحذيرا ًلتلك الدول من مخاطر استمرار فشل قياداتها في تلبية احتياجات الشعوب، وعدم وفائها بوعود الإصلاح، حيث تعاني الجزائر من ضغوط سكانية خطيرة، ومن مشاكل اقتصادية مستحكمة، ومن فشل السلطات في إنشاء نظام حكم فاعل يحل محل المجلس العسكري السابق، إذ لا يزال الجيش يهيمن على مؤسسات الحكم، ما دفع بتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية (2019) لتصنيف الجزائر في مرتبة ما بين “منخفض” إلى “متوسط”، وبالبنك الدولي لوضعها في “تصنيف ممارسة الأعمال” بالمرتبة 157 من أصل 190 دولة.


وعلى الرغم من تحقيق إصلاحات مهمة في مؤسسات الحكم بتونس؛ إلا أن سياسات الإصلاح الاقتصادي لا تزال غير كافية، حيث تعاني البلاد من زيادة سكانية كبيرة، ومن فقدان الدخل السياحي نتيجة تفشي فيروس كورونا، وتفشي البطالة في صفوف الشباب، بالإضافة إلى تشظي نظام الأحزاب السياسية، وصعوبة التوافق على سياسات وطنية في مجالات الإصلاح الاقتصادي، وإسهام القيود الخارجية في إبطاء الانتعاش الاقتصادي.


في هذه الأثناء؛ تعيش ليبيا حالة حرب أهلية طاحنة تزكيها نزاعات مناطقية وقبلية عميقة وتدخلات خارجية، وتعاني من هيكل حكم واقتصاد ضعيفين ورثتهما من عهد الاستبداد، واضطرابات إنتاج النفط، ما دفع بتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية (2019) إلى وضعها في المرتبة 119 من أصل 189، وتصنيفها في المرتبة 168 من أصل 198 دولة في مؤشر الفساد، ووضعها في تقرير البنك الدولي في “ممارسة الأعمال” بالمرتبة 186 من أصل 190 دولة، ما يجعلها إحدى أسوأ دول العالم في هذا التصنيف، ولا يتوقع أن يتمكن الطرف المنتصر في الحرب الأهلية من القيام بإصلاحات ناجعة خلال السنوات الخمسة المقبلة، حيث تتوقع الدراسة أن تبقى البلاد في حالة من الفوضى المستعصية.


... كذلك هو الحال بالنسبة لمصر التي انجرفت إلى مستويات متدنية من الاستبداد والقمع، حيث تمارس المؤسسة العسكرية دوراً مفرطاً في السياسة وتستنزف الاقتصاد الوطني الذي يعاني من ارتفاع غير مسبوق في الزيادة السكانية ومن تدهور دخل السياحة، ما يدفع بالبلاد للاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية.


ونتيجة لذلك فقد حصلت مصر على تقدير متدن في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية (2019)، حيث حلت في المرتبة 116 من بين 189 دولة، وحصلت في مؤشر البنك الدولي للحوكمة على نسبة متدنية بلغت30.8 %، وصنفت حالة الفساد فيها ما بين “متوسط” إلى “مرتفع” ،حيث جاءت في المرتبة 106 من أصل 198 دولـة، وحلت في مؤشر ممارسة الأعمال على ترتيب “ضعيف” (114 من 190 بلد)، وتوقع الباحث أن تبقى مصر “دولة فاشلة” في غضون السنوات الخمسة المقبلة، حيث يتعين عليها تبني إصلاحات جذرية في الاقتصاد وتخفيف وطأة الاستبداد والقمع وتسلط العسكر على مؤسسات الحكم المدني وهو أمر غير متوقع في المستقبل المنظور.


... وبالإضافة إلى معاناة الأردن من تبعات التدهور الاقتصادي وتردي الأداء الحكومي، وتوقع عدم استقرار الحكم في غضون السنوات الخمسة المقبلة؛ تؤكد الدراسة أن العراق لا يزال غير قادر على التعافي من حربة ضد تنظيم “داعش”، ولا تزال حكومته ضعيفة وغير مستقرة، فيما تعاني البلاد من تنامي الانقسامات العرقية والطائفية في مؤسسات الحكم، وفي الهياكل السياسية التي تعاني من فساد هائل على شتى المستويات، ومن الضغوط الإيرانية والتدخل العسكري التركي في الشمال، وعدم الاستقرار في المناطق الحدودية مع سوريا، فضًلا عن الميلشيات المنفلتة، وسوء توزيع الموارد،وعدم توفر الخدمات الحكومية، وتفاقم المشاكل الأمنية، ومعاناة القطاع العام من التضخم والبطالة المقنعة، واستهلاك القطاع الحكومي غير الفعال جزءاً كبيراً من الإيرادات، واستحواذ القطاع الأمني والعسكري على الجزء الأكبر من الإنفاق دون تحقيق أي مردود أمني يذكر.

ونتيجة لذلك فقد جاء العراق في تصنيف الأمم المتحدة للتنمية (2019) في المرتبة 120 من بين 189 دولة، وحصل في مؤشر البنك الدولي للحوكمة على 7.2% وهي نسبة متدنية للغاية، مقابل ارتفاع مستويات الفساد حيث حل العراق في المرتبة 162 من بين 198 دولة، وصنف البنك الدولي العراق في المرتبة 172 من بين 190 دولة في مؤشر “أداء الأعمال” لتصبح إحدى أكثر دول العالم سوءاً في هذا المجال.


فيما تتضاعف حالة الفشل وعدم القدرة على تطوير اقتصاد فاعل في اليمن نتيجة؛ الصراعات الأهلية، والتدخلات الخارجية، والضغط السكاني، وندرة مياه الري، وتدهور الزراعة، وغيرها من العوامل التي تحول دون تحقيق الاستقرار، حتى بعد التوصل إلى حل سياسي بين الحوثيين والحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة، وهو أمر غير متوقع في المستقبل المنظور للبلاد التي تعاني من شروخ مجتمعية تحول دون إعادة توحيدها من جديد ونتيجة لتلك المهددات؛ فقد صنف مؤشر الأمم المتحدة للتنمية اليمن في مرتبة “ضعيف جداً”، حيث احتلت المرتبة 177، ووضع مؤشر البنك الدولي للحوكمة لليمن نسبة متدنية لا تتجاوز 1%، فيما حلت البلاد في المرتبة 177 من أصل 198 دولة بمؤشر الفساد، واحتلت في مؤشر “ممارسة الأعمال” المرتبة الثالثة قبل الأخيرة على العالم (187 من أصل 190 دولة)، ما يؤكد استمرار المأساة اليمنية في السنوات الخمسة المقبلة، خاصة وأنها تقبع في أسوأ المراتب العالمية وفق تصنيف الأمم المتحدة ومؤشرات البنك الدولي.


كما يعاني السودان بدوره من؛ الانقسام المجتمعي، ومن النزاعات القبلية والإقليمية والطائفية، وتردي الأداء الحكومي، وتدهور الاقتصاد الوطني الذي يعتمد بصورة كاملة على المساعدات الخارجية، ما يسهم في انخفاض متوسط العمر وتراجع دخل الفرد، وُتصنف السودان في مرتبة “منخفضة للغاية ”بمؤشرات الأمم المتحدة للتنمية البشرية(2019)،حيث تحتل المرتبة 168، ويقدر البنك الدولي مستوى الحوكمة بنسبة 5.8% (منخفض جداً)، كما تعاني البلاد من تنامي مظاهر الفساد، حيث تحتل المرتبة173من أصل198 دولة، وُتصنف في المرتبة171 من بين 190 دولة في مؤشر البنك الدولي “لممارسة الأعمال”، ولا يبدو أن البلاد ستشهد أي تحسن في السنوات الخمسة المقبلة في ظل الهيمنة العسكرية على مقاليد الحكم.


وعن المخاطر الكامنة في سوريا ولبنان، توقعت الدارسة أن تشهد سوريا المراحل الأخيرة من الحرب الطاحنة، إلا أنها لا تتوقع أي تحسن في مستويات الاستبداد والقمع والعنف وإرهاب الدولة، ما يعزز من معاداة قطاعات واسعة من الشعب للحكم، خاصة وأن ممارسات النظام قد أودت بحياة مئات الآلاف خلال الفترة 2011-2020.


وتعاني البلاد من نظام حكم فاسد، ومن اقتصاد ممزق يحتاج إلى عملية إصلاحية واسعة النطاق، ويصعب تحقيق ذلك في ظل التدخل العسكري الروسي والارتباط بإيران و”حزب الله”، الأمر الذي يعمق الأزمة ويهدد الاستقرار، ويزيد فرص التصادم العسكري مع “إسرائيل”.


وفي ظل فشل العملية التفاوضية برعاية الأمم المتحدة منذ عام 2014؛ تعمل إيران وروسيا وتركيا منذ عام 2017 ضمن مسار دبلوماسي منفصل عن الأمم المتحدة دون أن تنجح بدورها في الحد من العنف أو وقف الخسائر، حيث يبلغ عدد القتلى مئات الآلاف، ويتسبب الصراع في نزوح نحو 6 ملايين سوري داخلياً، ولجوء 5,7 مليون خارجياً، وحاجة 11,1 مليون للمساعدة الإنسانية في جميع أنحاء البلاد.. ولا يزال الصراع في سوريا يشكل أحد أكبر الأزمات الإنسانية التي شهدها العالم في هذا القرن.


وقّيم كوردسمان الوضع الحالي في سوريا بقوله :“في عامه التاسع ؛لايزال الصراع في سوريا يتسبب بخسائر فادحة في الأرواح وفي معاش الشعب السوري، حيث قدر عدد القتلى المرتبطين مباشرة بالنزاع منذ أبريل 2016 بأكثر من 400000 بحسب أرقام الأمم المتحدة، مع وقوع عدد أكبر من الجرحى والمصابين، يترافق ذلك مع أثر اجتماعي واقتصادي كارثي هائل ومتفاقم، يتمثل في افتقار الملايين لخدمات الرعاية الصحية والتعليم والإسكان والغذاء، ودفع الملايين إلى البطالة والفقر، وقد بلغ عدد النازحين داخلياً نحو 6,2 مليون، فيما بلغ عدد اللاجئين المسجلين رسميا حتى 2019 لدى الأمم المتحدة نحو 5,6 مليون لاجئ. وأدى التدهور الحاد في النظام الصحي إلى تعريض السوريين إلى مزيد من الصدمات والأخطار خصوصاً بعد انتشار جائحة كورونا، وتسبب الانخفاض الحاد في عائدات النفط وتعطيل التجارة بزيادة الضغط على التوازنات الخارجية لسوريا واستنفاد احتياطها النقدي بشكل سريع”.

وكان البنك الدولي قد أصدر تقريرين (2017) حول تأثير الصراع في سوريا، حيث تحدث الأول عن تقدير الأضرار في حلب وإدلب وحماة، فيما تناول الثاني تحليل النتائج الاجتماعية والاقتصادية للصراع، وقدر مجمل خسائر ناتج الدخل القومي (2011-2016) بنحو 226 مليار دولار، وتوصل إلى أن الخسائر الناجمة عن الاضطراب الاقتصادي تجاوزت الخسائر الناجمة عن التدمير المادي، ما يؤدي إلى تنامي مصاعب التعافي وتعميق الحالة الكارثية التي تشهدها البلاد.


ونتيجة لتلك الحالة المزرية؛ فقد صنف تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية سوريا في مرتبة “منخفض جداً”، حيث احتلت المرتبة 154 من بين 189 دولة، وأعطى البنك الدولي للحوكمة سوريا نسبة تقييم “شديدة التدني” بلغت 1,4%، فيما احتلت البلاد المرتبة 178 من بين 198 دولة في مؤشر الفساد، وجاءت في مرتبة “ضعيف” (176 من بين 190 دولة) في مؤشر البنك الدولي “لترتيب ممارسة الأعمال”، ويتوقع أن تستمر البلاد في حالة الفوضى المستعصية خلال السنوات الخمسة المقبلة.


أما لبنان فتهيمن فيه نخب طائفية تعمل لخدمة مصالحها الخاصة، فيما يفرض “حزب الله” نفسه كدويلة عسكرية تدعمها إيران، وعلى الرغم من وعود الإصلاح الكثيرة فقد انهار اقتصاد لبنان بسبب الفساد الهائل ونظام الحكم غير الفاعل، ما جعل البلاد تغرق في حالة من الفوضى قبل تفشي فيروس كورونا وانفجار مرفأ بيروت، واللذان ضاعفا من حجم الأزمة، ولا تتوفر في الوقت الحالي زعامة سياسية تمتلك القدرة على إدارة البلاد.


ورأت الدراسة أن الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية لن يساعد إلا في إطالة أمد الفشل، حيث تسهم هـذه المساعدات في اعتماد الاقتصاد اللبناني على الدعم الخارجي، والتراخي عن تبني إصلاحات جادة، والاستمرار في ممارسات مظاهر الفساد، وفي تمكين “حزب الله” من تكديس المزيد من الصواريخ والاستفادة من تدهور الحكم لبناء قدراته العسكرية التي قد تفضي إلى مواجهة خطيرة مع “إسرائيل”.


وقّيم كوردسمان الوضع في لبنان بقوله :“لجأ لبنان إلى الاقتراض الكثيف لبناء نفسه في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية 1975-1990، خاصة من البنوك المحلية، ما أثقل كاهل الحكومة لخدمة الدين، ولم تتمكن من الوفاء بالتعهدات التي قطعتها لمؤتمرات المانحين في العقد الماضي لإجراء إصلاحات اقتصادية، بما في ذلك مؤتمر باريس الثالث (2007)، ومؤتمر “سيدر” (2018)، والذي حشدت فيه فرنسا المجتمع الدولي لمساعدة لبنان من خلال التمويل الميسر وتقديم بعض المنح لتحسين البنية التحتية، مقابل إجراء إصلاحات مالية واقتصادية هيكلية طال انتظارها دون طائل”.


وأضــاف: “أثـر الصراع في سوريا على لبنان بشكل هائل، كون سوريا واحـدة من الأســواق الرئيسية للمنتجات اللبنانية، وكونها المعبر البري الوحيد للوصول لأسواق المنطقة، ونتج عن تدفق نحو مليون لاجئ سـوري مسجل ونحو 300 ألف آخرين غير مسجلين؛ تنامي مظاهر التوتر الاجتماعي وزيـادة المنافسة على الوظائف والخدمات منخفضة المهارة، ولا يزال لبنان يواجه العديد من نقاط الضعف الهيكلية طويلة الأمد، والتي تعود إلى مرحلة ما قبل اندلاع الأزمة السورية، بما في ذلك ضعف البنية التحتية، وتدهور الخدمات، وتفشي الفساد المؤسسي، والإفراط في البيروقراطية، والعجز المالي الذي نتج عنه زيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، بحيث بلغت لبنان ثالث أعلى نسبة في العالم،إذ إن معظم الديون داخلية تم اقتراضها من البنوك اللبنانية”.


ونتيجة لتلك الأوضاع؛ فقد صنف مؤشر الأمم المتحدة لبنان (2019) في درجة ما بين “منخفض” إلى “متوسط” حيث جاء في المرتبة 92 من بين 189 دولة، ووضع مؤشر البنك الدولي للحوكمة لبنان نسبة “ضعيف جداً”، حيث بلغ نسبة 12% محتلا المرتبة 137 من بين 198 دولة، وتعاني البلاد من معدلات فساد مرتفعة، حيث حلت في المرتبة 137 من بين 198 دولة، وتأتي في المرتبة 143 من بين 190 دولة (ضعيف) بمؤشر البنك الدولي في “ممارسة الأعمال”، ويتوقع أن تستمر حالة الفوضى المستعصية في لبنان خلال السنوات الخمسة المقبلة.


"الخارج" لا يستطيع مساعدة الدول التي لا تساعد نفسها

 

نبهت الدراسة إلى خطورة التركيز على تأثير العوامل الخارجية في التدهور الاقتصادي والسياسي وتجاهل العوامل الداخلية والتي دفعت بالحراك الشعبي في حقبة “الربيع العربي”، محذرة من أن ذلك التجاهل سيؤدي إلى إنشاء “محور فشل” يشمل معظم دول المنطقة، مؤكدة على أن التحدي الأبرز يمكن في قدرة كل دولة على معالجة مشاكلها الداخلية الملحة وتلبية احتياجات موا طنيها وإحرازتقدم مستدام.

ورأت أنه في حقبة جديدة يعاني العالم فيها من شح الموارد وتقلص المساعدات الخارجية؛ فإنه من غير الممكن تحقيق تقدم فعلي في تلك الـدول من خلال الاقتصار على المساعدات الخارجية، ولن تتمكن القوى الداعمة من دفع حكومات تلك الدول لتحقيق الإصلاحات المطلوبة من خلال الاستمرار في

تخصيص المساعدات للدول الفاشلة التي لا تستطيع -أو لا تريد- مساعدة نفسها.




التعليقات (0)